* بسم الله الرحمن الرحيم

| * بسم الله الرحمن الرحيم

|| * بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي دل على وجوب وجوده افتقار الممكنات ، وعلى قدرته وعلمه إحكام المصنوعات ، المتعالي عن مشابهة الجسمانيات ، المنزه بجلال قدسه عن مناسبة الناقصات. نحمده حمدا يملأ أقطار الأرض والسماوات ، ونشكره شكرا على نعمه المتظاهرات المتواترات ، ونستعينه على دفع البأساء وكشف الضراء فى جميع الحالات.

والصلاة على نبيه محمد صاحب الآيات والبينات ، المكمل بطريقته وشريعته سائر الكمالات ، وعلى آله الهادين من الشبه والضلالات ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم من الزلات ، صلاة تتعاقب عليهم كتعاقب الآنات.

أما بعد ، فان الله تعالى لم يخلق العالم عبثا ، فيكون من اللاعبين ، بل لغاية وحكمة متحققة للناظرين ، وقد نص على تلك الغاية بالتعيين فقال : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فوجب على كل من هو فى زمرة العاقلين إجابة رب العالمين ، ولما كان ذلك متعذرا بدون معرفته باليقين ، وجب على كل عارف مكلف تنبيه الغافلين ، وإرشاد الضالين بتقرير مقدمات ذوات إفهام وتبيين. فمن تلك المقدمات المقدمة الموسومة ب الباب الحادى عشر من تصانيف شيخنا وإمامنا ، الإمام العالم الأعلم الأفضل الأكمل سلطان أرباب التحقيق ، أستاذ اولى التنقيح والتدقيق ، مقرر المباحث العقلية ، مهذب الدلائل الشرعية ، آية الله فى العالمين ، وارث علوم الأنبياء والمرسلين ، جمال الملة والدين ابى منصور الحسن بن يوسف بن على بن المطهر الحلي قدس الله روحه ونور ضريحه فإنها مع وجازة لفظها كثيرة العلم ، ومع اختصار تقريرها كبيرة الغنم.

Page 1

وكان قد سلف منى فى سالف الزمان أن أكتب شيئا يعين على حلها بتقرير الدلائل والبرهان ، إجابة لالتماس بعض الإخوان ، ثم عاقنى عن إتمامه عوائق الحدثان ، ومصادمات الدهر الخوان ، اذ كان صادا للمرء عن بلوغ إرادته وحائلا بينه وبين طلبته. ثم اتفق الاجتماع والمذاكرة في بعض الأسفار مع تراكم الأشغال ، وتشويش الأفكار ، فالتمس منى بعض السادات الأجلاء أن أعيد النظر والتذكر لما كنت قد كتبت أولا ، والمراجعة إلى ما كنت قد جمعت ، فأجبت ملتمسه ، إذ قد أوجب الله تعالى علي إجابته ، هذا مع قلة البضاعة ، وكثرة الشواغل المنافية للاستطاعة ، وها أنا أشرع فى ذلك مستمدا من الله تعالى المعونة عليه ، ومتقربا به إليه. وسميته النافع يوم الحشر فى شرح باب الحادى عشر وما توفيقى الا بالله عليه توكلت وإليه انيب.

قال قدس الله روحه : الباب الحادى عشر فيما يجب على عامة المكلفين من معرفة أصول الدين.

اقول : انما سمى هذا الباب الحادى عشر لان المصنف اختصر مصباح المتهجد الذي وضعه الشيخ ابو جعفر الطوسى رحمه الله فى العبادات والأدعية ، ورتب ذلك المختصر على عشرة ابواب ، وسماه كتاب منهاج الصلاح فى مختصر المصباح. ولما كان ذلك الكتاب فى فن العمل والعبادات والدعاء ، استدعى ذلك الى معرفة المعبود والمدعو ، فاضاف إليه هذا الباب. قوله : فيما يجب على عامة المكلفين الوجوب في اللغة الثبوت والسقوط ، ومنه قوله تعالى : ( @QUR@03 فإذا وجبت جنوبها ). واصطلاحا ، الواجب هو ما يذم تاركه على بعض الوجوه ، وهو على قسمين : واجب عينا ، وهو ما لا يسقط عن البعض بقيام البعض الآخر به ، وواجب كفاية ، وهو بخلافه. والمعرفة من القسم الاول ، فلذلك قال : يجب على عامة المكلفين والمكلف هو الانسان الحى البالغ العاقل ، فالميت والصبى والمجنون ليسوا بمكلفين. والأصول جمع الأصل ، وهو ما يبتنى عليه غيره. والدين لغة ، الجزاء ، منه قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم : كما تدين تدان واصطلاحا ، هو الطريقة والشريعة ، وهو المراد هنا. وسمى

Page 2

هذا القن اصول الدين ، لأن سائر العلوم الدينية من الحديث والفقه والتفسير مبنية عليه ، فانها متوقفة على صدق الرسول ، وصدق الرسول متوقف على ثبوت المرسل وصفاته وعدله وامتناع القبح عليه. وعلم الأصول وهو ما يبحث فيه عن وحدانية الله تعالى وصفاته وعدله ، ونبوة الأنبياء والاقرار بما جاء به النبي ، وإمامة الأئمة والمعاد.

قال : أجمع العلماء كافة على وجوب معرفة الله تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية ، وما يصح عليه وما يمتنع عنه ، والنبوة والإمامة والمعاد.

اقول : اتفق أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على وجوب هذه المعارف ، وإجماعهم حجة اتفاقا أما عندنا فلدخول المعصوم فيهم ، وأما عند الغير ، فلقوله (ص ): لا تجتمع أمتى على خطأ والدليل على وجوب المعرفة سندا للاجماع على وجهين : عقلى وسمعي.

أما الأول فلوجهين : الاول ، انها دافعة للخوف الحاصل للانسان من الاختلاف ، ودفع الخوف واجب ، لانه ألم نفسانى يمكن دفعه ، فيحكم العقل بوجوب دفعه ، فيجب دفعه. الثانى ، ان شكر المنعم واجب ، ولا يتم الا بالمعرفة ، أما انه واجب ، فلاستحقاق الذم عند العقلاء بتركه ، وأما انه لا يتم الا بالمعرفة ، فلان الشكر انما يكون بما يناسب حال المشكور ، فهو مسبوق بمعرفته ، والا لم يكن شكرا. والبارى تعالى منعم ، فيجب شكره ، فيجب معرفته ، ولما كان التكليف واجبا فى الحكمة كما سيأتي ، وجب معرفة مبلغه ، وهو النبي (ص)، وحافظه والامام ، ومعرفة المعاد لاستلزام التكليف وجوب الجزاء.

واما الدليل السمعى فلوجهين : الاول ، قوله تعالى : ( @QUR@06 فاعلم أنه لا إله إلا الله ) والامر للوجوب. والثانى ، لما نزل قوله تعالى : ( @QUR@011 إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) قال النبى : ويل لمن لاكها

Page 3

بين لحييه ثم لم يتدبرها رتب الذم على تقدير عدم تدبرها ، اى عدم الاستدلال بما تضمنه الآية عن ذكر الاجرام السماوية والأرضية ، بما فيها من آثار الصنع والقدرة والعلم بذلك الدالة على وجود صانعها ، وقدرته وعلمه ، فيكون النظر والاستدلال واجبا وهو المطلوب.

قال : بالدليل لا بالتقليد.

اقول : الدليل لغة ، هو المرشد والدال ، واصطلاحا هو ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ، ولما وجبت المعرفة وجب ان تكون بالنظر والاستدلال ، لانها ليست ضرورية ، لان المعلوم ضرورة هو الذي لا يختلف فيه العقلاء ، بل يحصل العلم بادنى سبب من توجه العقل إليه ، والاحساس به ، كالحكم بان الواحد نصف الاثنين ، وان النار حارة والشمس مضيئة ، وان لنا خوفا وغضبا وقوة وضعفا وغير ذلك. والمعرفة ليست كذلك لوقوع الاختلاف فيها ، ولعدم حصولها بمجرد توجه العقل إليها ، ولعدم كونها حسية. فتعين الاول لانحصار العلم فى الضرورى والنظرى ، فيكون النظر والاستدلال واجبا ، لان ما لا يتم الواجب المطلق الا به ، وكان مقدورا عليه ، فهو واجب لانه اذا لم يجب ما يتوقف عليه الواجب المطلق فإما أن يبقى الواجب على وجوبه أولا ، فمن الأول يلزم تكليف ما لا يطاق ، وهو محال كما سيأتى ، ومن الثاني يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا ، وهو محال أيضا.

والنظر هو ترتيب امور معلومة للتادى الى امر آخر وبيان ذلك هو ان النفس يتصور المطلوب أولا ، ثم يحصل المقدمات الصالحة للاستدلال عليه ، ثم يرتبها ترتيبا يؤدى الى العلم به.

ولا يجوز معرفة الله بالتقليد. والتقليد هو قبول قول الغير من غير دليل. وانما قلنا ذلك لوجهين : الاول ، انه اذا تساوى الناس فى العلم ، واختلفوا فى المعتقدات ، فإما أن يعتقد المكلف جميع ما يعتقدونه ، فيلزم اجتماع المتنافيات ، أو البعض دون بعض ، فاما أن يكون لمرجح أولا ، فإن كان الاول ، فالمرجح هو الدليل. وان كان الثاني ، فيلزم الترجيح بلا مرجح ، وهو محال. الثانى ، انه تعالى ذم التقليد بقوله :

Page 4

( @QUR@010 قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون )، وحث على النظر والاستدلال قوله تعالى ( @QUR@012 ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ).

قال : فلا بد من ذكر ما لا يمكن جهله على أحد من المسلمين ، ومن جهل شيئا من ذلك خرج عن ربقة المؤمنين ، واستحق العقاب الدائم.

اقول : لما وجبت المعارف المذكورة بالدليل السابق ، اقتضى ذلك وجوبها على كل مسلم ، أى مقر بالشهادتين ، ليصير بالمعرفة مؤمنا لقوله تعالى : ( @QUR@09 قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) نفى عنهم الايمان مع كونهم مقرين بالالهية والرسالة لعدم كون ذلك بالنظر والاستدلال ، وحيث أن الثواب مشروط بالايمان ، كان الجاهل بهذه المعارف مستحقا للعقاب الدائم ، لان كل من لا يستحق الثواب أصلا مع اتصافه بشرائط التكليف ، فهو مستحق للعقاب بالاجماع.

والربقة بكسر الراء وسكون الباء حبل مستطيل فيه عرى تربط فيها البهم ، واستعاره المصنف هنا للحكم الجامع للمؤمنين ، وهو استحقاق الثواب الدائم والتعظيم.

** قال : وقد رتبت هذا الباب على فصول :

| ** قال : وقد رتبت هذا الباب على فصول :

|| ** قال : وقد رتبت هذا الباب على فصول :

الفصل الأول فى إثبات واجب الوجود لذاته تعالى.

فنقول كل معقول إما أن يكون واجب الوجود فى الخارج لذاته ، وإما ممكن الوجود لذاته ، وإما ممتنع الوجود لذاته.

اقول : المطلب الاقصى والعمدة العليا فى هذا الفن هو اثبات الصانع تعالى ، فلذلك ابتدأ به ، وقدم لبيانه مقدمة فى تقسيم المعقول ، لتوقف الدليل الآتى على بيانها وتقريرها ، أن كل معقول ، وهو الصورة الحاصلة فى العقل ، اذا نسبنا إليه الوجود

Page 5