قَالَ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة قَالَ الْحَمد لله أهل الْحَمد ووليه وَالْهَادِي إِلَيْهِ والمثيب بِهِ أَحْمَده بأرضى الْحَمد لَهُ وأزكاه لَدَيْهِ على تظاهر آلائه وَجَمِيل بلائه حمدا يكافي نعمه ويوافي مننه وَيُوجب مزيده وأسأله أَن يشغلنا بِذكرِهِ ويلهجنا بشكره وينفعنا بحب الْقُرْآن وَاتِّبَاع الرَّسُول ﵇ وَحسن الْقبُول لما أدياه ويصرفنا عَن سبل الجائرين إِلَى سَوَاء السَّبِيل وينور بِالْعلمِ قُلُوبنَا وَيفتح بالحكمة أسماعنا وَيسْتَعْمل بِالطَّاعَةِ أبداننا ويجعلنا مِمَّن صمت ليسلم وَقَالَ ليغنم وَكتب ليعلم وَعلم ليعْمَل ونعوذ بِاللَّه من حيرة الْجَهْل وفتنة الْعلم وإفراط التعمق وَأَن يشغلنا التكاثر بِالْعلمِ عَن التفقه فِيهِ ويقطعنا مَا وَضعه الله عَنَّا عَمَّا كلفنا فِيهِ وَأَن يسْلك بِنَا إِلَيْهِ فِي غير طَرِيقه ويقحمنا فِيهِ من غير بَابه فكم من طَالب حَظه العناء وضارب فِي الأَرْض غنيمته الإياب يجوب الْبِلَاد ويغني التلاد وَيقطع الرَّحِم ويضيع الْعِيَال صَابِرًا على جَفا الغربة وَطول الْعزبَة وخشونة الْمطعم ورثاثة

1 / 147

الْهَيْئَة مبيته الْمَسَاجِد ومصباحه الْقَمَر وَطَعَامه قفار وهجوعه غرار وهمه الْجمع دون التفقه فِيهِ والطرق دون الْمُتُون والغرائب دون السّنَن والاستكثار من أَسمَاء الرِّجَال حَتَّى يعود كَمَا بَدَأَ لم يحل مِمَّا طلب إِلَّا بأسفار حملهَا وَلم يَنْفَعهُ علمهَا وَلَو يسر للصَّوَاب لعلم أَن أوجب عَلَيْهِ من حَدِيث أسلم سَالَمَهَا الله وغفار غفر الله لَهَا وَعصيَّة عَصَتْ الله. وَمن الحَدِيث فِي أكل رَسُول الله ﷺ لحم حبارى أَن تسْأَل عَن معنى قَوْله ﵇ فِي يَوْم الْجُمُعَة من غسل واغتسل وَبكر وابتكر واستمع وَلم يلغ كفر ذَلِك مَا بَين الجمعتين يعرف معنى مَا غسل واغتسل وَيعرف الْفرق بَين بكر وابتكر فَيَأْخُذ بِهِ ليكفر الله عَنهُ وَأَن يسْأَل عَن قَوْله للرجل الَّذِي سَأَلَهُ أَن يقْضِي بَينه وَبَين خَصمه بِكِتَاب الله لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله ثمَّ قضى بِالرَّجمِ والتغريب وَلَيْسَ لَهما فِي الْقُرْآن ذكر ليعرف ذَلِك فَلَا يقْدَح فِي صَدره عَارض من الشكوك فِيمَا يَدعِيهِ قوم من أهل الْبدع على أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ ببتر الْقُرْآن ونقصه وَتغَير كثير مِنْهُ عَن جِهَته فَيهْلك باتهام السّلف الْبَراء مِمَّا قرفوهم بِهِ وَأَن يسْأَل عَن قَوْله لَو جعل الْقُرْآن فِي إهَاب ثمَّ ألقِي فِي النَّار مَا احْتَرَقَ ليعلم مَعْنَاهُ وَلَا يدْخل قلبه ريب إِذا رأى الْمَصَاحِف تحترق بالنَّار وَرَأى الْمُلْحِدِينَ يغمزون بِهَذَا الحَدِيث ويطعنون بِهِ على الْمُسلمين وَأَن

1 / 148

يسْأَل عَن قَوْله كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ليعلم تَأْوِيله فَلَا يعلق بِقَلْبِه الهول بِالْقدرِ. وَعَن قَوْله الْحيَاء شُعْبَة من الْإِيمَان كَيفَ جعل الْحيَاء وَهُوَ غريزة شُعْبَة من الْإِيمَان وَهُوَ عمل وَلم سمي الْغُرَاب فَاسِقًا والغراب غير مُكَلّف وَلَا مَأْمُور وَلم تعوذ فِي وَقت من الْفقر وَسَأَلَ الله غناهُ وغنى مَوْلَاهُ وَسَأَلَ فِي وَقت أَن يحييه مِسْكينا ويميته مِسْكينا ويحشره فِي زمرة الْمَسَاكِين وَقَالَ الْفقر أحسن بِالْمُؤمنِ من العذار الْحسن على حد الْفرس ليعلم معنى الْحَدِيثين فَلَا يتَوَهَّم على نقلة الحَدِيث مَا يشنع بِهِ ذَوُو الْأَهْوَاء عَلَيْهِم فِي مثل هَذِه الْأَحَادِيث من حمل الْكَذِب والمتناقض حَتَّى قَالَ بَعضهم من الرجز ... يروي أَحَادِيث ونروي نقضهَا ... وَعَن قَوْله لعن الله السَّارِق يسرق الْبَيْضَة فتقطع يَده وَيسْرق الْحَبل فتقطع يَده وَأهل الْعلم مجمعون على أَنه لَا يقطع مِمَّا دون ثمن الْمِجَن الْمَذْكُورَة قِيمَته والخوارج تخالفهم وتوجب عَلَيْهِ الْقطع فِي كل شَيْء قل أَو كثر لقَوْله ﷿: ﴿وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا﴾ . فَإِذا احْتج عَلَيْهِم مُحْتَج بِهَذَا الحَدِيث الْمِجَن عارضوه بِهَذَا الحَدِيث مَعَ ظَاهر الْكتاب وَأَن يسْأَل عَن قَوْله ضرس الْكَافِر فِي النَّار مثل أحد وكثاقة جلده أَرْبَعُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْجَبَّار. وَعَن قَوْله: (لَا تسبوا الرّيح فَإِنَّهَا من نفس الرَّحْمَن) . وَعَن قَوْله: (آخر وَطْأَة وَطئهَا الله بوج) وَعَن قَوْله (إِنِّي لأجد نفس ربكُم من قبل الْيمن) وَأَن يسْأَل عَن قَوْله: (الكاسيات

1 / 149

العاريات لَا يدخلن الْجنَّة) ليعلم كَيفَ يكون الكاسي عَارِيا وَعَن قَول أبي بكر ﵁: (سلوا الله الْعَافِيَة والمعافاة) لعرف مَا الْفرق بَينهمَا فنسأل الله مَا يُعلمهُ. وَعَن قَول ابْن عَبَّاس حِين ذكر عِنْده قَول عَليّ ﵇ فِي الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ: حرمتهن آيَة وأحلتهن آيَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس تحرمهن عَليّ قَرَابَتي مِنْهُنَّ وَلَا تحرمهن عَليّ قرَابَة بَعضهنَّ من بعض وأية قرَابَة بَين الرجل وَامْرَأَته وَمَا الْآيَة الْمحلة للْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ وَالْآيَة الْمُحرمَة لَهُ. وَمثل هَذَا كثير يطول بِذكرِهِ الْكتاب وَفِيمَا ذكرت فِيهِ مَا دلّ على مَا أوردت وستقف على تَفْسِير هَذِه الْأَحَادِيث فِي أَضْعَاف الْكتاب إِن شَاءَ الله. وَقد كَانَ تعرف هَذَا وأشباهه عسيرا فِيمَا مضى على من طلبه لِحَاجَتِهِ إِلَى أَن يسْأَل عَنهُ أهل اللُّغَة وَمن يكمل مِنْهُم ليفسر غَرِيب الحَدِيث وفتق مَعَانِيه وَإِظْهَار غوامضه قَلِيل فَأَما زَمَاننَا هَذَا فقد كفى حَملَة الحَدِيث فِيهِ مُؤنَة التَّفْسِير والبحث بِمَا أَلفه أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام ثمَّ بِمَا ألفناه فِي هَذَا بِحَمْد الله. وَقد كنت زَمَانا أرى أَن كتاب أبي عبيد قد جمع تَفْسِير غَرِيب الحَدِيث وَأَن النَّاظر فِيهِ مستغن بِهِ ثمَّ تعقبت ذَلِك بِالنّظرِ والتفتيش والمذاكرة فَوجدت مَا تَركه نَحوا مِمَّا ذكر أَو أَكثر مِنْهُ فتتبعت مَا أغفل وفسرته على نَحْو مِمَّا فسر بِالْإِسْنَادِ لما عرفت

1 / 150

إِسْنَاده وَالْقطع لما لم أعرفهُ وأشبعت ذَلِك بِذكر الِاشْتِقَاق والمصادر والشواهد من الشّعْر وكرهت أَن يكون الْكتاب مَقْصُورا على الْغَرِيب فأودعته من قصار أَخْبَار الْعَرَب وأمثالها وَأَحَادِيث السّلف وَأَلْفَاظهمْ مَا يشاكل الحَدِيث أَو يُوَافق لَفظه لَفْظَة لتكثر فَائِدَة الْكتاب ويمتع قارئه وَيكون عونا على مَعْرفَته وَتَحفظه وَلم أعرض لشَيْء مِمَّا ذكره أَبُو عبيد إِلَّا أَحَادِيث وَقع فِيهَا ذَلِك فنبهت عَلَيْهِ ودللت على الصَّوَاب فِيهِ وأفردت لَهَا كتابا يدعى كتاب إصْلَاح الْغَلَط وَإِلَّا حروفا تعرض فِي بَاب وَلَا يعْمل ذَلِك الْبَاب إِلَّا بذكرها فَذَكرتهَا بِزِيَادَة فِي التَّفْسِير والفائدة وَلنْ يخفى ذَلِك على من جمع بَين الْكِتَابَيْنِ وَكنت حِين ابتدأت فِي عمل الْكتاب اطَّلَعت عَلَيْهِ قوما من حَملَة الْعلم والطالبين لَهُ وأعجلتهم الرَّغْبَة فِيهِ والحرص على تدوينه عَن انْتِظَار فراغي مِنْهُ وسألوا أَن أخرج لَهُم من الْعَمَل مَا يرْتَفع فِي كل أُسْبُوع فَفعلت ذَلِك حَتَّى تمّ لَهُم الْكتاب وسمعوه وَحمله قوم مِنْهُم إِلَى الْأَمْصَار ثمَّ عرضت بعد ذَلِك أَحَادِيث كَثِيرَة فَعمِلت بهَا كتابا ثَانِيًا يدعى كتاب الزَّوَائِد فِي غَرِيب الحَدِيث ثمَّ تدبرت الْكِتَابَيْنِ فَرَأَيْت الأصوب فِي الرَّأْي أَن أجمعهما وأقدم مَا سَبيله أَن يقدم وأوخر مَا سَبيله أَن يُؤَخر وأحذف مَا سَبيله أَن يحذف فَمن رأى ذَيْنك الْكِتَابَيْنِ على غير تأليف هَذَا الْكتاب فَليعلم أَنَّهَا شَيْء وَاحِد وَأَن الِاخْتِلَاف بَينهمَا إِنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيم وَتَأْخِير ومكرر من التَّفْسِير وَرَأَيْت أَن أفتح كتابي هَذَا بتبيين الْأَلْفَاظ الدائرة بَين النَّاس فِي الْفِقْه وأبوابه

1 / 151