بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الكتاب: حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي (الْمُسَمَّاة: عِنَايةُ القَاضِى وكِفَايةُ الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي) المؤلف: أحمد بن محمد بن عمر شهاب الدين الخفاجي المصري الحنفي دار النشر: دار صادر - بيروت عدد الأجزاء: ٨ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] _________ تعريف بالكتاب: هذه حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير الإمام البيضاوي "أنور التنزيل وأسرار التأويل" وهي من أعظم الحواشي فائدة وأكثرها نفعًا وأسهلها عبارة، وقد قال الشهاب في مقدمة حاشيته: "نظمتها في سلك التحرير عقدًا، واجتهدت في أن أقلد بها جيد هذا العصر العاطل تقليدًا، فجاءت مواردها صافية من الكدر ورياضها محروسة بعين القضاء والقدر"، فجاءت هذه الحاشية كما قال. ولا بد هنا من كلمة حول تفسير الإمام البيضاوي، فننقل ما قاله حاجي خليفة في كشف الظنون. قال: "وتفسيره هذا كتاب عظيم الشأن غني عن البيان، لخص فيه من الكشاف ما يتعلق بالإعراب والمعاني والبيان، ومن التفسير الكبير ما يتعلق بالحكمة والكلام، ومن تفسير الراغب ما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات. وضم إليه ما ورى زناد فكره من الوجود المعقول والتصرفات المقبولة فجلا رين الشك عن السريرة وزاد في العلم بسطة وبصيرة". قال: "ولكونه متبحرًا جال في ميدان فرسان الكلام فأظهر مهارته في العلوم حسبما يليق بالمقام، كشف القناع تارة عن وجوه محاسن الإشارة وملح الاستعارة، وهتك أستار أخرى ممن أسرار المعقولات بيد الحكمة ولسانها وترجمان الناطقة وبنانها، فحل ما أشكل على الأنام، وذلل لهم صعب المرام وأورد في المباحث الدقيقة ما يؤمن به عن الشبه المضلة، وأوضح له مناهج الأدلة ... ".

Unknown page

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة يا مفيض البركات ومنزل الآيات البينات، افتح عيون بصائرنا لمشاهدة أنوارك، وارزقنا من موائد كرمك ذوق حلاوة أسرارك، ووفقنا لشكر آلائك، والتوفيق له من جملة نعمائك، واجعلنا ممن تمسك بعرا اليقين، واعتصم بحبلك المتين، من كتابك الكريم المنزل نجومًا مشرقة بنور الهدى، ورجومًا لشياطين الغواية المسترقة لسمع التحدّي في ظلمات الردي، فقطع علاقتهم عن طريق الحقيقة، فلم يهتدوا إلى المجاز، حتى تصغى أسماعهم إلى هيمنة الإعجاز، فظل كل شاعر في واد يهيم لا يجد شعورًا، وكل خطيب لسن يرى أسجاعه هباء منثورا، إلا من لمعت له أنوار ذاته، من خلف سرادقات صفاته، قد حل عكاظ الحقائق، وفاز بمتاع أسرار الدّقائق، بالوساطة المحمدية لا زالت الملائكة تهدي منا إليه كل حين أنفس صلاة وسلام وتحية، فإنه جزاه الله عنا خير الجزاء ختمت به الأديان، وفتحت به أبواب الرحمة وقصور الجنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه عرانين الكرم ومصابيح الدجى والظلم، حماة بيضة الهدى، وكماة حومة الوغى، ما لمعت بروق البراهين، من مطالع اليقين. (هذا) وإنّ الله تعالى لما خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، خط على مهارق البسيطة آيات توحيده معربة بالنبات منقوطة بالزهوره والأرض طرس والرياض سطوره والزهر شكل بينها وحروف وجعل أديم الخضراء المحيط بالستور لأوراقها جلد مذهبًا بالشموس والبدور، بعدما خاط دفاتر الرياض بإبر الطل وخيوط الوسمي الفياض، ثم نشر صحفها على كراسي الروابي، بأيدي الصبا والقبول حتى درسنها بمكتب الهيولي أطفال الطبائع والعقول، فردّدها خرير الماء الجاري، وخطبت بسجعها على منابر القصب فصحاء القماري، فآذان الزهور لها مصغية، ورؤوس الجبال مطرقة، وعيون سيارة الزهر لها حائرة باهتة محدقة، فلم تهتد لها قلوب ميتة ظلت أجسامها لها قبورا: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٤] فسبحان ما أوضح دلائل توحيده، وما أفصح ألسنة

1 / 1

الكائنات الناطقة بتمجيده، كما أبداه ترجمة الحضرة القدسية، دوحة جرثومة المجد الأبطحية، من قرع هامة العز والشرف، وشنف مسامع الدهر بدرر لا تعرف آذان الصدف، من كتاب تدفقت مياه البلاغة من حياضه، وتفجرت ينابيع الإعجاز خلال رياضه، فشرقت بها المصاقع حدا، وغصت بعريض العجز كمدًا. كما قال الوليد وقد أصاخ له: " والله إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة وإنّ أسفله لمغدق وان أعلاه لمثمر وما هذا بقول بشر ". والفضل ما شهدت به الأعداء، فكل من ينعم النظر فيه ويمعنه يقول هذا طراز ما أحسنه، وهم ما هم في الجلاد والجدال، وفتح أكمام الأفواه عن أنوار المقال من كل من ساجل الدهر حتى مل ساجلتة، وصبر حتى وجد صبره من الفرج ضالتة، وكانت مناهل تفسيره تردها سابلة الأفهام، والمورد العذب كثير الزحام، وتفسير البيضاوي له من بينها اليد البيضاء لاقتناصه رواتع الأصلين وبدائع الشريعة الغرّاء، وقد تقدم رتبة وأن جاز منه أخيرا، فلسان حاله يتلو ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٣] وإن أمعنت في تأويله نظرًا ليس حسيرا ولا كليلًا، فهو خير وأحسن تأويلاَ. أتيت بها يدا بيضاء حتى ~ كأنك في الذي أبدعت موسى وقد أحييت موتى الفضل فيها ~ كما قد كان يحيى الميت عيسى له فيه وفور حظ وسلاسة لفظ كما قال البحتري: قد ركبن اللفظ القريب فأدرك ~ ن به غاية المرام البعيد بل لفظه قريب لكنه أمنع من معشوق له رقيب، وشاؤه بعيد، ولكن ليس لنفس الفكر وراءه تصعيد فيه أنضر روض طابت ثماره، وتفتحت بيد النسيم أنواره، سقاه من صيب البلاغة هتونه، حتى تشعبت فروعه وتهدلت غصونه، نجوه بصوب الوحي مغدق، ودوحه في ربيع المعاني مثمر مورق وكنت ممن اجتنى باكورة أبكاره، وتمشت في حدائقه أحداق أفكاره، وقد كثرت حواشيه، ونمّ على ضمائر أسراره وأشيه، وتبرّج القليب بعذب ماؤه، وبإنفاق المال يزكو نماؤه، وبصقل الفرند يبدو جوهره وعنقه، ويزيد في عطر المسك الذكي سحقه، راقت محاسنه فالعيون والأذان تهواها، فلو مني الحسن أمانيّ ما تعدّاها. إذا امتحنت محاسنه أتته ~ غرائب جمة من كل باب وكيف تتشبث يد المحجن بأهداب سحره، أو يصل غائص النظر إلى قرار فكره، والتفاسير جداول تنصبّ في لجة بحره ولكني رأيت البغاث ربما تفكهت بأعذب الثمار، ووردت قبل الضواري غير الأنهار فحداني ذلك إلى موارده ومصادره، وحثني على الغوص على فرائد جواهره، وأن أكتب عليه حواشي تكون سياجا لثماره، ومقدمات لنتائج أفكاره، التي تحير فيها البيان، ونادت الفضل للمتقدم في كل زمان، ولما ثقبت دررها من الأقلام المثاقب، وكان فكر الشهاب لها هو الثاقب. ولاح نور من سنا أفقها ~ لا يدعيه البدر والشمس نظمتها في سلك التحرير عقودا، واجتهدت في أن أقلد بها جيد هذا العصر العاطل تقليدًا، فجاءت مواردها صافية من الكدر، ورياضها محروسة بعين القضاء والقدر، لا زالت وجوهها ناضرة، وعيون معانيها إلى ربها ناظرة، ما انجلى صدأ القلوب والأفهام بتدبر ما في الذكر الحكيم من الأحكام فرحم الله من استصبح من نور القرآن، واستضاء بقبس البيان، وجعل ذلك مطية إلى سبل الجنان. أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومد من القرع للأبواب أن يلجأ ولما وقفت دهم الأقلام على ساحل التمام، سميتها " عناية القاضي وكفاية الراضي "، وها أنا أقول مستعطيًا بكف الضراعة القبول. (مصنف هذا الكتاب) أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد بن علي أبو الخير القاضي ناصر الدين البيضاوي نسبة إلى البيضاء قرية من أعمال شيراز كان إمامًا في فقه الشافعيّ رحمه الله تعالى

1 / 2

والتفسير والأصلين والعربية، والمنطق نظارا زاهدا متعبدا، ومن مصنفاته هذا التفسير وهو أجلها ومنهاج الأصول وشرحه، وشرح مختصر ابن الحاجب ومتن في علم الهيئة وشرح المنتخب للرازي والطوالع والإيضاح في أصول الدين، والغاية القصوى في فقه الشافمي وشرح المصابيح ومختصر الكافية وتاريخ الدول الفارسية الذي سماه نظام التواريخ، وتوفي سنة خمس وثمانين وستمائة بتبريز وقال السبكي: سنة إحدى وتسعين وستمائة قدس الله روحه، ونوّر ضريحه. أقول هذا هو المشهور والذي اعتمده وصححه المؤرّخون في التواريخ الفارسية أنه توفي في شهر جمادى الأول سنة تسع عشرة وسبعمائة تقريبا ويشهد له ما في آخر تاريخه نظام التواريخ وهو المعتمد: قوله: (الحمد لله الخ) براعة استهلال وفي نسخة القرآن بدل الفرقان والأولى موافقة للتنزيل إن فسر بما يكون مفرّقًا في النزول لا بالفارق بين الحق والباطل ونحوه بحسب الظاهر بناء على الفرق بين التنزيل والإنزال بأن الأول التدريجي والثاني الدفعيّ، وهل هو أكثريّ أو كليّ أو عند القابل وضعيّ مستفاد مما يدلّ عليه التكثير أولًا ذهب إلى كل طائفة. وسيأتي في محله ولا يرد هنا السؤال الوارد على النظم في سورة الفرقان بأنّ الموصول يقتضي سبق العلم بالصلة ليتعرّف بها وهذا ليس كذلك، فيجاب بأنه نزل منزلة المعلوم لسطوع برهانه ونحوه لأنه علم بعد ذلك فضلًا عن زمان التصنيف، والنزول وإن استعمل في الأجسام، والأعراض لا يوصف به إلا باعتبار محالها والقرآن من الأعراض الغير القارّة فلا يتصوّر إنزاله ولو بتبعية المحل فهو مجاز متعارف لوقوعه على مبلغه كما يقال نزل حكم الأمير من القصر، أو التنزيل مجاز عن إيحائه من الأعلى رتبة إلى عبده تدريجًا كالتجوّز في الطرف أو الإسناد، والقرآن مصدر قرأ قراءة وقرآنًا صار حقيقة في المقروء وهو كلام الله الذي بين دفتي المصحف ويطلق على المجموع، وعلى المشترك بينه وبين الأجزاء المختصة به، وعلى تلك الأجزاء، وعلى الكلام النفسيّ القائم بذاته، والظاهر اشتراكه بينها خلافًا لمن جعله حقيقة في أحدها، وقيل: المعرّف مخصوص بالجميع بخلاف المنكر حتى لو حلف لا يقرأ القرآن لا يحنث إلًا بقراءة الجميع بخلاف ما لو حلف لا يقرأ قرانًا ثم إنّ المصنف رحمه الله تعالى لم يقل تبارك مع أنه الموافق للنظم والمناسب للاقتباس المتعارف فيه ترجيحًا لمقتضي المقام من التصريح بالحمد. وقيل: لا حاجة إلى العذر لأنه عند ارتكاب خلاف الظاهر إلا أن يقال إنه هو الظاهر بعد قصد الاقتباس، فإذا عارضه مقتضى المقام فرعايته أولى لأنّ مبنى البلاغة على مطابقته والاقتباس من المحسنات، وفيه نظر ثم إنه رتب استحقاق الحمد على تنزيل القرآن لبراعة الاستهلال مع أنه من أعظم النعم لأنّ به نظام المعاش والمعاد وقال على عبده موافقة للنظم، ولأنه أشرف الأوصاف لاقتضائه التمحيض لجانب الحق بخلاف النبوّة والرسالة، ولذا قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: ١] كما قال الشاعر: لاتدعني إلا بياعبدها ~ فإنه أشرف أسمائي وإضافته لله للتشريف وفي كيفية نزوله كلام فقيل نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وأمرت السفرة بانتساخه، ثم نزل إلى الأرض منجّما في ثلاث وعشرين سنة على حسب المصالح وإنّ جبريل تلقاه في مقامه عند سدرة المنتهى من حضرة القدس إمّا بسماعه بلا صوت ولا حرف أو بصوت من جميع الجهات على خلاف العادة أو من جهة بصوت غير مكتسب للعباد، وقيل: أخذ المعنى وخلق فيه علم ضروري بعبارته، وقيل: تلقاه بلفظه ومعناه بالذات أو بواسطة ملك آخر كما فصل في محله وقوله: (ليكون) فيه ضمير مستتر للعبد وهو الأظهر أو للقرآن، وقد جوّز أن يكون لله، ونذير بمعنى منذر أو مصدر بمعنى الإنذار كالنكير والاقتصار على الإنذار إمّا اكتفاء والمعطوف مقدّر أي وبشيرًا، وحذف لتوافق النظم وفيل لأنه يعمّ الكل بخلاف البشير، والأوجه أن يقال اقتصر عليه ليوافق قوله فتحدّي إلخ إذ المعارضة إنما صدرت من الكفرة واللائق بهم الإنذار لا التبشير، وعلى تقدير عمومه فهو للبشر أو للثقلين، وهو المناسب للعالمين، لا يشمل الملائكة إلا بتكلف أنّ إنذار الثقلين إنذار لهم وما قيل من أنه إن كان المراد بالإنذار

1 / 3

والبشارة ما هو بطريق التعيين مثل فلان يدخل الجنة وفلان يدخل النار، فلا عموم في شيء منهما وإلا فهما سيان في العموم نحو من اتصف بكذا يثاب، أو يعاقب فليس بشيء إذا المراد الثاني والعصاة، والكفرة من حيث العصيان والكفر منذرون غير مبشرين بلا شبهة، وتحقيق الحمد ومعنى العالمين سيأتي في محله، ولام ليكون تعليلية، وهو ظاهر على رأي من جوّز تعليل أفعاله تعالى، ومن منعه يقول لها ثمرات وحكم نزلت منزلة العلل أو هي لام العاقبة، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى قوله: (فتحذّي الخ) التحدّي طلب المعارضة ويكون بمعنى المعارضة نفسها كما صرّح به أهل اللغة لكنه غير مناسب هنا كما توهم إلا بتعسف لا حاجة إليه وأصله من الحداء، وهو التغني لحث الإبل على سرعة السير، ثم توسعوا فيه وصار حقيقة لما مرّ، ولذا قيل إن فيه إيماء إلى اختصاصه بالإنس بل العرب لأنهم أصحاب إبل فيكون تمهيدا لما بعده، وجملة تحدّي لا تحتاج إلى رابط وإن عطفت على جملة الصلة، وكان الضمير فيها عائدا إلى العبد كما هو الظاهر لتكلف عوده إلى القرآن من غير حاجة إليه إذ الفاء تجعلهما كجملة واحدة، فيكتفي بالضمير الواقع في إحداهما مثل الذي يطير الذباب فيغضب عمرو كما قرّره النحاة سواء قلنا الفاء سببية فقط، أو سببية وعاطفة كما ارتضاه الرضى فإن كان الضمير لله فهو ظاهر، والتحدّي كما ينسب للنبيّ ﷺ لقوله: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] وهذا مما لا مرية فيه وإنما الكلام في أنه إن أريد بالقرآن المجموع لم يصح دخول الفاء لأنّ التحدّي لم يكن بعد نزول المجموع وإن لم يرد لم يصح رجوع الضمير في من سورة إليه إذ هي بعض من الأوّل دون الثاني، كما في بعض الحواشي، وقد أجيب عنه بوجوه: الأوّل: أنّ المراد المجموع لكنه تجوّز به عن الإرادة كما في قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٦] ولا يلائمه ما بعده لأنّ الإنذار بما نزل لا بما أريد إنزاله اللهمّ إلا أن يقال إرادة إنزال الكل لا تنافي إنزال مقدار يتحدّى به وينذر ولا يظهر أيضًا كونه محمودا عليه، وإن كان الأمر فيه سهلًا. الثاني: أنّ المراد به الثاني والتفريع باعتباره، وإرجاع الضمير إليه باعتبار المجموع استخدامًا، ولا يخفي ما فيه، فإنّ المقام لا يناسبه، وإرجاع الضمير إليه لأنه من جنسه كعندي درهم، ونصفه أقرب وإن قيل إنه استخدام أيضًا. الثالث: أنّ الفاء للترتيب الرتبيّ لا الوجوديّ كما في يرحم الله المحلقين فالمقصرين لأنّ التنزيل أعلى وأشرف رتبة من التحدّي لأنه من أعظم النعم في هداية المؤمنين ولذا جعل محمودًا عليه أو للترتيب في الوجود لكنه بالنسبة إلى إنزال بعض القرآن لكون التحدي في أثناء التنزيل قاله الفاضل الليثيّ في حواشيه، ثم اعترف ببعده ونوّره بقوله وهو وان كان بحسب الظاهر بعيدًا لكنهم اعتبروا مثله فإنهم ذكروا أنّ المعطوف إذا كان ذا أجزاء تحصل بتمامه في زمان طويل جاز عطفه بالفاء إذا كان أوّل أجزائه متعقبا وجاز عطفه بثم نظرا إلى تمامه، وعلى هذا إذا كان المعطوف عليه كذلك والمعطوف متعقبًا لآخره جاز الفاء نظرا إلى آخره وثم نظرًا لأوّله كما قرّره التفتازاني في " شرح المفتاح " في قوله: فأصح ثم اختل في الالتفات، وان ردّه الشريف، فدل على أنّ تراخي المعطوف لا يجب أن يكون عن جميع المعطوف عليه بل يجوز أن يكون مجتمعًا مع بعض أجزائه متراخيا عن بعض فلا يبعد تجويز مثله في التعقيب والمقصود مجرّد التمثيل لاعتبارهم في الترتيب بين المعطوف والمعطوف عليه بعض الأجزاء، ولا ينافي ذلك الاعتبار تعقيب الأمر الممتدّ المتعقب أوّل أجزائه بالمعطوف عليه، ووصفه بكونه عقيبه لأنه كذلك حقيقة، أو في العرف نظرًا إلى عدم تخلل زمان بين زمان وجوده وزمان المعطوف عليه بخلاف ما ذكرنا لأنا نذعي أنّ ذلك متعارف. والرابع: أنّ المراد بالقرآن الجنس من حيث الوجود لا المجموع ولا المفهوم الكلي، وهو أقرب إذ به يصح التفريع وعود الضمير بلا تكلف وتأوّل، لكنه لا يخلو عن نظر وكون المتحدي به اقصر سورة يؤخذ من التنوين في قوله تعالى: ﴿فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] وقوله من سوره احتراز عن سور غيره من الكتب السماوية، فإن فيها سورا أيضًا كما صرّحوا به. قوله: (مصاقع الخطباء (جمع خطيب وهو من يأتي بالخطبة وهي الكلام البليغ المقول على رؤوس الأشهاد وأن لم يكن على الوجه المتعارف الآن، ولا يشترط فيه السجع أيضًا كما توهم والمصقع

1 / 4