Page 1

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الحاكم أبو عبد الله ، محمد بن عبد الله الحافظ البيع ، رحمه الله :

بحمد الله أبتدي ، وإياه أستهدي ، وبتوفيقه أكتفي ، وأصلي على محمد النبي ، وآله أجمعين ، كلما ذكرهم الذاكرون ، وغفل عنهم الغافلون .

Page 30

ثم إن زماننا قد خلفنا في رعاة يتقرب الناس إليهم ببغض آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والوضع عنهم ، فكل من يتوسل إليهم فتوسله بذكر الآل بما قد نزههم الله عنه ، وإنكار كل فضيلة تذكر من فضائلهم ، والله المستعان على ذلك ، والمسؤول أن يصلي على محمد النبي وآله ، وأن يبدلنا بالخوارج خيرا منهم ، إنه وليه والقادر عليه . ومما حملني على تحرير هذه الرسالة ، أن حضرت مجلسا حضره أعيان الفقهاء والقضاة والأمناء من المزكين وغيرهم ، وجرى بحضرتهم ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه ، فانتدب له عين من أعيان الفقهاء فقال : كان علي لا يحفظ القرآن !! وهذا الشعبي قد نص عليه ، فقلت : أو غير هذا ، فإن الصحابة الذين هم أعلم بذلك من الشعبي ، قد شهدوا له بحفظ القرآن ، وهذا أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي ، سيد القراء من التابعين قرأ عليه ، وله عنه حرف مجرد ، وهو أحد الرواة عن عاصم بن بهدلة . قال : الشعبي أعرف به من غيره . فقلت : إن الشعبي لم يسمع منه ، إنما رآه رؤية، ثم ظهر ميله إلى أعدائه ، طمعا في الدنيا . فما زاده كل ما ذكرته من ذلك إلا تماديا في الباطل .

ثم جرى في المجلس ذكر بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، فقال بعضهم : إن الرواة لينكرون أنهن بنات خديجة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فقلت : هن بناتها منه ، إلا أن ذكر فاطمة رضى الله عنها في الأخبار أشهر ، وفضائلها في الروايات أكثر .

فانتدب بعض من اختلف إلي قديما ، وطالت ملازمته لي للتقرب بالنصب إلى بعض الحاضرين بأن قال : هذا محمد بن إسماعيل البخاري ، قد روى في الجامع الصحيح حديثا لعروة بن الزبير ، عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : خير بناتي زينب .

فقلت : هذا الحديث في أي موضع من الجامع ذكره البخاري ؟

فقال : في كتاب الفضائل .

فقلت بحضرة الجماعة : ألا تعلم أني جمعت هذا الكتاب أربع مرات ، صنفته أولا على الرجال من الصحابة ، ثم نقلت الرقاع ، ثم هذبته على الرجال ، ثم رتبته وأمليته عليك وكتبت بإملائي ؟

قال : نعم .

قلت : فوالله ما مر بي هذا الحديث في الكتاب قط .

فقال الصدر - المتقرب إليه بذلك - للذي ذكر هذا الخبر : جزاك الله عنا خيرا ، فالآن ظهر لي وصح عندي أنك سني ، متعصب للسنة .

فقمت إلى بيت الكتب ، وأخرجت كتاب الفضائل من الجامع ، فلم أجد فيه من فضائل النساء غير خديجة ، وفاطمة ، وعائشة ، رضى الله عنهن ، فحملت الكتاب إلى المجلس ودفعته إلى الذي ذكر الحديث .

فقلت : هذا الفضائل ، فاطلب فيه حديث أسامة ، فإني قد طلبته فلم أجده .

فأخذ يتصفح مرة بعد أخرى ، ثم قال : لعله في غير الفضائل ، فإني لا أشك أنه في الكتاب ؟

Page 31

فقلت : والله ما خرج البخاري هذا الحديث قط .

ثم إني بعد افتراقنا عن المجلس صليت صلاة المغرب ، وقعدت إلى نصف الليل ، ثم أصبحت سحرا ، وقعدت إلى وقت الإقامة ، وبعد انصرافي من المسجد قعدت إلى وقت صلاة العصر ، حتى نظرت في الكتاب من أوله إلى آخره نظرا شافيا ، فلم أجد للحديث فيه أثرا .

وقد كنت سألته : من كان روى عن عروة في إسناد هذا الحديث ؟

فقال : من حديث الزهري عن عروة .

فرجعت إلى كتاب أبي علي الحافظ في الزهري عن عروة ، فلم أجده فيه ، فطلبته في مسند أسامة بن زيد للحسن بن سفيان ، فلم أجد فيه فجلست وأنا مفكر فيه ، فذكرت أني جمعت في الرقاع لكتاب الإكليل فضل زينب ، فغدوت أطلبه ، فوجدت فيه بخطي هذا الحديث من يحيى بن أيوب ، وسماعي : حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمد البلخي ببغداذ (1) ، من أصل كتابه : حدثنا أبو إسماعيل بن محمد إسماعيل السلمي ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأنا يحيى بن أيوب ، حدثنا ابن الهاد ، حدثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها ، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة ، فخرجوا في أثرها ، فأدركها هبار بن الأسود ، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها ، وألقت ما في بطنها ، وأهريقت دما ، فحملت ، فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية ، فقالت بنو أمية : نحن أحق بها ، وكانت تحت ابن عمهم ابن العاص ، فكانت عند هند بنت ربيعة ، وكانت تقول لها هند : هذا في سبب أبيك .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزيد بن حارثة : ألا تنطلق فتجيء بزينب ؟ قال : بلى يا رسول الله ! . قال : خذ خاتمي فأعطها إياه .

Page 32

فانطلق مرة ، وقال مرة ، فترك بعيره ، فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا ، فقال : لمن ترعى ؟ قال : لابن العاص .

قال : فلمن هذه الغنم .

قال : لزينب بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

فسار معه شيئا ، ثم قال له : هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إياه ، ولا تذكره لأحد ؟ قال : نعم .

فأعطاه الخاتم ، فانطلق الراعي ، فأدخل غنمه ، وأعطاها الخاتم ، فعرفته .

فقالت : من أعطاك هذا ؟

قال : رجل .

قالت : وأين تركته ؟

قال : بمكان كذا وكذا .

قال : فسكنت ، حتى إذا كان الليل خرجت إليه ، فلما جاءته قال لها : اركبي بين يديه على بعيره قالت : لا ، ولكن اركب أنت بين يدي ، فركب وركبت وراءه حتى أتت فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : هي أفضل بناتي أصيبت في .

Page 33