নেতা ও শিল্পী এবং সাহিত্যিকরা
زعماء وفنانون وأدباء
জনগুলি
وهذه العبقرية التي تمارس العلم بأستاذية كبيرة وسلوك شخصي مترفع، كانت إذا اختلطت بالناس بدت كشهاب هبط إلى الأرض ولم يحترق، كل من رآه يعجب به، ولا يجرؤ على الدنو منه، هكذا كان شعوري عندما تقابلت معه لأول مرة في دار المرحوم الأستاذ مكرم عبيد.
قصير القامة، ممتلئ الجسم في غير ترهل، تتجلى أناقته في حركاته، وإشاراته، وكلماته، وبذلته، وربطة عنقه، يحسن الحديث، ويحسن الإصغاء، يخيل لك أنه يهمس إذا تكلم، ويهمس إذا أصغى! فلا يرتفع صوته إلا بقدر ما يصل إلى جاره، ولا يميل بجسمه لكي يسمع، ولكن يرهف أذنيه برشاقة ووقار، وكنت أظن أن هذا العالم الغارق إلى أذنيه في المراجع الجافة، لا يتذوق الأدب والفن، ولا يتعرض للأوضاع السياسية، وأدهشني أنه وجه إلى مكرم عبيد ملاحظات هاجم بها الأحزاب كلها، وكان مكرم عبيد رئيسا لحزب الكتلة، بعدما اختلف مع مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد، واضطره هذا الخلاف إلى أن يتعاون مع خصومه بالأمس من أحزاب الأقليات.
قال العالم الجليل لمكرم عبيد: إنه عمل عظيم أن تثور على فساد الحكم، وأن تمضي في ثورتك إلى أن تدخل السجن وتضحي بمكانتك في الحزب الذي ساهمت في بنائه، وتفضل أصدقاءك الذين شاركوك حياتك الحزبية، ولكن ما هو الهدف من هذا الموقف؟ هل الهدف أن تمنع حزبا من الفساد لتفسح المجال لأحزاب أخرى؟ وهل تعتقد أن هذه الأحزاب تستطيع أن تقاوم رغبة من يقف وراءها، ليهدم بها حزب الأكثرية ويتولى هو مقاليد الأمور فيطغى كما يشاء وينهب كما يشاء!
وقال مكرم: دعونا من الكلام في السياسة الآن ، فقد اجتمعت بكم الليلة للاحتفال بعيد ميلادي، وأريد أن أنسى السياسة ليلة واحدة كل عام!
وكان من بين المدعوين محام شاب، وأراد أن يحرج العالم الجليل فسأله: من الإنسان الذي يقف وراء الأحزاب ليجعل منها مخلب قط، ينهش حزب الأكثرية ثم يطغى هو وينهب كما يشاء؟
وقال العالم الجليل بكل هدوء: إنك تعرفه، لست أخاف من ذكر اسمه، ولكني لا أريد أن أحرج الرجل الذي يحتفل بعيد ميلاده!
وفهم الجميع أنه يعني الملك! وارتسم الذهول على وجوه الموجودين جميعا، فقد كان معروفا أن القصر وقف إلى جانب العالم الكبير أكثر من مرة، وسانده ضد حكومة الوفد وحكومات الأحزاب الأخرى، وقد نال رتبة الباشوية، ولم ينكر العالم هذه الحقائق ولكنه حللها بطريقته العلمية؛ رأى أن القصر لم يناصره إلا ليكيد للوزارات القائمة في الحكم، وبذلك يبدو أمام الشعب في صورة نصير العلم والعلماء!
ولم تمض هذه الليلة من عام 1948 حتى أصبح أستاذنا العالم المحلق في آفاق لا نعرفها، قريبا من نفسي، فقد انطوى حديث السياسة وأخذنا نستمع للفنان محمد عبد الوهاب، وهو يؤدي إحدى أغنياته بالعود، واتجهت بكل انتباهي واهتمامي إلى هذا الوقور؛ لأعرف هل يستمتع بالغناء مثلنا؟
كان رأسه يشبه بكرة من زئبق يختلج ويتوهج بحرارة وإشعاع، كان كل ما فيه لامعا؛ خاتمه، دبوس ربطة العنق، زرا كمي القميص، نظارته، ذكاؤه الحاد!
وكان يتابع النغمات بنقرات أصابعه على المقعد، وبضربات خفيفة بأطراف قدميه فوق السجادة!
অজানা পৃষ্ঠা