مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين، والصلاة والسلام على النبي الكريم. قال جار الله العلامة أستاذ الدنيا، شيخ العرب والعجم، فخر خوارزم، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، رضي الله تعالى عنه: خير منطوق به أمام كل كلام، وأفضل مثدر به كل كتاب، حمد الله تعالى ومدحه بما تمدح به في كتابه الكريم، وقرآنه المجيد: من صفاته المجراة على اسمه لا على جهة الإيضاح والتفصلة، ولا على سبيل الإبانة والتفرقة، إذ ليس بالمشارك في اسمه المبارك: " رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميًا ". وإنما هي تماجيد لذاته المكونة لجميع الذوات، لا استعانة ثم بالأسباب ولا استظهار بالأدوات. وأولى ما قفى به حمد الله تعالى الصلاة على النبي العرب المستل من سلالة عدنان، المفضل باللسان، الذي استخزنه الله الفصاحة والبيان، وعلى عترته وصحابته مداره العرب وفحولها، وغرر بني معد وحجولها. هذا، ولما أنزل الله تعالى كتابه مختصًا من بين الكتب السماوية بصفة البلاغة التي تقطعت عليها أعناق العتاق السبق، وونت عنها خطا الجياد القرح، كان الموفق من العلماء الأعلام، أنصار ملة الإسلام، الذابين عن بيضة الحنيفية البيضاء، المبرهنين على ما كان من العرب العرباء، حين تحدوا به من الإعراض عن المعارضة بأسلات ألسنتهم، والفزع إلى المقارعة بأسنة أسلهم، من كانت مطامح نظره، ومطارح فكره، الجهات التي توصل إلى تبين مراسم البلغاء، والعثور على مناظم الفصحاء، والمخايرة بين متداولات لفاظهم، ومتعاورات أقوالهم، والمغايرة بين ما انتقوا منها وانتخلوا، وما انتفوا عنه فلم يتقبلوا، وما استركوا واستنزلوا، وما استفصحوا واستجزلوا، والنظر فيما كان الناظر فيه على وجوه الإعجاز أوقف، وبأسراره ولطائفه أعرف، حتى يكون صدر يقينه أثلج، وسهم احتجاجه أفلج، وحتى يقال: هو من علم البيان حظي، وفهمه فيه جاحظي، وإلى هذا الصوب ذهب عبد الله الفقير إليه محمود بن عمر الزمخشري، عفا الله تعالى عنه، في تصنيف كتاب أساس البلاغة، وهو كتاب لم تزل نعام القلوب إليه زفافة، ورباح الآمال حوله هفافة، وعيون الأفاضل نحوه روامق، وألسنتهم بتمنيه نواطق، فليت له العربية وما فصح من لغاتها، وملح من بلاغاتها، وما سمع من الأعراب في بواديها، ومن خطباء الحلل في نواديها، ومن قراضبة تجد في أكلائها ومراتعها، ومن سماسرة تهامة في أسواقها ومجمعها، وما تراجزت به السقاة على أفواه قلبها، وتساجعت به الرعاة على شفاه علبها، وما تقارضته شعراء قيس وتميم في ساعات المماتنة، وما تزاملت به سفراء ثقيف وهذيل في أيام المفاتنة؛ وما طولع في بطون الكتب ومنون الدفاتر من روائع ألفاظ مفتنة، وجوامع كلم في أحشائها مجتنة. ومن خصائص هذا الكتاب تخير ما وقع في عبارات المبدعين وانطوى تحت استعمالات المفلقين، أو ما جاز وقوعه فيها، وانطواؤه تحتها، من التراكيب التي تملح وتحسن، ولا تنقيض عنها الألسن، لجريها رسلات على الأسلات، ومرورها عذبات على العذبات.

1 / 15

ومنها التوقيف على مناهج التركيب والتأليف، وتعريف مدارج الترتيب والترصيف، بسوق الكلمات متناسقة لا مرسلة بددًا، ومتناظمة لا طرائق قددا، مع الاستكثار من نوابع الكلم الهادية إلى مراشد حر المنطق. الدالة على ضالة المنطبق المفلق. ومنها تأسيس قوانين فصل الخطاب والكلام الفصيح، بإفراد المجاز عن الحقيقة والكناية عن التصريح. فمن حصل هذه الخصائص وكان له حظ من الإعراب الذي هو ميزان أوضاع العربية ومقياسها، ومعيار حكمة المواضع وقسطاسها، وأصاب ذروًا من علم المعاني، وحظى برش من علم البيان، وكانت له قبل ذلك كله فريحة صحيحة وسليقة سليمة، فحل نثره، وجزل شعره، ولم يطل عليه أن يناهز المقدمين، ويخاطر المقرمين. وقد رتب الكتاب على أشهر ترتيب متداولًا، وأسهله متناولًا، يهجم فيه الطالب على طلبته موضوعة على طرف التمام وحبل الذراع، من غير أن يحتاج في التنفير عنها إلى الإيجاف والإيضاع؛ وإلى النظر فيما لا يوصل إلا بإعمال الفكر إليه، وفيما دقق النظر فيه الخليل وسيبويه، والله تعالى الموفق إلى إفادة أفاضل المسلمين، ولما يتصل برضا رب العالمين.

1 / 16

كتاب الهمزة أب ب اطلب الأمر في إبانه، وخذه بربانه، أي أوله، وأنشد ابنُ الأعرابي: قد هرمتني قبل إبان الهرم ... وهي إذا قلت كلي قالت نعم صحيحة المعدة من كل سقم ... لو أكلت فيلين لم تخش البشم وأبَّ للمسير إذا تهيّأ له وتجهز. قال الأعشى: صرمت ولم أصرمكم وكصارم ... أخ قد طوى كشحًا وأب ليذهبا ونقول: فلان راع له الحب، وطاع له الأب، أي زكا زرعه واتسع مرعاه. أب د لا أفعله أبد الآباد، وأبد الأبيد، وأبد الآبدين. ونقول: رزقك الله عمرًا طويل الآباد، بعيد الآماد، وأبدت الدواب وتأبدت: توحشت، وهي أوابد ومتأبدات. وفرس قيد الأوابد وهي نفر الوحوش. وقد تأبد المنزل: سكنته الأوابد. وتأبد فلان: توحش. وطيور أوابد خلاف القواطع. ومن المجاز: فلان مولع بأوابد الكلام وهي غرائبه، وبأوابد الشعر وهي التي لا تشاكل جودة. قال الفرزدق: لن تدركوا كرمي بلؤم أبيكم ... وأوابدي بتنحل الأشعار وقال النابغة: نبئت زرعة والسفاهة كاسمها ... يهدي إليّ أوابد الأشعار وجئتنا بآبدة ما نعرفها. أب ر شاة مأبورة: أكلت الإبرة في علفها. وعن مالك بن دينار مثل المؤمن كمثل الشاة المأبورة. ويقال: أشد من وخز الإبر. وأبر النخل وأبره. وتأبر النخل: قبل الإبار. وتقول: إذا رفق الأبار، سحق الجبار. ومن المجاز: إبرة القرن لطرفه. قال ابن الرقاع: تزجي أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها وإبرة المرفق لطرفه، وإبرة العقرب والنحلة لشوكتها. وتقول: لا بدّ مع الرطب من سلاء النخل، ومع العسل من إبر النحل. وقد أبرته العقرب بمئبرها والجمع مآبر. ومنه: إنه لذو مآبر

1 / 17

في الناس كما قالوا: دبت بينهم العقارب إذا مشت بينهم النمائم. وقال النابغة: وذلك من قول أتاك أقوله ... ومن دس أعداء إليك المآبرا وأبرني فلان إذا اغتابك وآذاك. وتقول: خبئت منهم المخابر، فمشت بينهم المآبر. أب س تقول أبسوه وحبسوه أي قهروه. أب ش ما عنده إلا أباشة وهباشة وأشابة أي أخلاط. أب ض كأنه في الإباض، من فرط الانقباض، وهو حبل يشد به رسغ البعير أي عضده، وقد أبضته فهو مأبوض. وقد تقبض، كأنما تأبض، وهو تشنج في رجلي الفرس ونساه وهو مدح له وطعنه في مأبضه وهو باطن الركبة. أب ط رفع السوط حتى برقت إبطه. وتأبط السيف: جعله تحت إبطه، والسيف عطافي وإباطي أي ما أجعله على عطفي وتحت إبطي. قال المتنخل: شربت بجمه وصدرت عنه وأبيض صارم ذكر إباطي. ومن المجاز: نزل بإبط الرمل وهو مسقطه، وبإبط الجبل، وهو سفحه. وضرب آباط المفازة. وتقول: ضرب آباط الأمور ومغابنها واستشف ضمائرها وبواطنها. أب ق عبد آبق وعبيد أباق. وتقول: الحر إلى الخير سابق، والعبد من مواطنه آبق. وتقول: في رقابهم الرباق، ومن شأنهم الإباق. أب ل لفلان أثلة مال مؤثلة: غنم مغنمة وإبل مؤبلة. وتأبل إبلًا وتغنم غنمًا: اتخذها. وهذه إبل أبل أي مهملة. وفلان حسن الإبالة والإبالة أي السياسة والقيام على ماله، لأن مال العرب الإبل. ومنها: آبل من حنيف الحناتم. ومن المجاز: تأبل فلان إذا ترك النكاح ولم يقرب النساء، من أبلت الإبل وتأبلت إذا اجترأت بالرطب عن الماء. ومنه قيل للراهب: أبيل، وقد أبل أبالة فهو أبيل، كما تقول: فقه فقاهة فهو فقيه. وتقول: فلانة لو أبصرها الأبيل، لضاق به السبيل. أب ن قضيب كثير الأبن وهي العقد. ومن المجاز: بينهم أبن أي عداوات وإحن، وفي حسبه أبن أي عيوب. ومنه الحديث: لا تؤبن فيه الحرم يقال أبنه إذا عابه. وأبنه: مدحه وعد محاسنه، وهو من باب التفزيع. وقد غلب في مدح النادب. تقول: لم يزل يقرظ أحياكم، ويؤبن موتاكم. أب هـ لا يؤبه له، وما أبهتُ له. وما عليه أبهة الملك أي بهجته وعظمته. وفلان يتأبه علينا أي يتعظم، وتأبّه عن كذا: تنزه وتعظم. أب وتقول: البر مع الأبوة، والعقوق مع البنوة. وأبوته أبوة صدق أي آباؤه. وأبوت فلانًا وأممته: كنت له أبًا وأمًا. قال: تؤمهم وتأبوهم جميعًا ... كما قد السيور من الأديم

1 / 18

وأنه ليأبو يتيمًا أي يغذوه ويربيه فعل الآباء. وتأبيت فلانًا وتأممت فلانة كما تقول تبنيته. أب ى أبى الله إلا أن يكون كذا. وأبى عليَّ وتأبى: امتنع. وهو أبيُّ الضيم وآبي الضيم: له نفس أبية وفيه عبية. ونوق أواب: يأبين الفحل. وأصابه أباء بالضم إذا كان يأبى الطعام. تقول: فلانٌ إن شهد الطعان فالحمية والإباء، وإن حضر الطعام فالحمية والأباء. ومن المجاز: لا أبا لك، ولا أبا لغيرك، ولا أبا لشانئك، يقولونه في الحث، حتى أمر بعضهم لجفائه بقوله: أمطر علينا الغيث لا أبا لكا ويقال: لعمر أبيك ولعمر أبي سواك. قال الكميتُ: إني لعمر أبي سوا ... ك من الصنائع والذخائر وهو أبو الأضياف. ومن أبو مثواك؟ وهو أبو الرؤيس وأبو العمامة: للكبير الرأس والعمامة. أت ب تزوجها وهي في إتب وهو ثوب يشق فتلقيه الجارية في عنقها. قال الكميت: وقد لقيت ظباء الإنس غادية ... من كل أحور بالمكّيّ مؤتتب ومن المجاز: هذا غلام قد تأتب السلاح أي لبسه. وتأتب القوس: إذا أخرج منكبيه من حمالة القوس فصارت على كتفيه. أت م تقول ما حضرت المأتم، وإنما حضرت المأثم وهو جماعة النساء، من الأتم وهو القطع والفتق، كما قيل فئة وقطيع، وقد غلب على جماعتهن في المصائب. أت ى أتى إليه إحسانًا إذا فعله. ووعد الله مأتي. وأتيت الأمر من مأتاه ومأتاته أي من وجهه. قال: وحاجة بت على صماتها ... أتيتها وحدي من مأتاتها وأتى عليهم الدهر: أفناهم. وأتى امرأته. واستأتت الناقة: اغتلمت وطلبت أن تؤتى. ويقال: ما أتيتنا حتى استأتيناك إذا استبطئوه. وطريق ميتاءٌ مفعالٌ من الإتيان، كقولهم دارٌ محلال. تقول: الموت طريق ميتاء، وهو لكل حيّ ميداء، أي غابة. وهو أتيٌّ فينا وأتاويَّ أي غريبٌ. وسيلٌ أتيُّ، وأتاوي: أتى من حيث لا يدرى. وتقول: فلان كريم المواتاة، جميل المواساه. وهذا أمر لا يواتيني. وتأتي له إمره إذا تسهلت له طريقته. قال: تأتي له الدهر حتى انجبر وتأتيت لهذا الأمر: ترفقت له، وقيل تهيأت. وتأتيت له بسهم حتى أصبته إذا تفصدت له. وأتى

1 / 19