69
نجح الفرس إلى حد كبير في اقتطاع أجزاء من الدولة والاستيلاء عليها، واستبدادهم بها، وقصر سلطة الخليفة على المظهر الاسمي؛ فمن قديم استولى الطاهرية على خراسان (205-259)، والصفارية على فارس (254-290)، والسامانية على فارس وما وراء النهر(261-389)، والزيارية على جرجان (316-434)، ثم دولة بني بويه الفارسية أيضا (320-447)، فقد استولوا على فارس ثم على العراق، وأخضعوا الخليفة لأمرهم، وأزالوا ولاية الترك عليه، وأقاموا سلطانهم، فكان شأن الخليفة منهم شأنه مع الترك قبلهم، مظهر ولا عمل، ولقب ولا أمر ولا نهي.
والواقع أن سلوك البويهيين الفرس مع الخلفاء لم يكن كسلوك آبائهم الفرس مع الخلفاء في العصر العباسي الأول. لقد كان الأولون من الفرس يأتمرون بأمر الخليفة، ويرعون ولاءهم له وطاعتهم إياه، فلما جاء خلفهم من بني بويه لم يرعوا ولاء ولا قلدوا سلفهم، إنما قلدوا الأتراك في التنكيل بالخليفة والاستهانة به، واستقلوا ضعفه فلم يعلوا شأنه بل زادوه ضعفا.
ففي سنة 334ه سار معز الدولة بن بويه من الأهواز إلى بغداد في خلافة المستكفي فملكها، ومنحه المستكفي إمرة الأمراء، «وأعطاه الطوق والسوار وآلة السلطنة، وعقد له لواء، ولقبه معز الدولة، ولقب أخاه ركن الدولة، ولقب أخاه الآخر عماد الدولة، وأمر أن تضرب ألقابهم على الدينار والدرهم».
70
فما أن استتب أمر معز الدولة ببغداد وقوي أمره حتى حجر على الخليفة المستكفي، وقدر له كل يوم خمسة آلاف درهم لنفقته.
وأوجس معز الدولة خيفة من المستكفي، فدخل معز الدولة عليه فوقف والناس وقوف على مراتبهم، فتقدم اثنان من الديلم إلى الخليفة فمد يده إليهما ظنا أنهما يريدان تقبيلها، فجذباه من السرير حتى طرحاه إلى الأرض وجراه بعمامته، وهجم الديلم على دار الخلافة إلى الحرم ونهبوها فلم يبق منها شيء. ومضى معز الدولة إلى منزله، وساقوا المستكفي ماشيا إليه وخلع وسملت عيناه، وولوا المطيع لله خليفة، وقرر له معز الدولة كل يوم مائة دينار فقط لنفقته.
كان معز الدولة يخرج للقتال ومعه المطيع - كأسير - ولما ماتت أخت معز الدولة نزل المطيع إلى داره يعزيه.
ومات معز الدولة فأقيم ابنه باختيار مكانه، فكان مع المطيع كأبيه، وزاد على ذلك أنه صادر المطيع، فقال المطيع: أنا ليس لي غير الخطبة، فإن أحببتم اعتزلت، فشدد عليه باختيار حتى باع قماشه، وأخذ منه أربعمائة ألف درهم. وأخيرا خلع المطيع نفسه، وولي ابنه الطائع.
فاستجمع الأتراك قوتهم، وتجمعوا حول سبكتكين التركي، وتجمع الديلم والفرس حول معز الدولة، فقدم عضد الدولة البويهي بغداد لنصرة عز الدولة على سبكتكين، فتم لعضد الدولة النصر، وملك بغداد. وأخيرا خلع الطائع على عضد الدولة خلعة السلطنة، وتوجه بتاج مجوهر، وطوقه وسوره وقلده سيفا، وعقد له لواءين بيده: أحدهما مفضض على رسم الأمراء، والآخر مذهب على رسم ولاة العهود، ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله، وكتب له عهدا وقرئ بحضرته.
অজানা পৃষ্ঠা