الفوائد البهية في تراجم الحنفية تأليف العلامة أبي الحسَنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي عنى بتصحيحه وتعليق بعض الزوائد عليه السيد محمد بدر الدين أبو فراس النعساني دار الكتاب الإسلامي

Unknown page

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي اختار في الأنبياء نبينا محمدًا ﷺ * وشرفه على سائر المخلوقات وعظم وكرم * وجعل أمته أشرف الأمم * ودينه من بين سائر الأديان دينًا أقوم * فسبحانه من إله أحمده حمدًا مطيبًا على أن أجرى أنهار الشرع من حضرة الرسالة إلى أكناف العالم * وجعل لحفرها وأجرائها أئمة سادة وفقهاء قادة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين هداة الأمة إلى الطريق الأمم * ما أعظم شأنه أشكره شكرًا طيبًا على أنه جعل اختلاف المذاهب رحمة وافتراق المشارب نعمة بأيها اقتدى الإنسان اهتدى إلى طريق الجنان ونال بحظ أعظم * أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله ومشى طريقه ما تقارن السفر والقلم * وتواصل الناعم بالنعَم (وبعد) فيقول الراجي عفو ربه القوي أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي تجاوز الله عن ذنبه الجلي والخفي أن في علم التاريخ عبرة لمن اعتبر وموعظة لمن افتكر وإعلام أن من دخل دار الدنيا فهو على سفر وإحضار حالات من مضى وغبر ونداءً على أن كل ما في هذه الدار فهو مقهور تحت القضاء والقدر لا يتأخر ساعة ولا يتقدم لمحة عن وقته المقدر فهو أجل ما يطالعه أرباب العقول وأعز ما ينفع به الجهول وأفضل ما يعاينه نقاد الفحول وأعلى ما تبصر به الغَفول وله شعب متفرقة وصنوف متشتتة وأجلها فن تراجم الكبار وأخبار الأخيار ففيه غير ما مضى فوائد جمة ومنافع مهمة منها الاطلاع على مناقبهم وأوصافهم ونباهتهم وجلالتهم ليحصل التأدب بآدابهم والتخلق بأخلاقهم فيحشر في زمرتهم ويدخل فيهم وإن لم يكن منهم ومنها الاطلاع على مراتبهم ومدارجهم فيؤمن به من تنزيل أعلى الرتبة إلى الأدنى وتعريج أدنى المرتبة إلى الأعلى واختيار قول أدناهم على أعلاهم عند تعارض أقوالهم وإفاداتهم ومنها الاطلاع على مواليدهم وأعصارهم ووفياتهم وأزمانهم فيحصل الأمن من جعل القديم حديثًا والحديث قديمًا والمتقدم متأخرًا والمتأخر متقدمًا ومنها الاطلاع على آثارهم وحكاياتهم وفيوضهم وتصنيفاتهم فيتحرك عرق الشوق إلى الاهتداء بهديهم والاقتداء بسيرهم ولم أزل من حين ترعرعت من الصبا إلى الشباب متشوقًا إلى استدراك أخبار العلماء الأنجاب كم طالعت فيه من كتب الطبقات وأسفار حوادث السنين والأوقات إلى أن حصل عندي من ذلك الحظ الأَوفر واختزن منه القدر الأكثر فأردت أن أجمع ذلك في مجموع يكون هو منتهى الجموع لما أني رأيت علماء زماننا بل كثيرًا ممن سبقنا في بلادنا قد ظنوه شيئًا فريًّا واتخذوه ظهريًّا فصار ذلك عليهم كنزًا مخفيًّا بل نسيًا

1 / 2

منسيا فوقعوا بذلك في الورطة الظلماء وركبوا متن عمياء تراهم لا يعلمون أعلام الاعلام المذكورين في دفاتر الكرام فضلا عن أحوالهم وصفاتهم وفضلا عن مواليدهم ووفياتهم إذا سئلوا عن فقيه مذكور في الكتب بلقبه أو بنسبته أو مشهور بنسبه أو بوصفه ما اسمه وكيف رسمه وأي السنة عصره وأي البلد مقره ترددوا في ذلك تردد البهائم وتفكروا تفكر البهائم تراهم ينسبون في رسائلهم تصنيف فقيه إلى غيره ولا يميزون بينه وبين غيره لاسيما إذا اتحدت الأعلام والألقاب أو الأعصار والأنساب تراهم إذا وقع التعارض بين أقوال العلماء يقدمون الأدنى على الأعلى وينزلون الأعلى إلى الأدنى لا يميزون بين المعروف والمجهول والمردود والمقبول ولا يفرقون بين الغيث والثمين والشمال واليمين ثم بدا لى أن الهمم قاصرة والخواطر فاترة والعزائم مقتصرة والقلوب منكسرة إذا رأوا كتابًا كبيرًا تقاعدوا عن مطالعته وحرموا من بركته فالأهم إفراد الأهم فالأهم فصرفت عنان العزيمة إلى جمع تراجم الحنفية خصهم الله بألطافه الجلية والخفية فإن الحاجة إليها لأصحابنا أكثر والاحتياج إليها في بلادنا أظهر والأكابر وإن صنفوا في أحوالهم الدفاتر فمنهم من أفردهم كعبد القادر القرشي والمجد الشيرازي وقاسم بن قطلوبغا والقطب المكي وعلي القارى وغيرهم ومنهم من خلطهم بغيرهم كالجلال السيوطي والحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني والشمس السخاوى والقطب اليافعي ومحمد بن فضل الله المحبي وغيرهم لكنها في أكثر بلادنا مفقودة وتحت حجب الاختفاء مقهورة ورأيت أني لو جمعتهم في كتاب واحد حسب ما وصل إليه علمى من زمان الإمام إلى هذا العصر واحدًا بعد واحد يصير المجموع أكبر لا ينتفع به إلا الأندر. فأحببت أن أفرقهم في كتب متعددة ورسائل منفردة ليتيسر الانتفاع بها ولا يتعسر الاستفادة منها فأفردت لمن له ذكر في الهداية وهو من الكتب المعتبرة عند أرباب الهداية رسالة سميتها بمقدمة الهداية ثم جعلت له ذيلا مسمى بمذيلة الدراية وأفردت لتراجم شراح الجامع الصغير وأرباب المتون المشهورة وأصحاب الكتب المعروفة رسالة سميتها بالنافع الكبير لمن يطلع الجامع الصغير وذكرت من له أو لكتابه ذكر في شرح الوقاية مع ذكر شراح الوقاية ومحشي شرح الوقاية وشراح النقاية في مقدمة شرحي لشرح الوقاية المسمى بالسعاية في كشف ما في شرح الوقاية * وهذه الرسائل قد اشتملت على تراجم كثير من العلماء الشافعية وغيرهم بل وكثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ثم ظفرت بطبقات الكفوي المسماة بكتائب أعلام الأخيار (١) لمحمود بن سليمان الكفوي فوجدته أحسن كتاب _________ (١) كانت وفاته على ما في كشف الظنون سنة ٩٩٠ وذكر هو بنفسه في كتاب أعلام الأخيار في بدء الكتيبة الأولى أنه اخذ العلم عن السيد محمد عبد القادر وعن عبد الرحمن بن على وعن محمد بن عبد الوهاب ولهم أساتذة كثيرة فابن عبد القادر تلميذ نور الدين القره صوى تلميذ سنان باشا يوسف بن خضر بيك تلميذ أبيه وعبد الرحمن أخذ عن سعد الله بن عيسى بن أمير خان وهو عن محمد بن حسن السامسوني عن أبيه عن إلياس بن يحيى بن حمزة عن محمد بن محمد بن محمود الحافظي الشهير بخواجه =

1 / 3

صنف في هذا الباب فيه فوائد كثيرة نافعة لأولى الألباب قد ذكر فيه مشاهير الحنفية من عصر الإمام إلى عصره مع ذكر سلاسل تلامذتهم ووفياتهم ومواليدهم وتصنيفاتهم وآثارهم وحكاياتهم وأورد في ترجمة كل فقيه فوائد من تصانيفهم وفرائد من تآليفهم ورتبه على كتائب عديدة وأورد في كل كتيبة تراجم جماعة غفيرة وختم كل كتيبة بذكر جماعة من الأولياء والصلحاء الذين بذكرهم تنزل الرحمة وتندفع القسمة فلخصت من كتابه تراجم الفقهاء من دون حذف ما يتعلق بها حاذفا الفوائد التي لا تتعلق بها وتركت ذكر الأولياء والصلحاء لما أن التصانيف في أحوالهم قد كثرت والدفاتر في أخبارهم قد اشتهرت * ثم زدت معلمًا بقولى قال الجامع بعد الفراغ من التلخيص من كتب أخر صنفت في هذا الباب من الفوائد التي يستحسنها أولو الألباب فالترجمة التي ليس فيها قال الجامع فهي من الأصل وما هو فيها فقبله من الأصل وبعده من هذا الجامع ورتبت التراجم على حروف المعجم ليكون الانتفاع أسهل والتحصيل أكمل وبدأت بمقدمة فيها ما يفيد البصيرة وختمت بخاتمة فيها فوائد جليلة وسميت هذا المجموع (بالفوائد البهية في تراجم الحنفية). وكان الفراغ من تلخيص الأصل في مدة شهر واحد وهو شهر جمادي الآخرة من شهور السنة الحادية والتسعين بعد الألف والمائتين حين إقامتي بالوطن حفظ عن شرور الزمن والفراغ من تهذيبه وترتيبه في مدة أربعة أشهر من شهور السنة الحادية والثانية بعد التسعين _________ = بارسا عن محمد الطاهرى عن صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود وابن عبد الوهاب أخذ عن أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا تلميذ مصلح الدين القسطلاني تلميذ خضر بيك تلميذ محمد بن ادمغان تلميذ شمس الدين محمد الفنارى تلميذ أكمل الدين محمد البابرتي انتهى ملخصًا. وقال في ترجمة محمد بن عبد القادر كان الفقير من أصحاب درس الهداية وكان المرحوم بدر الدين محمود السيرافي من شركاء درسنا ويحضر درسنا أيضًا أكبر أولاده مصطفى مات شابا مدرسًا ببرسا سنة ٩٦٢ ثم كان يحضر أصلح أولاده محي الدين محمد جلبي بن الشيخ محمد جوي زاده وقد وصلت إلى خدمته من خدمة الفاضل عبد الرحمن جلبي فقرأت عليه نبذًا من الهداية ثم التلويح ثم في سنة ٩٥٩ دخلت في سلك الملازمين انتهى * وقال في ترجمة ابن الهمام اعتنى ابن الهمام بشرح الهداية لكنه لم يوفق للتكميل ثم اعتنى بتكميله أستاذنا مرجع الأعلام منبع الفضائل والمفاخر المفتى يومئذ في الممالك العثمانية شمس الدين أحمد بن القاضي بدر الدين ولقد كنت في سالف الزمان في مدرسة مراد خان ببروسا قرأت عليه وكان مدرسًا فيها شرح المفتاح وكتب هو حاشية على شرح المفتاح انتهى وذكر في ترجمة أبي بكر بن الحاج خير الدين الكفوى أن أول سفره من بلدة كفو إلى قسطنطينية في عنفوان الشباب سنة ٩٤٩ وذكر في ترجمة الكورانى أنه كان مدرسًا في سنة ٩٦١ بمدرسة الكوراني في قسطنطينية بعشرين درهما كل يوم وذكر في ترجمة طاهر بن قاسم أن من تصنيفه كتاب الجواهر طالعه ببلدة سينوب حين ابتلائه بقضائها وذكر في آخر الطبقات أن عمره حين صنفه ستون سنة

1 / 4

حين إقامتي بحيدر آباد الدكن نقاها الله البدع والفتن * وقد بذلت فيه جهدى وصرفت فيه وسعي * أوردت الاختلاف الواقع في المواليد والوفيات ووضحت مازل فيه قدم الكفوي وغيره من العلماء في نسبة التصنيفات. وأوضحت توثيق قدماء فقهائنا أو تضعيفهم في الرواية من كتب أصحاب الدراية * وضبطت نسب الفقهاء من كتب الأنساب وبينت ما وقع فيه من الأصحاب. وحققت ما وقع في البين من ذكر المسائل ووقعت الدلائل كم سهرت لهذا الجمع في ظلم الدياجر واحتملت المشقة في ظمأ الهواجر * وليس غرضي من ذلك أن يدرج اسمي في المؤلفين ويشتهر ذكرى في العالمين بل مقصودي به وبسائر تصانيفي أن يحصل العلم لمن لا يعلم ويكون وسيلة لي إلى دار النعم ولئن أمهلني الله في العمر لأجمع ذكر من لم يذكر في هذا المجموع في مجموع آخر يكون للعلماء نافعًا وللفضلاء كافيًا أن شاء الله تعالى والله أسأل أن يجعله وسائر تصنيفاتي خالصة لوجهه الكريم أنه ذو الفضل العظيم * والمرجو ممن ينتفع بهذا المجموع أن يدعو لي بحسن الخاتمة في الدنيا والآخرة * * * [المقدمة] اعلم أن ذات نبينا محمد ﷺ كمنبع العيون جرت منه أنهار الفنون وأول من أجراها وحفرها هم الصحابة المهديون لاسيما الخلفاء الراشدون وهم في العلوم كالنجوم بأيهم اقتديت اهتديت وهم ورثة النبي ﷺ حقًا ونوابه في إشاعة الدين صدقا ثم جرت منهم إلي مستفيديهم وتابعيهم ومنهم إمامنا الأعظم ومقلّدُنا المقدم أبو حنيفة النعمان بن ثابت على ما هو الأصح الثابت ومنهم إلى اتباع التابعين ثم إلى اتباعهم من الأئمة المجتهدين ثم إلى مقلديهم من الفقهاء والمحدثين ولا يزال هذا الانتظام إلى قيام يوم الدين وكلهم قد أولعوا في إشاعة العلوم وإفاضتها على أرباب الفهوم تذكيرًا وتصنيفًا وترصيفًا وتحديثا فرحمهم الله رحمة واسعة وأفاض عليهم سحب النعم الكاملة فلولاهم لما اهتدينا ولبقينا على ما كنا (واعلم) أنه ليس الأمر كما يظنه الجاهل الفاسد ذو العقل الكاسدان اختلاف الصحابة ومجتهدى الأمة قد أشكل الأمر وجعل الأيسر أعسر بل الأمر أن اختلافهم صار رحمة لهذه الأمة قد جعل الدين يسرًا وأزال عنه عسرًا أو لا يعلم أنه لو تبع من منبع نهر واحد هل يكون الأمر فيه أسهل أم فيما إذا نبع من المتعدد * فهذه المذاهب المختلفة للأئمة ومجتهدى الأمة كلها تتصل بأنهار الصحابة وهي متصلة بمنبعها وهو حضرة الرسالة فكلها على هدى من اقتدى بأيها اهتدى ومن توهم أن واحدًا منها على هدى وسائرها في ضلالة وقع في حفرة الضلالة (واعلم) أنه قد كثر في هذه الأمة المجتهدون ولهم جماعة مقلدون كلهم قد صرفوا أوقاتهم في إجراء أنهار الشريعة وبذلو جهدهم في تحقيق الطريقة القويمة بل لا يخلو مائة من المئات من المجددين يهتدي بهم طائفة من المقلدين بل ولا عصر من الأعصار عن جماعة المجتهدين في أقطار الأرضين وإن كانوا في الظاهر

1 / 5