بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، وفضله على سائر الأجناس بالتمييز والتبيان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أرشد موجوداته وأسعد مخلوقاته سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحبه وتابعيهم ما ترنمت البلابل بالألحان، وغردت سواجع الأطيار على فنن الأغصان. وبعد فإنه لما كانت صناعة الخط أنفع بضاعة للكتاب، وأوسع كفاية للطلاب في هذا الباب، وأشرف وسيلة للتقريب، وألطف وصيلة لتوسيع الرزق والترحيب، كما قال الشاعر: لا تعدُ عن حقِّ الكتابة إنَّها ... مغنى الغنى ومفاتحُ الأرزاق واخشَ اليراعةَ وارجها فهي التي ... عرفت بنفث السُّمِّ والدِّرياق وكان المتصف به جهينة الأخبار، وحقيبة الأسرار، وبحي العظماء، وكبير الندماء، وترجمان السلطان، وصندوق البيان، ألفت هذه لرسالة مشتملة على فضيلة الخط والقلم، وما جاء فيهما من الآثار، وما للحكماء فهما من الأسرار، وبيان من وضع الخط أولًا وألف الحروف وألبسها حلل التفصيل وأحلها في أحسن الظروف. ثم بيان

1 / 23

الأجلة من الكتاب، والأعيان من أهل الفن بحسن النسق المستطاب. وقد جعلتها هدية إلى خزانة من نبغ فيه واشتهر كاشتهار الشمس في رابعة النهار، وهذب قواعده وأتقن مراتبه بحسن الضبط والاعتبار، جمال هذا الفن الذي فاق فيه وبرع، وجمع بين المتانة والحسن ما لم يسبق به فلله ما جمع، فلو شاهد ابن هلال لأقر له بالإتقان، أو عاصره ياقوت لقال هذا إنسان عين الزمان، أو رآه الشيخ لافتخر به عصره، وأذعن أنه فريد مصره، المولي الكامل الماهر الكاتب، ذي الخط البديع المشرق كالكواكب، صاحب العرف الندي، الأمير حسن أفندي الملقب بالرشدي، جمل الله بجماله هذه الصناعة وأربابها، ويسر له الخيرات وفتح له أبوابها. فخذها جريدة مفيدة للمتدرب الكاتب، وخريدة منجية للمتعلم عن المتاعب، وسفينة جارية على مقاصد المتأملين فيها من كل باب، ودفينة رزينة لمن يتعرض في اقتناء الدر من مناهج الصواب، جريدة شحنت مسكًا زواياها، وحقة ملئت درًا خباياها، أمليتها من غرائب بنات الأفكار، ونوادر نتائج ثمرات الأخيار.

1 / 24

وكلُّ سطرٍ من الياقوت زاد علًا ... فلا تقيسوه بالمنحوت من حجر وكسرتها على عشرة فصول وخاتمة، وسميتها حكمة الإشراق، إلى كتاب الآفاق. وعلى الله توكلي وبه أستعين، في أمور الدنيا والدين.

1 / 25

فصل في ذكر من وضع الخط وأصله ووصله وفصَّله يقال: إن أول من وضع الخط والكتب كلها آدم ﵇ قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها في طين وطبخه، فلما أضل القوم الفرق أصاب كل قوم كتابهم. وقيل: أول من وضعه أخنوخ، وهو إدريس ﵇. وقيل إن نفيس، ونصر، وتيما، ورومه، بنو إسماعيل، وضعوا كتابًا واحدًا وجعلوه سطرًا واحدا غير متفرق، موصول الحروف كلها، ثم فرقه نبت، وهميسع وقيذار، وفرقوا الحروف وجعلوا الأشباه. وأما الخط العربي فأول من وضعه وألف حروفه ستة أشخاص من طسم، كانوا نزولا عند عدنان بن أدد، وكانت أسماؤهم: أبجد هوز حطى كلمن سعفص قرشت، فوضعوا الكتابة والخط على

1 / 27

أسمائهم، فلما وجدوا في الألفاظ حروفًا ليست في أسمائهم ألحقوها بها، وسموها الروادف، وهي ثخد ضظع. وقيل: أول من وضع الخط العربي مرامر بن مرة وقيل، عامر بن جدرة - وقد ذكر كلًا نهما صاحب القاموس - وقيل أسلم بن سدرة، وهم نفر من بولان رسموه أحرفًا مقطعة، ثم قاسوه على هجاء السريانية، فوضع مرامر صوره، وعامر أعجمه، وأسلم وصل وفصل. وقال ابن خلكان: والصحيح عند أهل العلم أن أول من خط هو مرامر بن مرة من أهل الأنبار، وقيل إنه من بني مرة. ومن الأنبار انتشرت الكتابة في الناس. قال الأصمعي: ذكروا أن قريشًا سئلوا: من أين لكم الكتابة؟ فقالوا: من الأنبار. وقال هشام بن محمد بن السائب: تعلم بشر بن عبد الملك الكتابة من أهل الأنبار وخرج إلى مكة وتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية. تعلم منه حرب، ومنه ابنه سفيان، ومنه ابن أخيه سيدنا معاوية ﵁، ثم انتشر في قريش، وهو الخط الكوفي الذي استنبطت

1 / 28