بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْفَقِيه موفق الدّين شيخ الاسلام مفتي الْأَنَام سيد الْعلمَاء أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي ﵁ وأرضاه الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على مُحَمَّد النَّبِي وَآله أَجْمَعِينَ أما بعد فَإِنَّهُ تكَرر سُؤال بعض أَصْحَابنَا عَن حِكَايَة مناظرة جرت بيني وَبَين بعض أهل الْبِدْعَة فِي الْقُرْآن فَخفت من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَرَأَيْت أَن أذكر ذَلِك على غير سَبِيل الْحِكَايَة كي لَا تكون الزِّيَادَة فِي الْحجَج والأجوبة عَن شبههم كذبا مَعَ تضمن ذَلِك لأكْثر مَا جرى إِن شَاءَ الله سُبْحَانَهُ وَالله الْمُوفق والمعين وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل فَنَقُول مَوضِع الْخلاف أننا نعتقد أَن الْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ هَذِه الْمِائَة والأربع عشرَة سُورَة أَولهَا سُورَة الْفَاتِحَة وَآخِرهَا المعوذات وانه سور وايات وحروف وكلمات متلو مسموع مَكْتُوب وَعِنْدهم أَن هَذِه السُّور والآيات لَيست بقرآن وَإِنَّمَا هِيَ عبارَة عَنهُ وحكاية

1 / 17

وانها مخلوقة وَأَن الْقُرْآن معنى فِي نفس الْبَارِي وَهُوَ شَيْء وَاحِد لَا يتَجَزَّأ وَلَا يَتَبَعَّض وَلَا يَتَعَدَّد وَلَا هُوَ شَيْء ينزل وَلَا يُتْلَى وَلَا يسمع وَلَا يكْتب وَأَنه لَيْسَ فِي الْمَصَاحِف إِلَّا الْوَرق والمداد وَاخْتلفُوا فِي هَذِه السُّور الَّتِي هِيَ الْقُرْآن فَزعم بَعضهم انها عبارَة جِبْرِيل ﵇ هُوَ الَّذِي ألفها بإلهام الله تَعَالَى لَهُ ذَلِك وَزعم آخَرُونَ مِنْهُم أَن الله تَعَالَى خلقهَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَأَخذهَا جِبْرِيل مِنْهُ وَاحْتَجُّوا على كَون هَذِه السُّور مخلوقة بِأَنَّهَا تَتَعَدَّد وَلَا يَتَعَدَّد إِلَّا الْمَخْلُوق وَهَذَا يبطل بِصِفَات الله تَعَالَى فَإِنَّهَا صِفَات مُتعَدِّدَة مِنْهَا السّمع وَالْبَصَر وَالْعلم والإرادة وَالْقُدْرَة والحياة والكلالام وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا قديمَة وَكَذَلِكَ أَسمَاء الله تَعَالَى فَإِنَّهَا مُتعَدِّدَة قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى فَادعوهُ بهَا وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ﴾ الاعراف ١٨٠ وَقَالَ النَّبِي ﷺ إِن لله تَعَالَى تِسْعَة تسعون اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها

1 / 18

دخل الْجنَّة فَثَبت تعدادها بِالْكتاب وَالسّنة الْإِجْمَاع وَهِي قديمَة وَقد نَص الشَّافِعِي ﵀ على أَن أَسمَاء الله تَعَالَى غير مخلوقة وَقَالَ احْمَد ﵀ من زعم ان اسماء الله تَعَالَى مخلوقة فقد كفر وَكَذَلِكَ كَلِمَات الله تَعَالَى مُتعَدِّدَة قَالَ الله تَعَالَى ﴿قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات رَبِّي لنفد الْبَحْر قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا﴾ الْكَهْف ١٠٩ وَهِي قديمَة وَكَذَلِكَ كتب الله تَعَالَى فَإِن التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْقُرْآن مُتعَدِّدَة وَهِي غير مخلوقة وَإِن قَالُوا هِيَ مخلوقة فقد قَالُوا بِخلق الْقُرْآن وَهُوَ قَول الْمُعْتَزلَة وَقد اتفقنا على ضلالهم وَاتفقَ المنتمون إِلَى السّنة على ان الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن كَافِر مِنْهُم

1 / 19

من قَالَ كفر ينْقل عَن الْملَّة وَمِنْهُم من قَالَ لَا يَنْقُلهُ عَنْهَا فَمَتَى قَالُوا بِخلق الْقُرْآن وَغَيره من كتب الله تَعَالَى فقد قَالُوا بقول أقرُّوا بِكفْر قَائِله وَإِن أقرُّوا بهَا غير مخلوقة وَهِي مُتعَدِّدَة فقد بَطل قَوْلهم وان قَالُوا هى شَيْء وَاحِد غير مُتعَدِّدَة فقد كابروا وَيجب على هَذَا أَن تكون التَّوْرَاة هِيَ الْقُرْآن وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَأَن مُوسَى لما أنزلت عَلَيْهِ التَّوْرَاة فقد انْزِلْ عَلَيْهِ كل كتاب لله تَعَالَى وان نَبينَا ﵇ لما أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن فقد أنزلت عَلَيْهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَأَن من قَرَأَ آيَة من الْقُرْآن فقد قَرَأَ كل كتاب الله تَعَالَى وَمن حفظ شَيْئا مِنْهُ فقد حفظه كُله وَيجب على هَذَا ان لَا يتعب اُحْدُ فِي حفظ الْقُرْآن لِأَنَّهُ يحصل لَهُ حفظ كل كتاب لله تَعَالَى بِحِفْظ آيَة مِنْهُ وَيجب أَن يكون النَّبِي ﷺ لما أنزل عَلَيْهِ آيَة من الْقُرْآن انْزِلْ عَلَيْهِ جَمِيعه وَجَمِيع التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَهَذَا خزي على قَائِله ومكابرة لنَفسِهِ وَيجب على هَذَا أَن يكون الْأَمر هُوَ النَّهْي وَالْإِثْبَات هُوَ النَّفْي وقصة نوح هِيَ قصَّة هود وَلُوط وَاحِد الضدين هُوَ الآخر وَهَذَا قَول من لَا يستحيي وَيُشبه قَول السوفسطائية وَقد بَلغنِي عَن وَاحِد مِنْهُم أَنه قيل لَهُ سُورَة الْبَقَرَة هِيَ سُورَة آل عمرَان قَالَ نعم وَإِن قَالُوا إِن كَلَام الله ﷿ هُوَ هَذِه الْكتب وَإِن التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْقُرْآن كَلَام الله ﷿ الْقَدِيم لَكِن لم ينزل مِنْهُ شَيْء على الْأَنْبِيَاء وَلَا هُوَ شي يحفظ وَلَا يُتْلَى وَلَا يسمع وَإِنَّمَا أنزل عِبَارَته كذبهمْ الْقُرْآن وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة فَإِنَّهُ لَا خلاف بَين الْمُسلمين كلهم ان الْقُرْآن أنزل على مُحَمَّد ﷺ وان التَّوْرَاة انزلت على مُوسَى وَالْإِنْجِيل على عِيسَى وَالزَّبُور على دَاوُد وَالله ﷿ يَقُول ﴿الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون﴾

1 / 20

يُوسُف ١ ٢ وَقَالَ سُبْحَانَهُ ﴿شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن﴾ الْبَقَرَة ١٨٥ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين﴾ الشُّعَرَاء ١٩٢ ١٩٤ وَقَالَ سُبْحَانَهُ ﴿وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة﴾ الْفرْقَان ٣٢ ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم﴾ الزخرف ٣١ وَقَالَ سُبْحَانَهُ ﴿وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين﴾ الاسراء ٨٢ وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم﴾ الْحجر ٨٧ وَقَالَ تَعَالَى ﴿كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك مبارك﴾ ص ٢٩ وَقَالَ ﴿وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك﴾ الْأَنْعَام ١٥٥٩٢ وَمثل هَذَا كثير وَقد أكفر الله تَعَالَى الْيَهُود بقَوْلهمْ ﴿مَا أنزل الله على بشر من شَيْء﴾ ثمَّ قَالَ ﴿قل من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس﴾ ثمَّ قَالَ ﴿قل الله ثمَّ ذرهم فِي خوضهم يَلْعَبُونَ﴾ الْأَنْعَام ٩١ وَقَالَ ﷿ ﴿وَهُوَ الَّذِي أنزل إِلَيْكُم الْكتاب مفصلا وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعلمُونَ أَنه منزل من رَبك بِالْحَقِّ﴾ الْأَنْعَام ١١٤ وَقَالَ سُبْحَانَهُ ﴿هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات﴾ الْآيَة آل عمرَان ٧ وَمثل هَذَا كثير وَقَالَ النَّبِي ﵇ انْزِلْ الْقُرْآن على سَبْعَة احرف

1 / 21