الْمُقدمَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي أظهر زبد دينه القويم وَهدى من وَفقه إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم أَحْمَده على مَا أنعم وَعلم وسدد إِلَى الصِّرَاط وَقوم وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْوَاحِد القهار الْكَرِيم الستار وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ختام الْأَنْبِيَاء الْأَبْرَار صلى الله عَلَيْهِم وَسلم وعل آله وَأَصْحَابه صَلَاة وَسلَامًا دائمين على ممر اللَّيَالِي وَالنَّهَار وَبعد فَإِن صفوة الزّبد فِي الْفِقْه للشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة ولي الله تَعَالَى (أَحْمد بن رسْلَان) من أبدع كتاب فِي الْفِقْه صنف وَأجْمع مَوْضُوع فِيهِ على مِقْدَار حجمه ألف طلب مني بعض السَّادة الْفُضَلَاء والأذكياء النبلاء أَن أَضَع عَلَيْهَا شرحا يحل ألفاظها ويبرز دقائقها وَيُحَرر مسائلها ويجود دلائلها فأجبته إِلَى ذَلِك بعون الْقَادِر الْمَالِك ضاما إِلَيْهِ من الْفَوَائِد المستجادات مَا تقربه أعين أولى الرغبات راجيا من الله جزيل الثَّوَاب ومؤملا مِنْهُ أَن يَجعله عُمْدَة لأولي الْأَلْبَاب وسميته (غَايَة الْبَيَان فِي شرح زبد ابْن رسْلَان) وَالله أسأَل وبنبيه أتوسل أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مُوجبا للفوز بجنات النَّعيم قَالَ النَّاظِم (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) أَي أؤلف إِذْ كل فَاعل يبْدَأ فِي فعله بِبسْم الله يضمر مَا جعل التَّسْمِيَة مبدأ لَهُ كَمَا أَن الْمُسَافِر إِذا حل أَو ارتحل فَقَالَ بِسم الله كَانَ الْمَعْنى بِسم الله أحل وبسم الله أرتحل وَالِاسْم مُشْتَقّ من السمو وَهُوَ الْعُلُوّ وَالله علم للذات الْوَاجِب الْوُجُود وَأَصله إِلَه حذفت همزته وَعوض عَنْهَا حرف التَّعْرِيف ثمَّ جعل علما وَهُوَ عَرَبِيّ عِنْد الْأَكْثَر والرحمن الرَّحِيم إسمان بنيا للْمُبَالَغَة من رحم وَالرَّحْمَة لُغَة رقة الْقلب وانعطاف يَقْتَضِي التفضل وَالْإِحْسَان فالتفضل غايتها وَأَسْمَاء الله تَعَالَى الْمَأْخُوذَة من نَحْو ذَلِك إِنَّمَا تُؤْخَذ بِاعْتِبَار الغايات دون المبادى الَّتِي تكون انفعالات والرحمن أبلغ من الرَّحِيم لِأَن زِيَادَة الْبناء تدل على زِيَادَة الْمَعْنى كَمَا فِي قطع وَقطع وَنقض بحذر فَإِنَّهُ أبلغ من حاذر وَأجِيب لِأَن ذَلِك اكثرى لاكلى وَبِأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَن يَقع فِي الأنقص زِيَادَة معنى لسَبَب آخر كالإلحاق بالأمور الجبلية مثل شَره ونهم وَبِأَن الْكَلَام فِي مَا إِذا كَانَ المتلاقيان فِي الِاشْتِقَاق متحدى النَّوْع فِي الْمَعْنى كغرث وغرثان وَصد وصديان لَا كحذر وحاذر للِاخْتِلَاف (الْحَمد للإله) بَدَأَ بالحمدلة بعد الْبَسْمَلَة اقْتِدَاء بِالْكتاب الْعَزِيز وَعَملا بِخَبَر كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أقطع وَفِي رِوَايَة بِالْحَمْد لله وَجمع النَّاظِم كَغَيْرِهِ بَين الابتداءين عملا بالروايتين وَإِشَارَة إِلَى أَنه لَا تعَارض بَينهمَا إِذْ الِابْتِدَاء حَقِيقِيّ وإضافي فالحقيقي حصل بالبسملة والإضافي بالحمدلة وَقدم الْبَسْمَلَة عملا بِالْكتاب وَالْإِجْمَاع وَجُمْلَة الحمدلة خبرية لفظا إنشائية معنى

1 / 2

وَالْحَمْد أَي اللَّفْظِيّ لُغَة الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على الْجَمِيل الِاخْتِيَارِيّ على جِهَة التبجيل سَوَاء تعلق بالفضائل أم بالفواضل وَالشُّكْر لُغَة فعل ينبيء عَن تَعْظِيم الْمُنعم من حَيْثُ أَنه منعم على الشاكر سَوَاء كَانَ ذكرا بِاللِّسَانِ أم اعتقادا ومحبة بالجنان أم عملا وخدمة بالأركان فمورد الْحَمد هُوَ اللِّسَان وَحده ومتعلقه النِّعْمَة وَغَيرهَا ومورد الشُّكْر اللِّسَان وَغَيره ومتعلقه النِّعْمَة وَحدهَا فَالْحَمْد أَعم مُتَعَلقا وأخص موردا وَالشُّكْر بِالْعَكْسِ وَالْحَمْد عرفا فعل ينبيء عَن تَعْظِيم الْمُنعم من حَيْثُ أَنه منعم على الحامد أَو غَيره وَالشُّكْر عرفا صرف العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ من السّمع وَغَيره إِلَى مَا خلق لأَجله فَهُوَ أخص مُتَعَلقا من الثَّلَاثَة قبله لاخْتِصَاص مُتَعَلّقه بِاللَّه تَعَالَى ولاعتبار شُمُول المآلات فِيهِ وَالشُّكْر اللّغَوِيّ مسَاوٍ للحمد الْعرفِيّ وَبَين الحمدين عُمُوم من وَجه والآله المعبود بِحَق ذِي الْجلَال أَي العظمة وشارع الْحَرَام والحلال أَي مبينهما قَالَ تَعَالَى ﴿شرع لكم من الدّين﴾ الْآيَة وفيهَا براعة الاستهلال وَشَمل متعلقات الْأَحْكَام كلهَا إِذْ الْحَرَام ضد الْحَلَال فَيتَنَاوَل الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب والمباح وَخلاف الاولى وَالْمَكْرُوه وَكَذَا الصَّحِيح كَمَا يتَنَاوَل الْحَرَام وَالْبَاطِل بِنَاء على تنَاول الحكم لَهما ثمَّ صَلَاة الله مَعَ سلامي أَتَى بهما امتثالا لقَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا﴾ وَقد فسر قَوْله تَعَالَى ﴿ورفعنا لَك ذكرك﴾ بِأَن مَعْنَاهُ لَا أذكر إِلَّا وتذكر معي وَالصَّلَاة من الله رَحْمَة مقرونة بتعظيم وَمن الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَار وَمن الْمُكَلّفين تضرع وَدُعَاء وَقرن بَينهَا وَبَين السَّلَام خُرُوجًا من كَرَاهَة إِفْرَاد أَحدهمَا عَن الآخر على النَّبِي هُوَ إِنْسَان أوحى إِلَيْهِ بشرع وَإِن لم يُؤمر بتبليغه فَإِن أَمر بذلك فَرَسُول أَيْضا فالرسول أخص من النَّبِي وَعبر بِالنَّبِيِّ دون الرَّسُول لِأَنَّهُ أَكثر اسْتِعْمَالا وَلَفظه بِلَا همز وَهُوَ الْأَكْثَر أَو بِهِ من النبأ وَهُوَ الْخَبَر والرسالة أفضل من النُّبُوَّة الْمُصْطَفى الْمُخْتَار وَحذف الْمَعْمُول يُؤذن بِالْعُمُومِ فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنه أفضل المخلوقين من إنس وجن وَملك وَملك وَهُوَ كَذَلِك التهامي نِسْبَة إِلَى تهَامَة مُحَمَّد علم مَنْقُول من إسم مفعول المضعف سمي بِهِ نَبينَا بإلهام من الله تَعَالَى بِأَنَّهُ يكثر حمد الْخلق لَهُ لِكَثْرَة خصاله الجميلة كَمَا روى فِي السّير أَنه قيل لجده عبد الْمطلب وَقد سَمَّاهُ فِي سَابِع وِلَادَته لمَوْت أَبِيه قبلهَا لم سميت ابْنك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ من أَسمَاء آبَائِك وَلَا قَوْمك قَالَ رَجَوْت أَن يحمد فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَقد حقق الله رَجَاءَهُ كَمَا سبق فِي علمه الْهَادِي من الضلال أَي الدَّال بلطف والضلال نقيض الْهدى وَهُوَ دين الْإِسْلَام قَالَ تَعَالَى ﴿وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ وَأفضل الصحب إسم جمع لصَاحب بِمَعْنى الصَّحَابِيّ وَهُوَ من اجْتمع مُؤمنا بِمُحَمد ﷺ وَمَات على ذَلِك وَخير آل فآله أَقَاربه الْمُؤْمِنُونَ من بني هَاشم وَالْمطلب ابنى عبد منَاف وَقَوله وَأفضل الصحب وَخير آل عطف على النَّبِي وَأفَاد بِهِ أَن أَصْحَابه أفضل من أَصْحَاب غَيره من الْأَنْبِيَاء وَإِن آله أفضل من آل غَيره وَظَاهر أَن الْمفضل عَلَيْهِ فيهمَا غير الْأَنْبِيَاء وَبعد هذى زبد نظمتها جمع زبدة وعنى بهَا مهمات الْفَنّ وَلَفْظَة بعد يُؤْتى بهَا للانتقال من أسلوب إِلَى آخر وَقد كَانَ النَّبِي ﷺ يَأْتِي بأصلها فِي خطبه وَهُوَ أما بعد بِدَلِيل لُزُوم الْفَاء فِي حيزها غَالِبا لتضمن أما معنى الشَّرْط وَالْعَامِل فِيهَا أما عِنْد سِيبَوَيْهٍ لنيابتها عَن الْفِعْل أَو الْفِعْل نَفسه عِنْد غَيره وَالْأَصْل مهما يكن من شَيْء بعد الْبَسْمَلَة والحمدلة وَالصَّلَاة وَالسَّلَام وهذى اسْم إِشَارَة أُشير بهَا إِلَى مَوْجُود فِي الْخَارِج وَهُوَ زبد الْعَلامَة البارزى تغمده الله تَعَالَى برحمته وَقد تَأَخّر نظم هَذَا الْبَيْت عَن نظم الزّبد بِدَلِيل تَعْبِيره بِلَفْظ الْمَاضِي فِي قَوْله نظمتها وزدتها أبياتها ألف أَي تَقْرِيبًا فَأَنَّهَا تزيد عَلَيْهِ نَحْو أَرْبَعِينَ بَيْتا بِمَا قد زدتها الْبَاء بِمَعْنى مَعَ أَي مَعَ مَا قد زدتها من الْمُقدمَة

1 / 3

والخاتمة وَغَيرهمَا ثمَّ وصف الزّبد بأوصاف ترغب فِيهَا مِنْهَا أَنَّهَا يسهل حفظهَا على الْأَطْفَال لحلاوة نظمها وبراعته وَمِنْهَا أَنَّهَا نافعة لمبتدى الرِّجَال بِأَن تبصره وَلما كَانَ نَفعهَا للمبتدى من الذُّكُور أتم لنقلها إِيَّاه من الْجَهْل إِلَى الْعلم اقْتصر عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ نافعة لغيره أَيْضا إِذْ هِيَ مذكرة لَهُ وَيحْتَمل أَنه اقْتصر عَلَيْهِ تواضعا وهضما والمبتدى هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ فِي ذَلِك الْعلم وَلم يصل فِيهِ إِلَى حَالَة يسْتَقلّ فِيهَا بتصوير مسَائِل ذَلِك فَهُوَ الْمُتَوَسّط وَإِن اسْتَقل بالتصوير واستحضر غَالب أَحْكَام ذَلِك الْعلم فَهُوَ الْمُنْتَهى وَمِنْهَا أَنَّهَا تَكْفِي مَعَ التَّوْفِيق من الله تَعَالَى للمشتغل والتوفيق خلق قدرَة الطَّاعَة فِي العَبْد قَالَ تَعَالَى ﴿وَاتَّقوا الله ويعلمكم الله﴾ وَقد ورد لَا يتوفق عبد حَتَّى يوفقه الله وَلما كَانَ عَزِيزًا لم يذكرهُ الله فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي مَحل وَاحِد فِي قَوْله ﴿وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه﴾ وَمَا ورد من نَحْو قَوْله ﴿إِن أردنَا إِلَّا إحسانا وتوفيقا﴾ فَذَاك من مَادَّة الْوِفَاق لَا من مَادَّة التَّوْفِيق إِن فهمت وأتبعت بِالْعَمَلِ وعد مِنْهُ بِأَن من اتَّقَاهُ علمه بِأَن يَجْعَل فِي قلبه نورا يفهم بِهِ مَا يلقى إِلَيْهِ وفرقانا أَي فيصلا يفصل بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل قَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تتقوا الله يَجْعَل لكم فرقانا﴾ فبتقوى الله تزداد المعارف فاعمل وَلَو بالعشر كَالزَّكَاةِ تخرج بِنور الْعلم من ظلمات أَي ينْدب للْإنْسَان أَن يعْمل بِمَا يُعلمهُ من مسنونات الشَّرْع فَإِن لم يعْمل بجميعها فليعمل وَلَو بالعشر مِنْهَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ كَمَا اكْتفى الشَّارِع فِي زَكَاة النَّبَات المسقى بِغَيْر مُؤنَة بعشره تَطْهِيرا لَهُ وتنمية وَأَنه يخرج بِنور الْعلم بِسَبَب الْعَمَل الْمَذْكُور من ظلمات الْجَهْل وَفِي بعض النّسخ لنُور بِاللَّامِ بدل الْبَاء والظلمات بِضَم اللَّام وَفتحهَا وسكونها كَمَا فِي النّظم جمع ظلمَة وَهِي عدم النُّور وَقد قَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان ﵁ إِنَّكُم فِي زمَان من ترك مِنْكُم فِيهِ عشر مَا يعلم هلك وَسَيَأْتِي زمَان من عمل فِيهِ بِعشر مَا يعلم نجا أما الْعَمَل بِمَا يُعلمهُ من الْوَاجِبَات فقد ذكره بقوله فعالم بِعِلْمِهِ لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن أَي أَن الْعَالم إِذا لم يعْمل بِعِلْمِهِ بِأَن ترك شَيْئا مِمَّا تعين عَلَيْهِ عمله أَو ارْتكب محرما يعذبه الله إِن لم يعْفُو عَنهُ قبل تعذيبه عَابِد الوثن وَهُوَ الصَّنَم إِذْ الْعَالم ارْتكب الْمعْصِيَة عَالما بتحريمها وعابد الوثن غير عَالم بِتَحْرِيم عِبَادَته وَعَن أنس بن مَالك ﵁ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ الزَّبَانِيَة أسْرع إِلَى فسقة الْقُرَّاء مِنْهُم إِلَى عَبدة الْأَوْثَان فَيَقُولُونَ يبْدَأ بِنَا قبل عَبدة الْأَوْثَان فَيُقَال لَهُم لَيْسَ من يعلم كمن لَا يعلم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول إِن أول النَّاس يقْضى يَوْم الْقِيَامَة عَلَيْهِ رجل اسْتشْهد فَأتي بِهِ فَعرفهُ نعْمَته فعرفها قَالَ فَمَا عملت فِيهَا قَالَ قَاتَلت فِيك حَتَّى استشهدت قَالَ كذبت وَلَكِنَّك قَاتَلت لِأَن يُقَال هُوَ جريء فقد قيل ثمَّ أَمر بِهِ فسحب على وَجهه حَتَّى ألقِي فِي النَّار وَرجل تعلم الْعلم وَعلمه وَقَرَأَ الْقُرْآن فَأتي بِهِ فَعرفهُ نعْمَته فعرفها قَالَ فَمَا عملت فِيهَا قَالَ تعلمت الْعلم وعلمته وقرأت فِيك الْقُرْآن قَالَ كذبت وَلَكِنَّك تعلمت ليقال هُوَ عَالم وقرأت الْقُرْآن ليقال هُوَ قاريء فقد قيل ثمَّ أَمر بِهِ فسحب على وَجهه حَتَّى ألقِي فِي النَّار وَرجل وسع الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ من أَصْنَاف المَال فَأتى بِهِ فَعرفهُ نعْمَته فعرفها قَالَ فَمَا عملت فِيهَا قَالَ مَا تركت من سَبِيل تحب أَن ينْفق فِيهَا إِلَّا أنفقت فِيهَا لَك قَالَ كذبت وَلَكِنَّك فعلت ليقال هُوَ جواد فقد قيل ثمَّ أَمر بِهِ فسحب على وَجهه حَتَّى ألْقى فِي النَّار رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَعَن الْوَلِيد بن عقبَة ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسل إِن أُنَاسًا من أهل الْجنَّة ينطلقون إِلَى أنَاس من أهل النَّار فَيَقُولُونَ

1 / 4

بِمَا دَخَلْتُم النَّار فوا الله مَا دَخَلنَا الْجنَّة إِلَّا بِمَا تعلمنا مِنْكُم فَيَقُولُونَ إِنَّا كُنَّا نقُول وَلَا نَفْعل رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَعَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لم يَنْفَعهُ علمه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَالْبَيْهَقِيّ وَالْأَحَادِيث فِي وعيده كَثِيرَة وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء ويل لمن لَا يعلم مرّة وويل لمن يعلم سبع مَرَّات وَقيل لِابْنِ عُيَيْنَة أَي النَّاس أطول ندامة قَالَ أما فِي الدُّنْيَا فصانع الْمَعْرُوف إِلَى من لَا يشكره وَأما عِنْد الْمَوْت وَبعده فعالم مفرط وَالله أَرْجُو أَي أُؤَمِّل الْمَنّ أَي الإنعام بالإخلاص لكَي يكون مُوجب الْخَلَاص وَالْإِخْلَاص فِي الطَّاعَة ترك الرِّيَاء فِيهَا وَهُوَ سَبَب الْخَلَاص من أهوال يَوْم الْقِيَامَة لما رُوِيَ عَن أنس بن مَالك ﵁ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ من فَارق الدُّنْيَا على الْإِخْلَاص لله وَحده لَا شريك لَهُ وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة فَارقهَا وَالله عَنهُ رَاض رَوَاهُ ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَعَن ثَوْبَان ﵁ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عيه وَسلم يَقُول طُوبَى للمخلصين أُولَئِكَ مصابيح الْهدى تنجلي عَنْهُم كل فتْنَة ظلماء رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْأَحَادِيث فِي فضل الاخلاص كَثِيرَة مُقَدّمَة بِكَسْر الدَّال كمقدمة الْجَيْش للْجَمَاعَة الْمُتَقَدّمَة مِنْهُ من قدم اللَّازِم بِمَعْنى تقدم وَبِفَتْحِهَا على قلَّة كمقدمة الرجل فِي لُغَة من قدم الْمُتَعَدِّي فِي علم الْأُصُول أَي أصُول الدّين وَالْفِقْه فَإِنَّهُ ذكر فِيهَا شَيْئا من كل مِنْهُمَا أول وَاجِب مَقْصُود لذاته على الْإِنْسَان الْبَالِغ الْعَاقِل وَلَو أُنْثَى وَلَو رَقِيقا معرفَة الْإِلَه تَعَالَى باستيقان أَي يَقِينا لقَوْله تَعَالَى ﴿فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله﴾ ﴿وليعلموا أَنما هُوَ إِلَه وَاحِد﴾ وَلِأَنَّهَا مبْنى سَائِر الْوَاجِبَات إِذْ لَا يَصح بِدُونِهَا وَاجِب وَلَا مَنْدُوب وَالْمرَاد بهَا معرفَة وجوده تَعَالَى وَمَا يجب لَهُ من إِثْبَات أُمُور وَنفي أُمُور وَهِي الْمعرفَة الإيمانية أَو البرهانية لَا الْإِدْرَاك والإحاطة بكنه الْحَقِيقَة لامتناعه شرعا وعقلا وَالْيَقِين حكم الذِّهْن الْجَازِم المطابق لموجب وَمَا ذكره من أَن ذَلِك أول وَاجِب هُوَ الْأَصَح من بضعَة عشر قولا والنطق بِالشَّهَادَتَيْنِ اعتبرا أَي أَن النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ مُعْتَبر لصِحَّة الْإِيمَان لِلْخُرُوجِ من عَهده التَّكْلِيف بِهِ مِمَّن قدرا أَي من الْقَادِر عَلَيْهِ إِن صدق الْقلب إِذْ الْإِيمَان تَصْدِيق الْقلب بِمَا علم ضَرُورَة مَجِيء الرَّسُول بِهِ من عِنْد الله كالتوحيد والنبوة والبعث وَالْجَزَاء وافتراض الصَّلَوَات الْخمس وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالْمرَاد بِتَصْدِيق الْقلب إذعانه وقبوله وَلما كَانَ تَصْدِيق الْقلب أمرا بَاطِنا لَا اطلَاع لنا عَلَيْهِ جعله الشَّارِع مَنُوطًا بِالشَّهَادَتَيْنِ وَهل النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ شَرط لإجراء أَحْكَام الْمُؤمنِينَ فِي الدُّنْيَا من الصَّلَاة عَلَيْهِ والتوارث والمناكحة وَغَيرهَا دَاخل فِي مُسَمّى الْإِيمَان أَو جُزْء مِنْهُ دَاخل فِي مُسَمَّاهُ قَولَانِ ذهب جُمْهُور الْمُحَقِّقين إِلَى أَولهمَا وَعَلِيهِ من صدق بِقَلْبِه وَلم يقر بِلِسَانِهِ مَعَ تمكنه من الْإِقْرَار فَهُوَ مُؤمن عِنْد الله وَهَذَا أوفق باللغة وَالْعرْف وَذهب كثير من الْفُقَهَاء إِلَى ثَانِيهمَا وألزمهم الْأَولونَ بِأَن من صدق بِقَلْبِه فاخترمته الْمنية قبل اتساع وَقت الْإِقْرَار بِلِسَانِهِ يكون كَافِرًا وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع على مَا نَقله الرَّازِيّ وَغَيره لَكِن يُعَارض دَعْوَاهُ قَول الشِّفَاء الصَّحِيح أَنه مُؤمن مستوجب للجنة حَيْثُ أثبت فِيهِ خلافًا وَخرج بقوله مِمَّن قدرا الْعَاجِز لخرس أَو سكتة أَو إخترام منية قبل التَّمَكُّن مِنْهُ فَيصح إيمَانه وَأما الْإِسْلَام فَهُوَ أَعمال الْجَوَارِح من الطَّاعَات كالتلفظ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَغير ذَلِك لَكِن لَا تعْتَبر الْأَعْمَال الْمَذْكُورَة فِي الْخُرُوج عَن عُهْدَة التَّكْلِيف بِالْإِسْلَامِ إِلَّا مَعَ الْإِيمَان الَّذِي هُوَ

1 / 5

التَّصْدِيق الْمَار فَهُوَ شَرط للإعتداد بالعبادات فَلَا يَنْفَكّ الْإِسْلَام المعتبرعن الْإِيمَان وَإِن انْفَكَّ الْإِيمَان عَنهُ فِيمَن اخترمته الْمنية قبل اتساع وَقت التَّلَفُّظ وَأما مَا ورد من إِثْبَات أَحدهمَا وَنفي الآخر من نَحْو قَوْله تَعَالَى ﴿قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا﴾ فَهُوَ وَارِد فِي الْمُنَافِقين وَأما الْعَطف فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات﴾ فَإِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى معنيهما اللغويين وَلذَلِك ذكر الصَّدَقَة وَالصَّوْم وَغَيرهمَا بعدهمَا بطرِيق الْعَطف مَعَ الْإِجْمَاع على عدم خُرُوجهَا عَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان هَذَا كُله بِالنّظرِ لما عِنْد الله أما بِالنّظرِ لما عندنَا فالإسلام هُوَ النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَط فَمن أقرّ بهما أجريت عَلَيْهِ أَحْكَام الْإِسْلَام فِي الدُّنْيَا وَلم يحكم عَلَيْهِ بِكفْر إِلَّا بِظُهُور إمارات التَّكْذِيب كسجوده اخْتِيَارا لكواكب أَو صُورَة أَو استخفاف بِنَبِي أَو بمصحف أَو بِالْكَعْبَةِ أَو نَحْو ذَلِك وَالصَّحِيح صِحَة إِيمَان الْمُقَلّد وَاللَّام فِي قَوْله لصِحَّة الْإِيمَان للتَّعْلِيل أَو بِمَعْنى فِي وَألف اعتبرا وَقدرا للإطلاق وبالأعمال يكون الْإِيمَان ذَا نقص وَذَا كَمَال أَي الْإِيمَان يزِيد بِسَبَب زِيَادَة الْأَعْمَال ككثرة النّظر ووضوح الْأَدِلَّة وَزِيَادَة الطَّاعَة وَينْقص بِسَبَب نَقصهَا والأدلة فِي ذَلِك كَثِيرَة وَمَا قيل من أَن حَقِيقَة الْإِيمَان لَا تزيد وَلَا تنقص لما مر أَنه التَّصْدِيق القلبي الَّذِي بلغ حد الْجَزْم والاذعان وَهُوَ لَا يتَصَوَّر فِيهِ زِيَادَة وَلَا نقص حَتَّى إِن من حصل لَهُ حَقِيقَة التَّصْدِيق القلبي فَسَوَاء عمل الطَّاعَات أَو ارْتكب الْمعاصِي فتصديقه لَا تغير فِيهِ أصلا رد بِأَنا لَا نشك أَن تَصْدِيق الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أَعلَى وأكمل من تَصْدِيق غَيرهم وَإِن تَصْدِيق أبي بكر أَعلَى من تَصْدِيق غَيره من بَقِيَّة النَّاس وَيُؤَيِّدهُ أَن كل أحد يعلم أَن مَا فِي قلبه يتفاضل حَتَّى يكون فِي بعض الْأَحْوَال أعظم يَقِينا وإخلاصا وتوكلا مِنْهُ فِي بَعْضهَا وَكَذَلِكَ فِي التَّصْدِيق والمعرفة بِحَسب ظُهُور الْبَرَاهِين وَكَثْرَتهَا فَكُن من الْإِيمَان فِي مزِيد وَفِي صفاء الْقلب ذَا تَجْدِيد أَي كن أَيهَا الْمُكَلف الْمُخَاطب فِي نَفِيس عمرك من الْإِيمَان فِي تَحْصِيل مزِيد مِنْهُ بِكَثْرَة الصَّلَاة والطاعات فَرضهَا ونفلها وَترك مَا للنَّفس من شهوات نفسانية أَو بهيمية مُحرمَة أَو مَكْرُوهَة وَإِيَّاك ثمَّ إياك أَن يَقع مِنْك نقص فِي إيمانك بارتكاب مَعْصِيّة من معاصي الله تَعَالَى فَتَقَع فِي خسران عمرك النفيس الَّذِي لَا يعدل مِنْهُ لَحْظَة مِنْهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَهُوَ رَأس مَالك الَّذِي تربح فِيهِ السَّعَادَة الأبدية والعيشة المرضية وَكن دَائِما ساعيا فِي صفاء قَلْبك من الكدورات البشرية ذَا تَجْدِيد لَهُ فَكلما صفيته من كدر وَحدث فِيهِ كدر آخر من جنسه أَو من غير جنسه سعيت فِي تنقيته مِنْهُ حَتَّى لَا يزَال قَلْبك صافيا وَأَنت بالإجتهاد فِي إِصْلَاحه ساعيا بِكَثْرَة الصَّلَاة والطاعات وَترك مَا لنَفسك من الشَّهَوَات فَكلما تحركت إِلَى شَهْوَة فتداركها ببصيرتك وفر مِنْهَا بِصدق التجائك إِلَى مَوْلَاك وَكن مستنصرا بِرَبِّك على قَلْبك ومستعينا على نَفسك بقلبك فبدوام تصفيتك تحصل جمعيتك وَلِهَذَا كَانَ أَكثر الصُّوفِيَّة على أَنه إِنَّمَا سمي الصوفى بذلك لِكَثْرَة تصفيته قلبه قَالَ سهل بن عبد الله الصُّوفِي من صفا من الكدر وامتلأ من العبر وَانْقطع إِلَى الله عَن الْبشر وتساوى عِنْده الذَّهَب والمدر وَقَالَ الْغَزالِيّ كَانَ اسْم الْفَقِيه فِي الْعَصْر الأول لمن علم طَرِيق الْآخِرَة ودقائق آفَات النُّفُوس ومفسدات الْأَعْمَال واستيلاء الْخَوْف على الْقلب دون من علم الْفُرُوع الْعَرَبيَّة وَأَحْكَام الْفَتَاوَى وَقَول النَّاظِم بِكَثْرَة وَترك مُتَعَلق بِكُل من مزِيد وتجديد وَفِي بعض النّسخ فشهوة النَّفس مَعَ الذُّنُوب موجبتان قسوة الْقُلُوب أَي ارْتِكَاب الْمُكَلف لشهوات نَفسه وارتكابه الذُّنُوب الطالبة لَهَا مقتضيات قسوة قلبه

1 / 6