ـ[الحجة للقراء السبعة]ـ المؤلف: الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ الأصل، أبو علي (المتوفى: ٣٧٧هـ) المحقق: بدر الدين قهوجي - بشير جويجابي راجعه ودققه: عبد العزيز رباح - أحمد يوسف الدقاق الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق / بيروت الطبعة: الثانية، ١٤١٣ هـ - ١٩٩٣م عدد الأجزاء: ٧ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

Unknown page

[مقدمة التحقيق] المقدّمة بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيّما. كتابا ختم به الكتب، وأنزله على نبيّ ختم به الأنبياء، بدين شامل ختم به الأديان، صلى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الواعين الذين حفظت صدورهم وسطّرت أقلامهم ما تنزل على نبيّهم من ربّه، ونقلوه لمن بعدهم كما حفظوه وسطروه، ونفوا عنه تحريف الغالين، وتأويل المبطلين. وبعد، هذا كتاب الحجّة للقرّاء السبعة أئمة الأمصار بالحجاز والعراق والشام الذين ذكرهم ابن مجاهد في كتابه، نقدّمه للقرّاء في ثوب جديد وإخراج مشرق، وقد يئس المتلهفون إلى رؤيته من استكماله وذلك بعد مرور ثمانية عشر عاما على صدور جزئه الأول عن دار الكتاب العربي في القاهرة. نقدم على طبعه ونشره مستعينين بالله على إتمامه، سائلين إياه أن يلقى القبول لدى المهتمين بكتاب الله ﷿ ولغته، راجين أن يجنّبنا الزلل، ويلهمنا الصواب في القول والعمل. وقد جرت العادة في التحقيق والتأليف أن يقدم المحقق أو المؤلّف بين يدي كتابه مقدمة تكون بمثابة نافذة على الكتاب ومفتاح له، تمهّد لفهمه وتعطي القارئ نظرة شاملة وإلمامة سريعة عجلى، فيترجم للمؤلف، ويكشف النهج الذي سلكه، وخاصة إن كانت مقدمة الكتاب على النحو المقتضب الذي قدّمه الفارسي لكتابه هذا، كما توقف القارئ على الخطة التي التزمها المحقق في إبراز هذا المؤلّف والطريقة التي سلكها في إخراجه ونشره.

المقدمة / 3

وقد رأيت قبل الحديث عن المؤلّف والكتاب أن أمهّد له بما يتصل بالموضوع ويحسن بالقارئ الاطّلاع عليه والإفادة منه، فأسوق جوابا لأسئلة تتعلق بقوله ﷺ في الحديث المتفق عليه: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» «١» ثم أذكر شروط القراءة الصحيحة. ١ - ما سبب ورود القرآن على سبعة أحرف؟ سبب وروده على سبعة أحرف هو التخفيف على هذه الأمة، وإرادة اليسر بها، والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة، وإجابة لقصد نبيّها أفضل الخلق حيث أتاه جبريل فقال له: «إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، فقال ﷺ: أسأل الله معافاته ومعونته، إن أمتي لا تطيق ذلك» ولم يزل يردّد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف. وذلك أن الأنبياء ﵈ كانوا يبعثون إلى قومهم الخاصين بهم، والنبي ﷺ بعث إلى جميع الخلق أحمرها وأسودها، عربيّها وعجميّها، وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم مختلفة، وألسنتهم شتّى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها، أو من حرف إلى آخر، بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج، لا سيما الشيخ والمرأة، ومن لم يقرأ كتابا، فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع. قال ابن قتيبة في كتاب المشكل: فكان من تيسير الله تعالى أن أمر نبيّه ﷺ بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم: فالهذلي يقرأ (عتّى حين) يريد: (حتى حين) لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها، والأسدي يقرأ: تعلمون، وتعلم. وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران/ ١٠٦] وإِذا قِيلَ لَهُمْ [البقرة/ ١١] وَغِيضَ الْماءُ [هود/ ٤٤] بإشمام الضم مع الكسر وهذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا [يوسف/ ٦٥] بإشمام الكسر مع الضم، وما لَكَ لا تَأْمَنَّا بإشمام الضم مع الإدغام، وهذا ما لا يطوع به كل لسان. ولو أن كل فريق أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان، وقطع للعادة، فأراد الله برحمته ولطفه، أن يجعل لهم متسعا في اللغات، ومتصرفا في الحركات كتيسيره عليهم في الدين «٢»». _________ (١) ملخصة من كتاب النشر للجزري. (٢) تأويل مشكل القرآن ٣٩ - ٤٠.

المقدمة / 4

٢ - معنى الأحرف: قال أهل اللغة: حرف كل شيء، طرفه ووجهه، وحافته وحده وناحيته والقطعة منه. والحرف أيضا: واحد حروف التهجّي، كأنه قطعة من الكلمة. قال الحافظ أبو عمرو الداني: معنى الأحرف التي أشار إليها النبي ﷺ هاهنا يتوجه إلى وجهين: أحدهما: أن يعني أن القرآن أنزل على سبعة أوجه من اللغات، لأن الأحرف جمع حرف في القليل، كفلس وأفلس. والحرف قد يراد به الوجه، بدليل قوله تعالى: يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الحج/ ١١] فالمراد بالحرف هنا الوجه، أي على النعمة والخير وإجابة السؤال والعافية، فإذا استقامت له هذه الأحوال اطمأن وعبد الله، وإذا تغيرت عليه، وامتحنه بالشدّة والضر ترك العبادة وكفر، فهذا عبد الله على وجه واحد، فلهذا سمّى النبي ﷺ هذه الأوجه المختلفة من القراءات، والمتغاير من اللغات أحرفا، على معنى أن كل شيء منها وجه. والوجه الثاني من معناها: أن يكون سمى القراءات أحرفا، على طريق السعة، كعادة العرب في تسميتهم الشيء باسم ما هو منه، وما قاربه وجاوره، وكان كسبب منه، وتعلق به ضربا من التعلّق، كتسميتهم الجملة باسم البعض منها، فلذلك سمى ﷺ القراءة حرفا، وإن كان كلاما كثيرا من أجل أن منها حرفا من غير نظمه، أو كسر، أو قلب إلى غيره، أو أميل، أو زيد أو نقص منه، على ما جاء في المختلف فيه من القراءة. فسمى القراءة إذا كان ذلك الحرف فيها حرفا، على عادة العرب في ذلك واعتمادا على استعمالها. قلت: وكلا الوجهين محتمل، إلا أن الأول محتمل احتمالا قويا في قوله ﷺ: «سبعة أحرف» أي: سبعة أوجه وأنحاء. والثاني محتمل احتمالا قويا في قول عمر ﵁ في الحديث: سمعت هشاما يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله ﷺ. أي: على قراءات كثيرة. وكذا قوله في الرواية الأخرى: سمعته يقرأ فيها أحرفا لم يكن نبي الله ﷺ أقرأنيها. فالأول غير الثاني، كما يأتي بيانه.

المقدمة / 5

٣ - ما المقصود بهذه السبعة؟ اختلف العلماء في المقصود بهذه السبعة مع إجماعهم على أنه ليس المقصود أن يكون الحرف يقرأ على سبعة أوجه «١»، نحو: «أف، وجبريل، وأرجه، وهيهات، وهيت» وعلى أنه لا يجوز أن يكون المراد هؤلاء السبعة القرّاء المشهورين، وإن كان يظنه بعض العوّام، لأن هؤلاء السبعة لم يكونوا خلقوا ولا وجدوا. وأول من جمع قراءاتهم أبو بكر بن مجاهد في أثناء المائة الرابعة. وأكثر العلماء على أنها لغات، ثم اختلفوا في تعيينها. ثم يناقش ابن الجزري هذا القول ويعرض غيره من الآراء ثم يردّها. ٤ - ما وجه كونها سبعة دون أن تكون أقل أو أكثر؟ قال الأكثرون: إن أصول قبائل العرب تنتهي إلى سبعة، أو أن اللغات الفصحى سبع، وكلاهما دعوى. وقيل: ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بحيث لا يزيد ولا ينقص، بل المراد السعة والتيسير، وأنه لا حرج عليهم في قراءته بما هو من لغات العرب من حيث إن الله تعالى أذن لهم في ذلك، والعرب يطلقون لفظ السبع والسبعين والسبعمائة ولا يريدون حقيقة العدد بحيث لا يزيد ولا ينقص، بل يريدون الكثرة والمبالغة، من غير حصر، قال تعالى: (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) و(إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) وقال ﷺ: في الحسنة: «إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة». وهذا جيد لولا أن الحديث يأباه، فإنه ثبت في الحديث من غير وجه أنه لمّا أتاه جبريل بحرف واحد قال له ميكائيل: استزده، وأنه سأل الله تعالى التهوين على أمته، فأتاه على حرفين، فأمره ميكائيل بالاستزادة، وسأل الله التخفيف، فأتاه بثلاثة. ولم يزل كذلك حتى بلغ سبعة أحرف. وفي حديث أبي بكرة: «فنظرت إلى ميكائيل فسكت، فعلمت أنه قد انتهت العدّة» فدلّ على إرادة حقيقة العدد، وانحصاره. _________ (١) انظر غريب الحديث لأبي عبيد ٣/ ١٥٩.

المقدمة / 6