بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة المُصَنّف الْحَمد لله الَّذِي عرف أهل صفوته عُيُوب أنفسهم وَأكْرمهمْ بمطالعة عذرها وجعلهم أهل الْيَقَظَة والانتباه لموارد الْأَحْوَال عَلَيْهِم ووفقهم لمداواة عيوبها ومكامن شرورها بأدوية تخفى إِلَّا على أهل الانتباه فيسهل عَلَيْهِم من ذكر التَّفْسِير بفضله وَحسن توفيقه وَبعد فقد سَأَلَني بعض الْمَشَايِخ اكرمه الله بمرضاته أَن أجمع فصولا فِي عُيُوب النَّفس يسْتَدلّ بِهِ على مَا وراها فأسعفته بطلبته وجمعت لَهُ هَذِه الْفُصُول الَّتِي أسأَل الله تَعَالَى أَن لَا يعدمنا بركتها وَذَلِكَ بعد أَن استخرت الله فِيهِ واستوفقته وَهُوَ حسبى وَنعم الْوَكِيل وَالصَّلَاة على نبيه الْكَرِيم وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا قَالَ الله تَعَالَى ﴿إِن النَّفس لأمارة بالسوء﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَنهى النَّفس عَن الْهوى﴾ وَقَالَ ﴿أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾ وَغير هَذَا من الْآيَات مَا يدل على شرور النَّفس وَقلة رغبتها فِي الْخَيْر من عُيُوب النَّفس توهم النجَاة أخبرنَا عَليّ بن عَمْرو قَالَ حَدثنَا عبد الْجَبَّار بن شيراز قَالَ حَدثنَا أَحْمد ابْن الْحسن بن أبان قَالَ حَدثنَا أَبُو عَاصِم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة وسُفْيَان عَن سَلمَة ابْن كهيل عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ أَنه قَالَ قَالَ النَّبِي ﷺ (الْبلَاء والهوى والشهوة معجونة بطينة آدم) .

1 / 5

فَمن عُيُوب النَّفس أَنه يتَوَهَّم أَنه على بَاب نجاته يقرع الْبَاب بفنون الْأَذْكَار والطاعات وَالْبَاب مَفْتُوح وَلكنه أغلق بَاب الرُّجُوع على نَفسه بِكَثْرَة المخالفات كَمَا أَخْبرنِي الْحسن بن يحيى قَالَ سَمِعت جَعْفَر بن مُحَمَّد يَقُول سَمِعت ابْن مَسْرُوق يَقُول مرت رَابِعَة بِمَجْلِس صَالح المرى فَقَالَ صَالح من أدمن قرع الْبَاب يُوشك أَن يفتح لَهُ فَقَالَت رَابِعَة الْبَاب مَفْتُوح وَأَنت تَفِر مِنْهُ كَيفَ تصل إِلَى مقصد أَخْطَأت الطَّرِيق مِنْهُ فِي أول قدم فَكيف ينجو العَبْد من عُيُوب نَفسه وَهُوَ الذى أطلق لَهَا الشَّهَوَات أم كَيفَ ينجو من اتِّبَاع الْهوى وَهُوَ لَا ينزجر عَن المخالفات سَمِعت مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدَان يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ يَقُول سَمِعت ابْن أبي الدُّنْيَا يَقُول قَالَ بعض الْحُكَمَاء لَا تطمع أَن

1 / 6

تصحو وفيك عيب وَلَا تطمع أَن تنجو وَعَلَيْك ذَنْب ومداواة هذة الْحَالة بِمَا قَالَه سرى السَّقطِي وَهُوَ سلوك سَبِيل الْهدى وَطيب الْغذَاء وَكَمَال التقى وَمن عيوبها إِذا بَكت تفرجت ثمَّ واستروحت ومداواتها مُلَازمَة الكمد مَعَ الْبكاء حَتَّى لَا يفزع إِلَى الاسترواح فَهُوَ أَن يبكي فِي الْحزن ذلا وَلَا يبكي من الْحزن يستروح من بكائة وَمن بكاء فِي الْحزن يزِيدهُ الْبكاء كمدا وحزنا من عُيُوب النَّفس استكشاف الضّر مِمَّن لَا يملكهُ وَمن عيوبها استكشافه الضّر مِمَّن لَا يملكهُ ورجاؤه فِي النَّفْع مِمَّن لَا يقدر عَلَيْهِ واهتمامه بالرزق وَقد تكفل لَهُ بالرزق ومداواته الرُّجُوع إِلَى صِحَة الْإِيمَان بِمَا أخبر الله فِي كِتَابه ﴿وَإِن يمسسك الله بضر فَلَا كاشف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يردك بِخَير فَلَا راد لفضله يُصِيب بِهِ من يَشَاء من عباده﴾ الْآيَة وَإِلَى قَوْله ﴿وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها﴾ وَيُصْبِح لَهُ هَذَا الْحَال إِذا نظر إِلَى ضعف الْخلق وعجزهم فَيعلم أَن كل من يكون مُحْتَاجا لَا يقدر على قَضَاء حَاجَة غَيره وَمن يكون عَاجِزا لَا يُمكنهُ ان يصلح أَسبَاب غَيره فَيسلم من هَذِه الْخَطِيئَة وَيرجع إِلَى ربه بِالْكُلِّيَّةِ

1 / 7

من عُيُوب النَّفس الفتور فِي الطَّاعَة وَمن عيوبها فتر فِيهَا فِي حُقُوق كَانَ يقوم بهَا قبل ذَلِك وَأتم مِنْهُ عَيْبا من لَا يهتم بتقصيره وفترته وَأكْثر من ذَلِك عَيْبا من لَا يرى فترته وتقصيره ثمَّ أَكثر مِنْهُ عَيْبا من يظنّ أَنه متوفر مَعَ فترته وتقصيره وَهَذَا من قلَّة شكره فِي وَقت توفيقه للْقِيَام بِهَذِهِ الْحُقُوق فَلَمَّا قل شكره أزيل عَن مقَام التوفر إِلَى مقَام التَّقْصِير وَيسْتر عَلَيْهِ نقصانه وَاسْتحْسن قبايحه قَالَ الله تَعَالَى ﴿أَفَمَن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا﴾ والخلاص من ذَلِك داوم الالتجاء إِلَى الله تَعَالَى وملازمة ذكره وَقِرَاءَة كِتَابه والبحث عَن مطمعه وتعظيم حُرْمَة الْمُسلمين وسؤال أَوْلِيَاء الله الدُّعَاء لَهُ بِالرَّدِّ إِلَى الْحَالة الأولى لَعَلَّ الله تَعَالَى أَن يمن عَلَيْهِ بِأَن يفتح عَلَيْهِ سَبِيل خدمته وطاعته من عُيُوب النَّفس الطَّاعَة وَعدم الشُّعُور بلذتها وَمن عيوبها أَن يُطِيع وَلَا يجد لطاعته لَذَّة ذَلِك لشوب طَاعَته بالرياء وَقلة إخلاصه فِي ذَلِك أَو ترك سنة من السّنَن ومداواتها مُطَالبَة النَّفس بالإخلاص وملازمة السّنة فِي الْأَفْعَال وَتَصْحِيح مبادئ أُمُوره يَصح لَهُ مُنْتَهَاهَا وَمن عيوبها أَن يَرْجُو لنَفسِهِ الْخَيْر فِي حُصُول مشَاهد الْخَيْر وَلَو تحقق لَا يسر أهل المشهد من شُؤْم حُضُوره كَمَا قيل لبَعض السّلف كَيفَ رَأَيْت أهل

1 / 8

الْموقف فَقَالَ رَأَيْت أَقْوَامًا لَوْلَا أَنِّي كنت مَعَهم لرجوت الله أَن يغْفر لَهُم هَكَذَا طَرِيق أهل الْيَقَظَة ومداواتها أَن يعلم أَن الله وَإِن غفر لَهُ ذنُوبه فقد رَآهُ مرتكبا على الْخَطَايَا والمخالفات يستحيى من ذَلِك ويسئ بِنَفسِهِ الظَّن كَمَا قَالَ الْفضل بن عِيَاض واسوأتاه مِنْك وَإِن غفرت وَذَلِكَ يتحققه بِعلم الله فِيهِ وَنَظره إِلَيْهِ وَمن عيوبها أَنَّك لَا تحييها حَتَّى تميتها أى لَا تحييها للآخرة حَتَّى تميتها عَن الدُّنْيَا وَلَا تحيى بِاللَّه حَتَّى تَمُوت عَن الأغيار وَلذَلِك قَالَ يحيى بن معَاذ من تقرب إِلَى الله بِتَلف نَفسه حفظ الله عَلَيْهِ نَفسه وَذَلِكَ أَن يمْنَعهَا عَن شهواتها ويحملها على مكارهها فَإِن النَّفس لاتألف الْحق أبدا ومداواتها السهر والجوع والظمأ وركوب مُخَالفَة الطَّبْع وَالنَّفس ومنعها عَن الشَّهَوَات سَمِعت مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الفضيل يَقُول سَمِعت مُحَمَّد ابْن الرُّومِي يَقُول سَمِعت يحيى بن معَاذ يَقُول الْجُوع طَعَام بِهِ يقوى الله أبدان الصديقين

1 / 9