مُقَدّمَة الْمُؤلف قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة نَاصِر السّنة شهَاب الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن اسماعيل بن ابراهيم الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ الْحَمد لله هادي الورى طرق الْهدى وزاجرهم عَن أَسبَاب التَّهْلُكَة والردى وَصلَاته وَسَلَامه على عبَادَة الَّذين اصْطفى من ملك وَنَبِي مرتضى وَعبد صَالح أتبع مَا شرعة فاهتدى وإياه نسْأَل بمنه وفضله أَن ينفعنا بِالْعلمِ وَأَن يجعلنا من أَهله وَأَن يوفقنا للْعَمَل بِمَا علمنَا وَتعلم مَا جهلنا وَإِلَيْهِ نرغب فِي أَن يعيذنا من أَتبَاع الْهوى وركوب مَالا يرتضى وَأَن نشرع فِي دينه مالم يشرع أَو أَن نقُول عَلَيْهِ مالم يَصح أَو يسمع وَأَن يعصمنا فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال من تَزْيِين الشَّيْطَان لنا سوء الْأَعْمَال وَأَن يَقِينا زلَّة الْعَالم وَأَن يُبصرنَا بعيوننا فَمَا خلق من الْعَيْب بسالم وَأَن يرشدنا لقبُول نصح الناصح وسلوك الطَّرِيق والواضح فَمَا أسعد من ذكر فَتذكر وبصر بعيوبه فتبصر وَصلى الله على من بَعثه بِالدّينِ القويم والصراط الْمُسْتَقيم فأكمل بِهِ الدّين وأوضح بِهِ الْحق المستبين مُحَمَّد بن عبد الله أبي الْقَاسِم الْمُصْطَفى الْأمين صَلَاة الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ ورضى الله عَن الآئمة التَّابِعين وَالْعُلَمَاء من بعدهمْ العاملين الَّذين بلغُوا الينا سنته وشرحوا لنا هَدِيَّة وطريقته وأصلوا لنا أصولا ترجع إِلَيْهَا فيمَ أشكل علينا ونستضيء بهَا مَا استبهم علينا وميزوا مَا نقلوا إِلَيْنَا عَنهُ من بَين مَا يجب الرُّجُوع اليه من ذَلِك وَمَا يطْرَح وَمَا يوضع عَلَيْهِ مِمَّا قد تبين أمره واتضح فَالْوَاجِب على الْعَالم فِيمَا يرد عَلَيْهِ من الوقائع وَمَا يسْأَل عَنهُ من الشَّرَائِع الرُّجُوع الى مادل عَلَيْهِ كتاب الله الْمنزل وَمَا صَحَّ عَن نبيه الْمُرْسل وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من الصَّدْر الاول

1 / 9

فَمَا وَافق ذَلِك أذن فِيهِ وَأمر وَمَا خَالفه نهى عَنهُ وزجر فَيكون قد آمن بذلك وَاتبع وَلَا يستحسن فَإِن من اسْتحْسنَ فقد شرع قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون قَالَ حَدثنِي عبد الله بن اسحق الْجَعْفَرِي قَالَ كَانَ عبد الله بن الْحسن يكثر الْجُلُوس الى ربيعَة قَالَ فتذاكروا يَوْمًا السّنَن فَقَالَ رجل كَانَ فِي الْمجْلس لَيْسَ الْعَمَل على هَذَا فَقَالَ عبد الله أَرَأَيْت ان كثر الْجُهَّال حَتَّى يَكُونُوا هم الْحُكَّام فهم الْحجَّة على السّنة فَقَالَ ربيعَة أشهد أَن هَذَا الْكَلَام أَبنَاء الْأَنْبِيَاء وَبعد هَذَا كتاب جمعته محذرا من الْبدع زاجرا لمن وفْق لذَلِك وارتدع ممتثلا بِهِ قَول رب الْعَالمين وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ وسميته الْبَاعِث على إِنْكَار الْبدع والحوادث فَمَا على الْعَالم إِلَّا نشر علمه وَالله يهدي من يَشَاء الى مراسم حكمه وَمَا أحسن مَا روى عَن الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ قَالَ سَمِعت سُفْيَان بن عيبنة قَالَ إِن الْعَالم لَا يمارى وَلَا يُدَارِي ينشر حكمه الله تَعَالَى فان قبلت حمد الله وَإِن ردَّتْ حمد الله قلت ثمَّ كَانَ من الْعَجَائِب والغرائب أَن وَقع فِي زَمَاننَا نزاع فِي بِدعَة صَلَاة الرغائب واحتيج بذلك الى التصنيف الْمُشْتَمل على ذمّ الْمُخَالف والتعفيف فحملتني الأنفة للْعلم وَالْحمية لصدق على تَمْيِيز الْبَاطِل من الْحق فألفت هَذَا الْجُزْء الْمَوْصُوف بالإنصاف فِيمَا وَقع فِي صَلَاة الرغائب من الإختلال وأضفت الى ذَلِك بَيَان الْبدع فِي غَيره مِمَّا يُنَاسِبه وضممت اليه مَا يُقَارِبه رغبه فِي تَعْلِيل المحن من مُخَالفَة السّنَن وقمعا للطائفة المبتدعة ورفعا لمنار المتشرعة وَالله الْكَرِيم أسَال ذَا الْجلَال الْأَكْمَل وَالعطَاء الأجزل أَن يسْلك بِنَا السَّبِيل الأعدل وَالطَّرِيق الأمثل فَهُوَ المؤمل لإجابة دُعَاء من أمل

1 / 10

فصل فِي تحذير النَّبِي ﷺ أَصْحَابه وَمن بعدهمْ من الْبدع ومحدثات الْأُمُور وَقد حذر النَّبِي ﷺ وَأَصْحَابه فَمن بعدهمْ أهل زمانهم الْبدع ومحدثات الْأُمُور وَأمرُوهُمْ بالأتباع الَّذِي فِيهِ النجَاة من كل مَحْذُور وَجَاء فِي كتاب الله تَعَالَى من الْأَمر بالأتباع بِمَا لَا يرْتَفع مَعَه التّرْك قَالَ تَعَالَى ﴿قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله وَيغْفر لكم ذنوبكم﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ وَهَذَا نَص فِيمَا نَحن فِيهِ وَقد روينَا عَن أبي الْحجَّاج بن جُبَير الْمَكِّيّ وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَإِمَام الْمُفَسّرين قَول الله تَعَالَى ﴿وَلَا تتبعوا السبل﴾ قَالَ الْبدع والشبهات وَقَالَ ﷿ ﴿فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا﴾ قَالَ إمامنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ادريس الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الرسَالَة يَعْنِي وَالله أعلم الى مَا قَالَ الله وَالرَّسُول وروينا عَن أبي عبد الله مَيْمُون بن مهْرَان الحرومي وَهُوَ من فُقَهَاء التَّابِعين قَالَ فِي هَذِه الْآيَة الرَّد الى الله الرَّد الى كِتَابه وَالرَّدّ الى رَسُوله إِذا قبض الى سنته وَفِي صَحِيح مُسلم عَن عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ مَا من نَبِي بَعثه الله ﷿ فِي أمه قبلي إِلَّا كَانَ لَهُ من أمته حواريون وَأَصْحَاب بأخذون بسنته ويقتدون بأَمْره وَفِي رِوَايَة يَهْتَدُونَ

1 / 11

بهدية ويستنون بسنته ثمَّ أَنَّهَا تخلف من بعدهمْ خلوف يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ويفعلون مَا لَا يؤمرون فَمن جاهدهم بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤمن وَمن جاهدهم بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤمن وَمن جاهدهم بِقَلْبِه فَهُوَ مُؤمن وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك من الْإِيمَان حَبَّة خَرْدَل وَفِيه عَن جَابر بن عبد الله رضى الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي ﷺ كَانَ يَقُول فِي خطبَته خير الحَدِيث كتاب الله وَخير الْهدى هدى مُحَمَّد ﷺ وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل محدثه بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة وَأخرج الْحَافِظ أَبُو بكر البهيقي فِي كتاب الإعتقاد بِلَفْظ أصدق الحَدِيث كتاب الله وَأحسن الْهدى هدى مُحَمَّد ﷺ وَزَاد وكل ضَلَالَة فِي النَّار وَأخْبرنَا أَبُو النجي الحريمي أخبرنَا ابو الْوَقْت عبد الأول أخبرنَا أَبُو الْحسن الداؤدي أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحَمَوِيّ أخبرنَا أَبُو عمرَان السَّمرقَنْدِي أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ أخبرنَا عَفَّان حَدثنَا حَمَّاد بن زيد حَدثنَا عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن أبي وَائِل عَن عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ قَالَ خطّ لنا رَسُول الله ﷺ يَوْمًا خطا ثمَّ قَالَ هَذَا سَبِيل الله ثمَّ خطّ خُطُوطًا عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله ثمَّ قَالَ هَذِه سبل على كل سَبِيل مِنْهَا شَيْطَان يَدْعُو إِلَيْهِ ثمَّ تلى وَإِن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فابتعوه وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله وَبِه الى الدَّارمِيّ أخبرنَا أَبُو عَاصِم أخبرنَا ثَوْر بن يزِيد حَدثنَا خَالِد بن معدان عَن عبد الرَّحْمَن ابْن عَمْرو عَن عرباض بن ساريا رضى الله عَنهُ قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله ﷺ صَلَاة الْفجْر ثمَّ وعظنا موعظة بليغة ذرفت مِنْهَا الْعُيُون ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب فَقَالَ قَائِل يَا رَسُول الله كَأَنَّهَا موعظة مُودع فأوصنا فَقَالَ أوصيكم بتقوى الله والسمع وَالطَّاعَة وَإِن

1 / 12

كَانَ عبدا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ من يَعش مِنْكُم بعدِي فسيرى إختلافا كثيرا فَعَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين عُضْو عَلَيْهَا بالنواجذ وَإِيَّاكُم والمحدثنات فَإِن كل محدثة بدعه قَالَ أَبُو عَاصِم مرّة وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور فَإِن كل بِدعَة ضَلَالَة أخرجه أَبُو دَاوُود وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُود من ابراهيم بن سعد عَن أَبِيه سعد بن أبراهيم عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله ﷺ من أحدث فِي أمرنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رد وَفِي رِوَايَة من صنع أمرا على غير أمرنَا فَهُوَ رد أَي مَرْدُود على فَاعله وَقَالَ الدَّارمِيّ أخبرنَا مَرْوَان بن مُحَمَّد أخبرنَا سعيد عَن ربيعَة بن زيد قَالَ قَالَ معَاذ بن جبل رضى الله عَنهُ يفتح الْقُرْآن على النَّاس حَتَّى يقرأه الصَّبِي وَالْمَرْأَة وَالرجل فَيَقُول الرجل قد قَرَأت الْقُرْآن فَلم أتبع وَالله لأقومن بِهِ فيهم لعَلي أتبع فَيقوم بِهِ فيهم فَلَا يتبع فَيَقُول قد قَرَأت الْقُرْآن فَلم اتبع بِهِ وَقد قُمْت بِهِ فَلم أتبع لأختصرن فِي بَيْتِي مَسْجِدا لعَلي أتبع فيختصر فِي بَيته مَسْجِدا فَلَا يتبع فَيَقُول قد قَرَأت الْقُرْآن فَلم أتبع وَقمت بِهِ فيهم فَلم أتبع وَقد اختصرت فِي بَيْتِي فِي مَسْجِدا فَلم أتبع وَالله لأتينهم بِحَدِيث لَا يجدونه فِي كتاب الله وَلم يسمعوه عَن رَسُول الله ﷺ لعَلي أتبع قَالَ معَاذ فأياكم وَمَا جَاءَ بِهِ فَإِن مَا جَاءَ بِهِ ضَلَالَة وَأخرج أَبُو دوواد هَذَا الْأَثر بِلَفْظ آخر فَقَالَ قَالَ معَاذ إِن من وَرَائِكُمْ فتن يكثر فِيهَا المَال وَيفتح فِيهَا الْقُرْآن حَتَّى يَأْخُذهُ الْمُؤمن وَالْمُنَافِق وَالرجل وَالْمَرْأَة وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَالْعَبْد وَالْحر فيوشك أَن يَقُول قَائِل مَا للنَّاس لَا يتبعوني وَقد قَرَأت الْقُرْآن مَا هم بمتبعي حَتَّى ابتدع لَهُم غَيره فأياكم وَمَا ابتدع فَإِنَّمَا إبتدع ضَلَالَة وأحذروا زيغة الْحَكِيم فَإِن الشَّيْطَان قد يَقُول كلمة الضلال على لِسَان الْحَكِيم وَقد يَقُول الْمُنَافِق كلمة الْحق

1 / 13