নেতা ও শিল্পী এবং সাহিত্যিকরা
زعماء وفنانون وأدباء
জনগুলি
وثارت العواصف على الإمام محمد عبده، تتهمه بالإلحاد والكفر، وكادت تقتلعه من منصبه، بل كادت تقتلع مهابته عند عامة الناس، وكان طلاب الأزهر إذا رأوه هربوا منه لينجوا بدينهم؛ فقد سمم كبار العلماء أفكار الطلبة، وكانوا يخلعون عليه صفات الزندقة والمروق، ويتهمونه في شرفه ووطنيته، واستطاع الإنجليز أن يستغلوا الموقف، فساندوا الشيخ محمد عبده، ورأى هو أن هذه المساندة ستعينه على أن يهزم خصومه، وينفذ برنامج الإصلاح الديني والاجتماعي والعلمي، وكان قد اقتنع بأنه لا خلاص للأمة إلا عن طريق رفع مستواها دينيا واجتماعيا وعلميا، ولكن المساندة الإنجليزية للإمام ألقت على تصرفاته ظلالا كثيرة من الشبهات، وكان الذين يؤمنون بفكرته قلة، والذين يقفون في وجهه كثرة، وأين الطلبة من القلة والكثرة؟
إنهم يسمعون بالشيخ فيلعنونه، ويستمعون إليه فيرون ما يبهرهم، وبدأ الشيخ يغزو الأزهر بتلاميذه، الذين كانوا يتزايدون يوما بعد يوم، وكان مصطفى عبد الرازق يخاف على عقيدته من أن يرى الشيخ فضلا عن أن يتصل به أو يتلقى عنه درسا.
وفي ذلك يقول: كنت طالبا من صغار الطلاب، جاء الشيخ محمد عبده إلى الأزهر، وكان أساتذتنا - عفا الله عنهم - لا يفتئون يقدمون لنا الشيخ ويمثلونه خطرا داهما على الدين وأهله، فتتأثر بذلك عقولنا الطفلة، وكنت أفر بديني من أن ألقى الأستاذ أو أستمع لدروسه، مع أنه صديق لوالدي!
حضرت درسه مرة لأشهد كيف تشبه وجوه الملحدين، وتشبه معها عقولهم وقلوبهم، فلما رأيت الرجل بالرواق العباسي وسمعته يفسر كتاب الله، قلت في ذلك اليوم: اللهم إن كان هذا إلحادا فأنا أول الملحدين!
منذ ذلك الحين بدأ الطالب الأزهري مصطفى عبد الرازق يفتح نوافذ عقله، ويتطلع إلى آفاق لم يتعود أمثاله من الطلبة الأزهريين أن يتطلعوا إليها؛ فقد أفاد اتصاله بمحمد عبده، فأدرك أفكارا ثائرة، وعرف أن هذه الأفكار عاشها المفكر الثائر جمال الدين الأفغاني الذي زلزل قواعد الاستعمار، ودحرج التيجان وهز العروش.
ومضى يبحث وينقب عن الشرارة التي ألهبت ذهن الأفغاني، فوجدها في مبادئ الثورة الفرنسية، ثورة 1789، ثورة الإنسان لحقوقه، وقد اندلعت شرارتها في العالم، وكان الأفغاني أول زعيم في الشرق أضرمت المبادئ الإنسانية النار في دمه وعروقه، وقد انتقلت منه النار إلى تلامذته ومريديه في مخلتف البلاد الإسلامية.
وتطلع مصطفى عبد الرازق إلى فرنسا؛ البلد الذي شب منه هذا الحريق الفكري، إنه يريد بعدما نال شهادة العالمية من الأزهر، أن يتم تعليمه في فرنسا، ولكن كيف ذلك؟ وهل أعده أبوه للأزهر لكي يتحول من رجل دين إلى رجل دنيا كشقيقه الأكبر حسن؟
وأقنع أسرته بأن يتعلم في فرنسا، فالتحق بجامعة ليون عام 1913، وقامت الحرب العالمية الأولى عام 1914 وهو في فرنسا، وظل هناك إلى عام 1916 ثم عاد إلى مصر، وعندما اقترب الموكب من ميناء الإسكندرية خلع اللباس الإفرنجي، وارتدى الجبة والقفطان والعمة، وكان عندما استقل المركب إلى أوروبا يرتدي زيه الشرقي، وخلعه وهو في المركب!
وعقب عودته إلى مصر تقرر تعيينه سكرتيرا عاما لمجلس الأزهر، ثم مفتشا للمحاكم الشرعية، فأستاذا مساعدا للفلسفة الإسلامية بالجامعة المصرية، وكان يرغب في أن يكون أستاذا للأدب، فهو تخصص في الأدب، وله منهاج خاص في أسلوبه في الكتابة يمتاز برشاقة فنية وجاذبية، وصحيح أن له ولعا شديدا بالفلسفة عامة، ودراسات عميقة في الفلسفة الإسلامية؛ المسلمين والفلاسفة خاصة، ولكن ولعه بالأدب كان أشد!
وكان مصطفى عبد الرازق رفيقا، أنيقا، متلائما في سلوكه مع نفسه وسلوكه مع الناس، كان يحب الحياة، وما الحياة؟ إنها عمل صالح وحق وخير وجمال.
অজানা পৃষ্ঠা