وقال ابن الأثير في حوادث سنة 443ه: «في هذه السنة تجددت الفتنة بين السنة والشيعة، وعظمت أضعاف ما كانت قديما؛ وسببها أن أهل الكرخ عملوا أبراجا كتبوا عليها بالذهب: «محمد وعلي خير البشر.» وأنكر السنية ذلك، وادعوا أن المكتوب محمد وعلي خير البشر، فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر. وأنكر أهل الكرخ الزيادة؛ فانتدب الخليفة القائم بأمر الله من حقق، فكتبوا بتصديق أهل الكرخ. وحمل الحنابلة العامة على الإغراق في الفتنة، وتشدد رئيس الرؤساء على الشيعة فمحوا «خير البشر» فقالت السنية: لا نرضى إلا أن يقلع الآجر الذي عليه «محمد وعلي»، وألا يؤذن «حي على خير العمل»، وامتنع الشيعة عن ذلك. وقتل رجل هاشمي من السنية، فحمله أهله على نعش وطافوا به في الحربية وباب البصرة وسائر محلة السنية، واستنفروا الناس للأخذ بثأره، ثم دفنوه عند أحمد بن حنبل، فلما رجعوا من دفنه قصدوا المشهد فدخلوه، ونهبوا ما فيه من قناديل ومحاريب من ذهب وفضة، فلما كان الغد اجتمعوا وأضرموا حريقا، فاحترق كثير من قبور الأئمة وما يجاورها من قبور بني بويه، وقصد أهل الكرخ الشيعيون إلى خان الفقهاء الحنفيين فنهبوه، وقتلوا مدرس الحنفية أبا سعد السرخسي وأحرقوا الخان ودور الفقهاء، وامتدت الفتنة إلى الجانب الشرقي.»
95
وقال في سنة 444ه: «في هذه السنة زادت الفتنة بين أهل الكرخ وغيرهم من السنية، وكان ابتداؤها أواخر سنة 444ه، فلما كان الآن عظم الشر واطرحت المراقبة للسلطان، واختلط بالفريقين طائفة من الأتراك، فلما اشتد الأمر اجتمع القواد، واتفقوا على الركوب إلى المحال، وإقامة السياسة بأهل الشر والفساد، وأخذوا من الكرخ إنسانا علويا وقتلوه، فثار نساؤه ونشرن شعورهن واستغثن، فتبعهن العامة من أهل الكرخ، وجرى بينهم وبين القواد ومن معهم من العامة قتال شديد، وطرح الأتراك النار في أسواق الكرخ فاحترق كثير منها وألحقتها بالأرض.»
وقد اشتهرت الكوفة بالتشيع والبصرة بالتسنن،
96
فقال الجاحظ: إن الكوفة علوية، والبصرة عثمانية، ثم انتشر بعد الجاحظ التشيع في البصرة حتى كان فيها في القرن الخامس ما لا يقل عن ثلاثة عشر مشهدا للعلويين، أما الشام فمن قديم عرفت بالسنية، ويقول النسائي المتوفى سنة 303ه: «دخلت دمشق والمنحرف عن علي - رضي الله عنه - كثير، فأردت أن يهديهم الله بهذا الكتاب.» يعني كتاب «الخصائص» في فضل علي بن أبي طالب، وسئل وهو بدمشق عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل؟! فما زال أهل دمشق يدفعون في حضنه حتى أخرجوه من المسجد، ثم حمل إلى الرملة فمات بها.
97
وتقسمت البلاد الشيعة والسنية، بل تقسم البلد الواحد التشيع والتسنن: فبلدة نابلس في النصف الثاني من القرن الرابع كان نصفها سنيين ونصفها شيعيين، قال المقدسي المتوفى سنة 375ه: «ونصف نابلس وأكثر عمان شيعة.»
وجزيرة العرب نفسها كذلك، «فمذاهبهم في مكة وتهامة وصنعاء وقرح سنية، وسواد صنعاء ونواحيها مع سواد عمان شراة غالية، وبقية الحجاز وأهل الري بعمان وهجر وصعدة شيعة»،
98 «ونصف الأهواز شيعة»،
অজানা পৃষ্ঠা