فقال الشاب بغضاضة: ليس لها إلا شقيقها. - ولماذا لم تلجأ إليه؟ - استغنوا عنه أيضا.
فضحك هازئا وقال: أهلا .. أهلا .. وطبيعي أنك لم تجد ملجأ لهذه الأسرة الكريمة التي أناخ عليها الدهر إلا بيتي ذا الحجرتين! .. مرحى .. مرحى .. ألم توفر مالا؟
فقال الشاب باقتضاب وهو يتنهد: كلا. - أحسنت .. عشت عيشة الملوك، كهرباء وماء وصلاة، ثم عدت أخيرا كما بدأت شحاذا.
فقال حسين بانفعال: قالوا: إن الحرب لن تنتهي، وإن هتلر سيقاوم عشرات السنين ثم يهجم بعد ذلك. - ولكنه لم يهجم، واختفى (حتى في تلك اللحظة لم يقل إنه مات) تاركا شيخ المغفلين صفر اليدين، والبك شقيق الست؟ - الحال من بعضه. - عال .. عال .. البركة في أبيك. هيئي لهم البيت يا ست أم حسين، ولو أنه حقير لا يليق بالمقام، ولكني سأتدارك ذلك بإدخال الماء والكهرباء، وربما ابتعت حنطور السيد علوان ليكون تحت تصرفكم.
فنفخ حسين قائلا: حسبك يا أبي .. حسبك!
فنظر إليه كالمعتذر وقال بسخرية: لا تؤاخذني. أأثقلت عليك؟ .. مزاج رقيق، عز وجاه، ارحموا عزيز قوم بال. احتشم يا معلم كرشة ولا تحدث السادة إلا بحديث السادة. تفضل بخلع ملابسك. أما أنت يا ست أم حسين فافتحي الكنز في المرحاض وعبي للبك حتى يتريش وينبسط.
ولم ينبس حسين بكلمة وهو كظيم، فمرت العاصفة بسلام، وراحت المرأة تناجي نفسها: «يا ساتر استر.» وكان المعلم - على حنقه وسخريته - أبعد ما يكون عن طرده، بل لعله حتى في تلك الساعة الحامية لم يخل من ارتياح لعودته، وسرور بزواجه، لذلك كف عما كان آخذا فيه، وغمغم قائلا: الأمر لله، ربنا يتوب علي منكم.
ثم سأل الشاب مستدركا: ماذا أعددت للمستقبل؟
فقال الشاب وقد شعر بأنه اجتاز محنته: سأجد عملا إن شاء الله، ولا يزال لدي حلي زوجي.
فانتبهت أمه إلى كلمة «حلي» باهتمام وسألته بغير وعي: هل كنت ابتعتها لها؟
অজানা পৃষ্ঠা