ـ[غاية المقصود في الرد على النصارى واليهود]ـ المؤلف: السموأل بن يحيى بن عباس المغربي (المتوفى: نحو ٥٧٠هـ) تحقيق ودراسة: د. إمام حنفي سيد عبد الله الناشر: دار الآفاق العربية - القاهرة الطبعة: الأولى ١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م عدد الأجزاء: ١ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

1 / 35

مقدمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أما بعد حمد الله على ما ألهم من الهداية وعصم عنه من الغواية، والصلاة على محمد، خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين، فإن سبيل من فضل من العباد بالفطانة والرشاد أن يجد في البحث عن أحوال المعاد، والتأمل لما أخذه من الآباء والأجداد بعين الامتحان والانتقاد، فإن رآه فضيلة سمَا لإدراكها، وإن ألفها رزيلة نجا من أشراكها، ليحصى حقائبه بطانًا من الزاد، فإن هاتف الموت بالمرصاد، ولن تحمد العقبى مضيع في تحصين شرعه، وموزع مواقيته على ما ينقاد إليه بطبعه، ولن يظفر بضالة الحق إلا ناشدوها، ولن يبهرج الأباطيل على أنفسهم إلا مفسدوها. الغرض الأقصى من إنشاء هذه الكلمة الرد على أهل اللجاج والعناد، بأن نظهر ما يعتور كلمتهم من الفساد، على أن الأئمة - ضوعف ثوابهم - قد انتدبوا قبلي لذلك، وسلكوا في مناظرة اليهود أنواع المسالك، إلا أن أكثر ما نوظروا به يكادون لا يفقهونه، ولا يلتزمونه.

1 / 36

وقد جعل الله إلى إفحامهم طريقًا، مما يتداولونه في أيديهم من نص توراتهم، وعماهم الله عنه عند تبديلهم، ليكون حجة عليهم موجودة فى أيديهم. إلزام اليهود الفسخ في الشرائع وهذا أول ما أبتدئ من إلزامهم النسخ من نصِّ كتابهم ومما تقتضيه أصولهم. نقول لهم: هل كان قبل نزول التوراة شرعٌ أم لا؟ فإن جحدوا كذبوا بما نطق به الجزء الثاني من السفر الأول من التوراة، إذ شرع الله على نوح، ﵇، القصاص في القتلى ذلك قوله تعالى: "شوفيخ ذام هاء إذام باء اذام دامو يشافيخ كى يصيلم ألوهيم عاساات ها اذام " .. تفسيره: سافك. دم الإنسان، فليحكم بسفك دمهِ، لأن الله خلق الآدمي بصورةٍ شريفةٍ. وما يشهد به الجزء الثاني من السفر الأول من التوراة، إذ شرع إبراهيم، ﵇ ختانة المولود في اليوم الثامن من ميلاده. وهذه - وأمثالها - شرائع، لأن الشرع لا يخرج عن كونه أمرًا أو نهيًا من الله لعباده، سواء نزل على لسان رسولٍ، أو كُتبَ في أسفار، أو ألواح أو غير ذلك. فإذا أقروا بأن قد كان شرعٌ، قلنا لهم: ما تقولون في التوراة، هل أتت بزيادة على تلك الشرائع، أم لا؟ فإن لم تكن أتت بزيادةٍ، فقد صارت عبثًا،

1 / 37

إذ لا زيادة فيها، على ما تقدم، ولم تغن شيئًا، فلا يجوز أن تكون صادرةً عن الله، تعالى، فيلزمكم أن التوراة ليست من عند الله، وذلك كفر على مذهبكم! وإن كانت التوراة أتت بزيادة، فهل في تلك الزيادة تحريم ما كان مباحًا، أم لا؟ فإن أنكروا ذلك، بطل قولهم من وجهين: - - أحدهما: أن التوراة حرمت الأعمال الصناعية في يوم السبت، بعد أن كان ذلك مباحًا، وهذا بعينه فهو النسخ. - والثانى: أنه لا معنى للزيادة في الشرع، إلا تحريم ما تقدمت إباحته، وإباحة ما تقدم تحريمه. - فإن قالوا: إن الحكيم لا يحظرُ شيئًا، ثم يبيحه، لأن ذلك إن جاز مثله، كان كمن أمر بشىء وضده! فالجواب: إن من أمر بشىءٍ وضدهِ في زمانين مختلفين، غير مناقضٍ بين أوامره ، وإنما يكون كذلك لو كان الأمران في وقت واحد. فإن قالوا: إن التوراة حظرت أمورًا كانت مباحة من قبل ولم تأت بإباحة محظور. والنسخ المكروه هو إباحة المحظور" لأن من أبيح له شىءً فامتنع عنه وحظره على نفسه، فليس بمخالف، وإنما المخالفُ من منع عن شىءٍ فأتاه، لاستباحته المحظور. فالجواب: من أحلَّ ما حظره الشرع في طبقة المحرم لما أحله الشرعُ، إذ كل منهما قد خالف المشروع ولم يقرّ الكلمة على معاهدها.

1 / 38

فإذا جاز أن يأتي في شرع التوراة تحريم ما كان إبراهيم، ﵇ ، ومن تقدمه على استباحته، فجائز أن تأتي شريعة أخرى بتحليل ما كان في التوراة محظورًا. وأيضًا: فلا تخلو المحظورات من أن يكون تحريمها مفترضًا في كل الأزمنة، لأن الله يكرهُ ذلك المحظور لعينه أو لا يكون كذلك، بل نهى عنه في بعض الأزمنة. فإن كان الله ينهى عن عمل الصناعات في يوم السبت، لعين السبت، فينبغى أن يكون هذا التحريم على إبراهيم ونوح وآدم أيضًا؛ لأن عين السبت كانت أيضًا موجودة في زمانه، وهى علةُ التحريم. وإذا كان ذلك غير محرم على إبراهيم ومن تقدمه، فليس النهى عنه لعينه، أعني في جميع أوقات وجود عينه. وإذًا لزمكم أن تحريم الأعمال الصناعية في يوم السبت ليس بمحرم في جميع وجود أوقات السبت، فليس بممتنع أن ينسخ هذا التحريم في زمانٍ آخرَ، وإذا ظهر قائمٌ بمعجزات الرسالة وأعلام النبوة في زمنٍ آخر بعد فترةٍ طويلة. فجائز أن يأتي بنسخ كثير من أحكام الشريعة، سواء حظر مباحاتها، أو أباح محظوراتها، وكيف يجوز أن يحاج من جاء بالبينةِ البشرية أو باينها، ولا سيما أن الخصوم قد طالما تعبدوا بفرائض مباينة للعقول، كطهارة أنجاسهم برماد البقرة

1 / 39