مقدمة المؤلف

* بسم الله الرحمن الرحيم

| * بسم الله الرحمن الرحيم

|| * بسم الله الرحمن الرحيم

وبه التوفيق والإعانة ولا حول ولا قوة إلا بالله (1).

الحمد لله الذي لا يبلغ مدى عظمته الواصفون ، ولا يدرك كنه حقيقته العارفون ، ولا يحيط بجلال صمديته العالمون ، تعالى عن أن تحيط به الأوهام والظنون ، وجل [عن (2) ] أن تخلقه الأعوام والسنون ، الخالق لكل موجود سواه ؛ فهو كائن بعد ما لم يكن ، وفاسد بعد أن يكون.

والصلاة على محمد رسوله القائم بشرعه ، والمظهر لدينه بعد أن كان مكنونا ، وعلى آله وأصحابه أعلام الهدى ، ومعادن السر المصون. وبعد :

فإنه لما كان كمال كل شيء وتماميته بحصول كمالاته الممكنة له ؛ كان كمال الأنفس الإنسانية بحصول ما لها من الكمالات : وهى الإحاطة بالمعقولات ، والعلم بالمجهولات.

ولما كانت العلوم متكثرة ، والمعارف متعددة ، وكان الزمان لا يتسع لتحصيل جملتها ، والعمر يقصر عن الإحاطة بكليتها ، مع تقاصر الهمم وقصورها ، وضعف الدواعى وفتورها ، وكثرة القواطع واستيلاء الموانع ، كان (3) الواجب السعى في تحصيل أكملها ، والإحاطة بأفضلها ؛ تقديما لما هو الأهم فالمهم (4) وما الفائدة في معرفته (5) أتم.

ولا يخفى أن أولى ما تترامى إليه بالنظر أبصار البصائر ، وتمتد نحوه أعناق الهمم والخواطر ؛ ما كان موضوعه أجل الموضوعات ، وغايته أشرف الغايات ، والحاجة إليه في تحصيل السعادة الأبدية من الأبديات ، وإليه مرجع العلوم الدينية ، ومستند النواميس الشرعية ، وبه صلاح العالم (6) ونظامه ، وحله وإبرامه ، والطرق الموصلة (7) إليه يقينيات ،

Page 67

والمسالك المرشدة نحوه قطعيات ، وذلك هو العلم الملقب بعلم الكلام ، الباحث في ذات واجب الوجود ، وصفاته ، وأفعاله ، ومتعلقاته ؛ فكان أولى بالاهتمام بتعجيله ، والنظر في تحقيقه وتحصيله.

ولما كنا مع ذلك قد حققنا أصوله ، ونقحنا فصوله ، وأحطنا بمعانيه ، وأوضحنا مبانيه ، وأظهرنا أغواره ، وكشفنا أسراره ، وفزنا فيه بقصب سبق الأولين ، وحزنا غايات أفكار المتقدمين والمتأخرين ، واستترعنا منه خلاصة الألباب ، وفصلنا القشر عن اللباب. سألنى بعض الأصحاب (1)، والفضلاء من الطلاب ؛ جمع كتاب حاو لمسائل الأصول ، جامع (2) لأبكار أفكار أرباب العقول. مقتصد لا يخرجه التطويل إلى الملل ، ولا فرط (3) الاختصار إلى النقص والخلل ؛ فأجبته إلى دعوته ، والحقته (4) بأمنيته / رجاء للفوز يوم المعاد ، والغبطة عند قيام الأشهاد ، وهو المسئول أن يلهمنا الرشد فيما رمناه ، ويسددنا لما قصدناه ، وأن يقيلنا من العثار ، وسوء الإكثار ، إنه قريب ممن دعاه ، مجيب لمن قصده واستجداه ، وسميته :

أبكار الأفكار

وجعلته مشتملا على ثمانى قواعد ؛ متضمنة لجميع مسائل الأصول :

الأولى (5): في العلم وأقسامه.

الثانية : في النظر وأقسامه وما يتعلق به.

الثالثة : في الطرق الموصلة إلى المطلوبات النظرية (6).

الرابعة : في انقسام المعلوم إلى الموجود والمعدوم ، وما ليس بموجود ولا معدوم.

Page 68

الخامسة : في النبوات.

السادسة : في المعاد وما يتعلق به من السمعيات ، وأحكام الثواب والعقاب.

السابعة : في الأسماء والأحكام.

الثامنة : في الإمامة ومن له الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر.

Page 69

القاعدة الأولى
في حقيقة العلم وأقسامه

وتشتمل على أربعة أقسام :

الأول (1): في حد العلم وحقيقته.

الثاني : في العلم الضرورى ، واختلاف العلماء فيه.

الثالث : في العلم الكسبى.

الرابع : في أحكام العلم.

Page 71

القسم الأول
في حد العلم وحقيقته (1)

أما حقيقة العلم : فقد اختلف العلماء في العبارات الدالة عليها.

فقال بعض المعتزلة (2): العلم اعتقاد الشيء على ما هو عليه.

وهو باطل بالمعتقد عن تقليد وجود الرب تعالى ؛ فإنه معتقد للشىء على ما هو عليه ، وليس اعتقاده علما. (3) وهذا مما لا يندفع وإن زيد في الحد : مع سكون النفس إليه (3). ثم إنه يخرج منه العلم بالمعدوم المستحيل الوجود ؛ فإنه علم ، وما تعلق به ليس بشيء بالاتفاق.

ومنهم (4) من زاد في الحد : إذا وقع عن ضرورة أو دليل. وهذه الزيادة ، وإن اندفع بها الإشكال الأول فلا يندفع بها الإشكال الثاني.

ومن زعم أن العلم لا يتعلق بالمعدوم المستحيل الوجود ؛ فحكمه بذلك علم تصديقى ، والعلم التصديقى يستدعى علمين تصوريين ، وأحد التصورين المعدوم المستحيل الوجود ؛ فيكون مناقضا لقوله : والعلم التصديقى. مع كونه مكابرا للبديهة ، وما يجده كل عاقل من نفسه من العلم باستحالة الجمع بين النفى والإثبات ، وهو غير متصور مع كون النفى غير معلوم.

وانظر الإنصاف للباقلانى. طبع الخانجى ص 13. والتمهيد له أيضا طبع دار الفكر العربى ص 34 وأصول الدين للبغدادى. طبع مطبعة الدولة باستانبول ص 5 ، 6 والإرشاد لإمام الحرمين. نشر الخانجى ص 12 ، 13 والمحصل للرازى. طبع الحسنية ص 69 ومعالم أصول الدين له أيضا ص 5 على هامش المحصل.

وانظر شرح المواقف للجرجانى. ط دار الطباعة العامرة ص 29 36 حيث يختصر صاحب المواقف ما أورده الآمدي مفصلا هنا. وأيضا شرح المقاصد للتفتازانى. ط دار الطباعة العامرة باستانبول ص 13 15.

Page 73