نوادر الرسائل (٩ - ١٠) -[حديث الإفك]- ويليه من مناقب النساء الصحابيات تأليف الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة (٦٠٠ هـ) عني بتحقيقهما إبراهيم صالح دار البشائر الطبعة الأولى ١٩٩٤ م

Unknown page

الله المستعان حسبي الله ونعم الوكيل الجزء فيه حديث الإفك جمع الحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ﵁ وقف لمؤلفه ﵀ على جميع المسلمين

1 / 14

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ حَدِيثُ الإِفْكِ ١- أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ بِهَا، أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ الْمُعَدِّلُ، وَأَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بَنْدَارَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ الشُّرُوطِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبِي أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتٌ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْبَرْقَانِيُّ، قَالَ: فَقَرَأْتُهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيِّ، حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيَّوبَ (ح) وَأَخْبَرَكَ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ صَاحِبُ الْمَغَازِي، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ (ح) وَأَخْبَرَكَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنُ يُوسُفَ الْهَسَنْجَانِيُّ، قَالا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ -، قَالا: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ، قَالَ: وَكُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثَهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا، وَوَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي، عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يَصْدُقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ: ⦗١٦⦘ " كَانَ رَسُولُ اللَّهُ ﷺ، إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [مَعَهُ]، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ [وَ] َأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا، حَتَّى إِذَا فَرِغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذِنَ لَيْلةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جِزْعِ ظُفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي وَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ، وَلَمْ يَغْشِهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا نَأْكُلُ الْعَلَقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا. فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ، وَلا مُجِيبٍ، فَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَّنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي وَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ. ⦗١٧⦘ فَبَيَّنَّا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السَّلْمِيُّ، ثُمَّ الذَّكَوَانِيُّ [قَدْ عَرَسَ] مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمُرْتُ وَجْهِيَّ بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكَبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مَوْغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ. قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبِّي بْنِ سَلُولٍ. قَالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشاعُ وَيَتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ، وَيُقِرُّهُ، وَيَسْتَمِعُهُ، وَيَسْتَوْشِيَهُ. قَالَ عَرْوَةُ: لَمْ يُسَمِّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ إِلا حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، وُمِسْطَحَ بْنَ أَثَاثَةَ، وَحِمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ فِي أُنَاسٍ آخَرِينَ لا عِلْمَ لِي بِهِمْ عُصْبَةٌ، ⦗١٨⦘ كَمَا قَالَ اللَّهُ ﷿: وَإِنْ كَبُرَ ذَلِكَ، كَانَ يُقَالُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبِّي بْنِ سَلُولٍ. قَالَ عُرْوَةُ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يَسُبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، تَقُولُ: إِنَّهُ الَّذِي، قَالَ: فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لَعِرْضُ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، وَلا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يُرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اللُّطْفَ، وَالْبِرَّ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ الَّذِي يُرِيبُنِي، وَلا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ، نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزًا، وَكُنَّا لا نَخْرَجُ إِلا مِنْ لَيْلٍ إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الكُنُفُ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأُمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّنَزُهِ قَبْلَ الْغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بالْكُنُفِ أَنْ نتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا. قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا، وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا، وَأُمَّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثُرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلا شَهِدَ بَدْرًا؟، قَالَتْ: أَهَنْتَاهُ، أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: ⦗١٩⦘ وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بَقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ. قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي. فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ: أَئْذَنْ لِي آتِي أَبَوَيَّ. قَالَتْ: وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا. قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ: يَا أُمِّي، مَاذَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرٌ إِلا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهَ أَوْ قَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. قَالَتْ: فَأَصْبَحْتُ أَبْكِي، وَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ [مِنَ الْوُدِّ]، فَقَالَ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلُكَ، وَلا نَعْلَمُ إِلا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقُكَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: " أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ شَيْئًا يُرِيبُكِ؟ ". قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا قَطْ أَمْرًا أُغْمِضُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، ⦗٢٠⦘ فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبِيِّ بْنِ سَلُولٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلا مَا عَلِمْتُ مِنْهُ إِلا خَيْرًا، وَمَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِي إِلا مَعِي. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْذُرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا مَا أَمَرْتَ. قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ لَهُ أُمُّ حَسَّانٍ ابْنَةُ عَمِّهِ مِنْ فَخْذِهِ، وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، قَالَ: وَذَلِكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، لا تَقْتُلُهُ، وَلا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تَقْتُلَهُ. ⦗٢١⦘ فَقَامَ أُسَيِّدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، لَنَقْتُلَنَّهُ، وَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. قَالَتْ: فَثَارَ الْحَيَّانُ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَفْشَلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُخَفِّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ. وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلِّهِ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلا اكْتَحِلُ [بِنَوْمٍ]، حَتَّى إِنِّي لأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقُ كَبِدِي. قَالَتْ: فَبَيَّنَّا أَبَوَايَّ جَالِسَايَّ عِنْدِي، وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذَنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي. قَالَتْ: فَبَيَّنَّا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ. قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَلَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ. قَالَتْ: وَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: يَا عَائِشَةَ، " فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةٌ فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ وَتَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ". فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ [ﷺ] فِيمَا قَالَ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَتْ: فَقُلْتُ - وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لا أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا -: إِنِّي وَاللَّهِ ⦗٢٢⦘ لَقَدْ عَلِمْتُ [أَنَّكُمْ] قَدْ سَمِعْتُمْ [بِهَذَا] حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ: إِنِّي بَرِيئَةٌ، لا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ - وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ - لَتُصَدِّقَنِّي، وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي، وَلَكُمْ مَثَلا إِلا أَبَا يُوسُفَ حِينَ يَقُولُ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ . قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَاللَّهُ يَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَاللَّهُ يُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنَزِّلُ فِي شَأْنِي وَحْيًا، وَلَشَأْنِي - كَانَ - أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيَّ رُؤْيَا فِي النَّوْمِ يُبَرِّئُنِي اللَّهُ ﷿ بِهَا. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلا خرجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ عَلَيْهِ، وَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى أَنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مِثْلَ الْجُمَانِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بَهَا أَنْ قَالَ: " [أَبْشِرِي] يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ ". قَالَتْ: فَقَالَ لِي أَبِي: قُومِي إِلَيْهِ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَإِنِّي لأَحْمَدُ اللَّهَ ﷿، [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي] . قَالَتْ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ الْعَشْرُ الآيَاتِ. فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ - وَهُوَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ وَفَقْرِهِ -: وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَى مُسْطَحٍ شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . ⦗٢٣⦘ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَقَالَ: وَاللَّهِ لا أَنْزِعُهَا عَنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ لِزَيْنَبَ: مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ؟. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلا خَيْرًا، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هَؤُلاءِ الرَّهْطِ. قَالَ: وَثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَهُ، لَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ عَنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطْ. قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﷿ [شَهِيدًا] .

1 / 15

٢- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا أُسَامَةُ، ثنا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ، وَمَا عَلِمْتُ [بِهِ]، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيَّ ⦗٢٤⦘ خَطِيبًا، وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، فَتَشَّهَدَ، فَحَمِدَ اللَّهَ ﷿، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، " أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَايْمُ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي سُوءًا قَطُّ، وَأَبْنُوهُمْ بِمَنْ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ، إِلا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلا غَابَ مَعِي ". فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ تَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِن بالْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أَمُّ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانُوا مِنَ الأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ. حَتَّى كَادُوا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِي الْمَسْجِدِ شَرٌّ، وَمَا عَلِمْتُ بِهِ. فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثُرَتْ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ: عَلامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ فَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثُرَتِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ: عَلامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ ثُمَّ عَثُرَتِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ: عَلامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ وَانْتَهَرْتُهَا، وَقُلْتُ: عَلامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلا فِيكِ، فَقُلْتُ: فِيَّ أَيْ شَأْنِي؟ فَذَكَرَتْ لِيَ الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ. فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، فَكَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَمْ أَخْرُجْ لَهُ، لا أَجِدْ مِنْهُ قَلِيلا وَلا كَثِيرًا، وَوُعِكْتُ، فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلامَ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ، فَإِذَا أَنَا بِأُمِّ رُومَانٍ، فَقَالَتْ: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ: خَفِّضِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ - وَاللَّهِ - لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ تَكُونُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلا حَسَدْنَهَا وَقُلْنَ فِيهَا. فَقُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَتْ: ⦗٢٥⦘ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَاسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي، وَهُوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ، فَقَالَ لأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ فَقَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِهَا. فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ [يَا] بُنَيَّةُ إِلا رَجَعْتِ، فَرَجَعْتُ. وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالا عِنْدِي حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَدِ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، فَتَشَهَّدَ النَّبِيُّ ﷺ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، " إِنْ كُنْتِ قارَفتِ سُوءًا وَظَلَمْتِ، تُوبِي إِلَى اللَّهِ ﷿، فَإِنَّ اللَّهَ ﷿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ". وَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَهِيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ، فَقُلْتُ: أَلا تَسْتَحْيِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْهُ، فَقَالَ: أَقُولُ مَاذَا؟ فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِيهِ. فَقَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟. فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْتُ، فَحَمَدْتُ اللَّهَ ﷿ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ وَاللَّهُ ﷻ يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ، وأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ، وَاللَّهِ ﷿ يَعْلَمُ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، لَتَقُولَنَّ: قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدْ لِي وَلَكُمْ مَثَلا إِلا أَبَا يُوسُفَ، وَمَا أَحْفَظُ اسْمَهُ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ . وَنَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَاعَتَئِذٍ، فَرُفِعَ عَنْهُ، وَإِنِّي لأَسْتَبِينُ السُّرورَ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: " أَبْشِري يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ بَرَاءَتَكِ ". فَكُنْتُ أَشَدُّ مَا كُنْتُ غَضَبًا، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي إِلَيْهِ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلا أَحْمَدُهُ، وَلا أَحْمَدُكُمَا، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أنْكَرْتُمُوهُ وَلا غَيَّرْتُمُوهُ، وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي. وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْتِي، فَسَأَلَ الْجَارِيَةَ عَنِّي، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ، لا أَعْلَمُ عَلَيْهَا عَيْبًا، إِلا أَنَّهَا كَانَتْ تَنَامُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ [فَتَأْكُلَ] خَمِيرَتَهَا أَوْ عَجِينَهَا - شَكَّ هِشَامٌ - فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: أَصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى ⦗٢٦⦘ أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ. قَالَ عُرْوَةُ: فَعِيبَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَالَهُ. فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ، مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا، إِلا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ. وَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي قِيلَ فِيهِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطْ، فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَمَّا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَعَصِمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا، فَلَمْ تَقُلْ إِلا خَيْرًا، وَأَمَّا أُخْتُهَا حمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ: الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ، كَانَ يَسْتَوْشِيَهُ، وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ، وَمِسْطَحٌ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ. فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لا يَنْفَعُ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ ﵁، ﴿أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ﴾ يَعْنِي مِسْطَحًا ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللَّهِ إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَنَا، وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ لِمِسْطَحٍ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ لَهُ. صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَصْحَابِ أَبِي أُسَامَةَ، وَالْبُخَارِيِّ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ. وَرَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ، سِوَى أَبِي أُسَامَةَ أَبُو أُوَيْسٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَيُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، وَغَيْرِهِمْ.

1 / 23

٣- أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَ مَحْمُودُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيَّوبَ الطَّبَرَانِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلْمٍ الرَّازِيُّ، ثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ -، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي -، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ⦗٢٧⦘ لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ، وَمَا عَلِمْتُ [بِهِ]، قَامَ فِيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمَدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، " أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِي مِنْ سُوءٍ قَطْ، وَأَبَنُوهُمْ، بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ [عَلَيْهِ] مِنْ سُوءٍ قَطْ، وَلا دَخَلَ بَيْتِي، إِلا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلا غَابَ مَعِي ". فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ بالْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أَمُّ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: كَذِبْتَ، أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كَانُوا مِنَ الأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الأَوْسِ، وَالْخَزْرَجِ فِي الْمَسْجِدِ شَرٌّ، وَمَا عَلِمْتُ بِهِ. فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثُرَتْ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَانْتَهَرْتُهَا، فَقُلْتُ: أَتَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلا فِيكِ، فَقُلْتُ: فِيَّ أَيْ شَأْنِي؟، قَالَتْ: فَبَقَرَتِ الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ. فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، لَكَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَمْ أَخْرُجْ لَهُ، ولا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلا، وَلا كَثِيرًا، وَوُعِكْتُ، فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَأَرْسَلَ مَعِيَ الْغُلامَ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ فَوَجَدْتُ أُمَّ رُمَانٍ فِي السُّفْلِ، وَأَبُو بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَقَالَتْ أُمِّي: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَأَخْبَرْتُهَا، وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ، وَإِذَا هِيَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي، فَقَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ خَفِّضِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلِهَا، وَلَهَا ضَرَائِرٌ، إِلا حَسَدْنَهَا، وَقِيلَ فِيهَا، قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَاسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي، وَهُوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ، فَقَالَ لأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ فَقَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، ⦗٢٨⦘ فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ يَا بُنَيَّةُ إِلا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ، فَرَجَعْتُ. قَالَتْ: فَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْتِي، فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمي، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا إِلا أَنَّهَا تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا وعَجِينَهَا. قَالَتْ: فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهَ، مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ مِنَ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ. فَبَلَغَ الأَمْرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ قِيلَ لَهُ فِيهَا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهَ! مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالا عِنْدِي حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ، وَقَدِ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي، وَشِمَالِي، فَتَشَهَّدَ النَّبِيُّ ﷺ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا عَائِشَةُ، " فَإِنْ كُنْتِ قارفتِ سُوءًا أو ظَلَمْتِ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ". قَالَتْ: وَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهِيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ، فَقُلْتُ: أَلا تَسْتَحْيِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا؟ فَوَعَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَالْتَفَتُّ إِلَى أَبِي، فَقُلْتُ: أَجِبْهُ، فَقَالَ: أَقُولُ مَاذَا؟ فَالْتَفَتُّ إِلَى أُمِّي، فَقُلْتُ: أَجِيبِيهِ، فَقَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟. قَالَتْ: فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ، تَشَهَّدْتُ، فَحَمَدْتُ اللَّهَ، وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ، مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وأُشْرَبْتُمُوهُ قُلُوبَكُمْ، وَلَئِنْ قُلْتُ: إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، لَتُقُولُنَّ: قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلا، قَالَتْ: فَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: إِلا أَبَا يُوسُفَ، حِينَ قَالَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ . ⦗٢٩⦘ قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ سَاعَتِهِ، فَرُفِعَ عَنْهُ، وَإِنِّي لأتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، " فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ بَرَاءَتَكِ ". قَالَتْ: فَكُنْتُ أَشَدُّ مَا كُنْتُ غَضَبًا. فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلا أَحْمَدُهُ، وَلا أَحْمَدُكُمَا، وَلَكِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ، وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي. وَأَمَّا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَعَصِمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إِلا خَيْرًا، وَأَمَّا أُخْتُهَا حمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ: مِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَحِمْنَةُ، وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلَولٍ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيَهُ وَيَجْمَعُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ. فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ لا يَنْفَعُ مِسْطَحًا أَبَدًا بِنَافِعَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ، ﴿أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى﴾ يَعْنِي: مِسْطَحًا، ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ يَا رَبِّ، إنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا، فَعَادَ لِمَا كَانَ يَنْفَعُهُ بِهِ. صَحِيحٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ وأبي كريبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ.

1 / 26