Page 0

الدراري في ذكر الذراري
الباب الأول في اكتساب الأولاد والحث عليه

قال النبي (: "تناسلوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة" وقال عليه الصلاة والسلام: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ألا وإن ولده من كسبه" وقال عمر رضي الله عنه: (إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله نسمة تسبحه وتذكره) . وقال: (تكثروا من العيال فإنكم لا تدرون ممن ترزقون) .

وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أن الاشتغال بالنكاح أفضل

Page 15

من التخلي لنفل العبادة من حيث أنه يفضي إلى الولد الذي به بقاء العالم إلى الأمد الموعود، وعود مصلحة الولد إلى الوالد حيا وميتا بنصره لوالده في حال حياته، والنفقة عليه على تقدير الحاجة إليه وإمداده إياه بأنواع الثواب بعد وفاته من الدعاء والصدقة والترحم عليه بسببه.

ولعمري إن التسبب في إيجاد مثل مولانا السلطان الذي نشر العلوم في أيامه، وأحيا الفقراء والمساكين بجوده وإنعامه، وحبب العلماء إلى الناس بما ظهر لهم من لطفه بهم وإكرامه، أفضل عند الله تعالى من صلاة الدهر نفلا وصيامه.

ولو شاهد أبو حنيفة رضي الله عنه عصره وزمانه، ورأى بره للرعية وإحسانه، لجعله دليله في المسألة وبرهانه، ولسلم له الخصم ما نازعه فيه، فمثل هذا الدليل في إبانة الحجة يكفيه.

دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه على ابنته وهي عند عبد الله ابن خالد بن أسيد فرآها مهزولة فقال: لعل بعلك يغيرك، قالت: لا. فقال لزوجها: لعلك تغيرها، قال: لا. قال: فافعل فلغلام

Page 16

يزيده الله في بني أمية أحب إلي منها.

قال أرسطاطاليس: لما كان البقاء مما استأثر به القديم جل ذكره لجلالته وعلو قدره وكان محبوبا إلى النفوس كلها ناطقها وصامتها، ولما لم يمكن الحيوان البقاء بشخصه أحب البقاء بنوعه فأوجد المثل. قال الله عز وجل في كتابه الكريم فيما يحكي عن زكريا عليه السلام ودعائه في الولد: (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين (يعني: لا تذرني وحيدا لا ولد لي.

وقالت أعرابية تتمنى ولدا:

يا حسرتا على ولد ... أشبه شيء بالأسد

إذا الرجال في كبد ... تغالبوا على نكد

كان له حظ الأشد

Page 17

الباب الثاني في المنع من اكتسابهم والتحذير منهم

قال الله عز وجل: (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم (وقال النبي (: "لا يكن أكثر شغلك بأهلك وولدك، فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله لا يضيع أولياءه، وإن يكونوا أعداء الله فاهمك وشغلك بأعداء الله".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: "ليأتين على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه حتى يفر به من شاهق إلى شاهق ومن جحر إلى جحر كالثعلب الذي يروغ" قالوا: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: "إذا لم تنل المعيشة إلا بمعاصي الله عز وجل فعند ذلك حلت العزوبة" قالوا: يا رسول الله أليس أمرتنا بالتزويج! قال: "بلى، ولكن إذا كان في ذلك الزمان كان هلاك الرجل على يد أبويه، فإن لم يكن له أبوان فعلى يدي زوجته

Page 18