من مطبوعات وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ تأليف القاضي أبي بكر بن العربي (٤٦٨ - ٥٤٣هـ) أشرفت وكالة شئون المطبوعات والنشر بالوزارة على إصداره عام ١٤١٩هـ ح وزارة الشئون الإسلامية، ١٤١٨هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر ابن العربي، محمد عبد الله العواصم من القواصم - الرياض ٢٩٦ ص؛ ١٣. ٥ × ١٩. ٥سم ردمك ٠- ١٤٨ - ٢٩ - ٩٩٦٠ ١ - التاريخ الإسلامي ٢ - الصحابة والتابعون ٣ - الخلفاء الراشدون العنوان ديوي ٩٥٣، ٠٢ ٠٤١٤ / ١٨ رقم الإيداع: ٠٤١٤ / ١٨ ردمك: ٠-١٤٨ - ٢٩ - ٩٩٦٠
[رسالة التقدير] وقع هذا الكتاب من أولياء الله وأنصار دينه وأحباب محمد ﷺ وأصحابه من المهاجرين والأنصار موقع التقدير والرضا، كما وقع من مبغضي الصحابة وشانئيهم موقع السخط والغيظ. ومن رسائل التقدير والتشجيع التي تلقيناها رسالة كريمة يراها القارئ في الصفحة التالية، وهي صادرة عن ركن من أركان بيت العلم والهدى في الأرض المباركة، أدام الله النفع به. بسم الله الرحمن الرحيم حضرة صاحب الفضيلة الأخ الكريم الشيخ محب الدين الخطيب سلمه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فقد وصل إلى أيدينا كتاب [العواصم من القواصم] للإمام أبي بكر بن العربي، بتصحيح وتعليق فضيلتكم. وقد اطلعنا على هذا الكتاب العظيم فوجدناه من خير الكتب وأعظمها نفعا، إذ انبرى مؤلفه ﵀ يدافع عن حملة الإسلام ومن قامت على كواهلهم دولته، أصحاب رسول الله ﷺ، وقد أوفى على الغاية في تبيين محاسن أولئك الأبرار ﵃ وأرضاهم، وإنه لسهم صائب أصاب من باطل أعدائهم -أخزاهم الله- مقتلا. فرحم الله المؤلف وأجزل له الثواب، وجزاكم الله أحسن الجزاء على تعليقاتكم القيمة التي دلت على سعة علمكم، وصدق نصحكم للإسلام والمسلمين. ونحن يسرنا بهذه المناسبة أن نقدم لكم عظيم شكرنا وتقديرنا لعملكم المجيد هذا بإخراجكم هذا الكتاب صيحة تنصر الحق وتخذل الباطل. والباري يحفظكم. أخوكم في الله رئيس هيئات الأمر بالمعروف بالحجاز عبد الملك بن إبراهيم

Unknown page

[تصدير] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنعم على الإنسانية برسالة الإسلام، وصلى الله وسلم على الإنسان الأعلى، والمعلم الأكمل، محمد بن عبد الله صفوته من خلقه. وأعلى مقام الذين قاموا بتحقيق رسالته، ممن تشرفوا بصحبته، وأحسنوا الخلافة على أمته، ومن واصلوا عملهم بعدهم، ملتزمين سنتهم، ومتحرين أهدافهم، إلى يوم الدين. وبعد فإن هذا العالم الإسلامي الذي نعتز بالانتساب إليه، ونعيش لإسعاده والسعادة به، قد افتتح أكثره في الدولة الإسلامية الأولى بعد الخلفاء الراشدين، ودخل معظم شعوبه في هداية الإسلام على أيدي الخلفاء الأمويين وولاتهم وقواد جيوشهم، إتماما لما بدأ به صاحبا رسول الله ﷺ وخليفتاه الأولان - أبو بكر وعمر - سلام الله عليهما، ورضي عنهما وأرضاهما وأحسن جزاءهما عنا وعن الإسلام نفسه وجميع أهله. وإن حادثة انتشار الإسلام، ودخول الأمم فيه، أصبحت في ذمة التاريخ. والأجيال التي أتت بعد ذلك إلى يومنا هذا منهم من يفتخر بذلك، ويمتلئ قلبه سرورا به، ويدعو بالخير لمن كانوا سبب هذا الخير العظيم. ومنهم من ابتأس به، وامتلأ فؤاده حقدا على الذين عملوا فيه، وجعل من دأبه أن يصمهم بكل نقيصة.

1 / 1

وقد نعذر الذين لم يذوقوا حلاوة الإسلام وحالت البيئة بينهم وبين الأنس بعظمته، وشريف أغراضه، وسيرة الذين قاموا به، إذا نظروا إلى تاريخ الإسلام نظرة خاطئة، واتخذوا له في أذهانهم صورة غير صورته التي كانت له في الواقع. ولكني أعترف- ولا فائدة من الإنكار- بأن في المنسوبين إلى الإسلام من يبغض حتى الخليفة الأول لرسول الله ﷺ ويقلب جميع حسناته سيئات. وإن أحد الذين شاهدوا بأعينهم عدل عمر، وزهده في متع الدنيا، وإنصافه لجميع الناس، لم يستطع أن يمنع الحقد الذي في فؤاده على الإسلام من أن يدفعه إلى طعنه بالسكين دون أن يسيء إليه. وفي قوم طاعن عمر بالسكين من يؤلفون المؤلفات إلى يومنا هذا في تشويه حسنات هذا المثل الأعلى للعدل والإنسانية والخير. وفي عصر عثمان من ضاقت صدورهم بطيبة ذلك الخليفة الذي خلق قلبه من رحمة الله، فاخترعوا له ذنوبا وما زالوا يكررونها على قلوبهم حتى صدقوها، وتفننوا في إذاعتها، ثم استحلوا سفك دمه الحرام، في الشهر الحرام، بجوار قبر أبي زوجتيه محمد ﵊. وما برحت الإنسانية تشاهد المعجزات من رجالات الإسلام في نشره وإدخال الأمم فيه وتوسيع النطاق في الآفاق لكلمة " الله أكبر. . . حي على الفلاح " حتى نودي بها على جبال السند، وفي ربوع الهند وعلى سواحل المحيط غربا، وفي أودية أوربا وجبالها، بما لم يملك أن يصفه حتى أعداء الإسلام إلا بأنه معجزة. كل هذا في زمن هذه الدولة

1 / 2

الأموية، التي لو صدر عن المجوس وعبدة الأوثان عشر ما صدر عنها من الخير، وجزء من مائة جزء مما أثر عن رجالها من إنصاف ومروءة وكرم وشجاعة وإيثار وفصاحة ونبل، لرفعوا لأولئك المجوس والوثنيين ألوية الثناء والتقدير، لكنه في الخافقين، والتاريخ الصادق لا يريد من أحد أن يرفع لأحد لواء الثناء والتقدير، لكنه يريد من كل من يتحدث عن رجاله أن يذكر لهم حسناته على قدرها، وأن يتقي الله في ذكر سيئاتهم فلا يبالغ فيها، ولا ينخدع بما افتراه المغرضون من أكاذيبها. ونحن المسلمين لا نعتقد العصمة لأحد بعد رسول الله ﷺ، وكل من ادعى العصمة لأحد بعد رسول الله ﷺ فهو كاذب. فالإنسان إنسان يصدر عنه ما يصدر عن الإنسان، فيكون منه الحق والخير، ويكون منه الباطل والشر. وقد يكون الحق والخير في إنسان بنطاق واسع فيعد من أهل الحق والخير ولا يمنع هذا من أن تكون له هفوات. وقد يكون الباطل والشر في إنسان آخر بنطاق واسع، فيعد من أهل الباطل والشر، ولا يمنع هذا من أن تبدر منه بوادر صالحات في بعض الأوقات. يجب على من يتحدث عن أهل الحق والخير إذا علم لهم هفوات، ألا ينسى ما غلب عليهم من الحق والخير فلا يكفر ذلك كله من أجل تلك الهفوات. ويجب على من يتحدث عن أهل الباطل والشر إذا علم لهم بوادر صالحات، ألا يوهم الناس أنهم من الصالحين من أجل تلك الشوارد الشاذة من أعمالهم الصالحات.

1 / 3

إن أحداث المائة الأولى من عصور الإسلام كانت من معجزات التاريخ والعمل الذي عمله أهل المائة الأولى من ماضينا السعيد لم تعمل مثله أمة الرومان ولا أمة اليونان قبلها. ولا أمة من أمم الأرض بعدها. وأما أبو بكر وعمر وسائر الخلفاء الأربعة الراشدين، وإخوانهم من العشرة المبشرين بالجنة، وطبقتهم من أصحاب رسول الله ﷺ، خصوصا الذين لازموه وراقبوه وتمتعوا بجميل صحبته - من أنفق منهم من قبل الفتح وقاتل، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا - فإنهم جميعا كانوا شموسا طلعت في سماء الإنسانية مرة، ولا تطمع الإنسانية بأن تطلع في سمائها شموس من طرازهم مرة أخرى إلا إذا عزم المسلمون على أن يرجعوا إلى فطرة الإسلام، ويتأدبوا بأدبه من جديد، فيخلق الله منهم خلقا آخر يعيش للحق والخير، ويجاهد الباطل والشر، حتى تعرف الإنسانية طريقها الحقيقي إلى السعادة. وهذه الشموس من أصحاب رسول الله ﷺ تتفاوت أقدارها، وتتباين في أنواع فضائلها، إلا أنها كلها كانت من الفضائل في مرتقى درجاتها، وإذ بدأ المشتغلون بتاريخ الإسلام من أفاضل المسلمين في تمييز الأصيل عن الدخيل من سيرة هؤلاء الأفاضل العظماء، فإنهم ستأخذهم الدهشة لما اخترعه إخوان أبي لؤلؤة، وتلاميذ عبد الله بن سبأ، والمجوس الذين عجزوا عن مقاومة الإسلام وجها لوجه في قتال شريف. فادعوا الإسلام كذبا، ودخلوا قلعته مع جنوده خلسة، وقاتلوهم بسلاح (التقية) بعد أن حولوا مدلولها إلى النفاق،

1 / 4