الملك من الله تعالى تلقفا روحانيا ، أو يحفظه من اللوح المحفوظ ، فينزل به فيلقيه على الرسول.
وإنما عبر عنه بلفظ المضي وإن كان بعضه مترقبا تغليبا للموجود على ما لم يوجد ، أو تنزيلا للمنتظر منزلة الواقع ، ونظيره قوله تعالى : ( إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ) (1)، فإن الجن لم يسمعوا جميعه ، ولم يكن الكتاب حينئذ كله منزلا.
( وما أنزل من قبلك ) يعنى سائر الكتب السابقة ، والإيمان بها إجمالا فرض عين ، وبالأول تفصيلا ، لأنا متعبدون بتفاصيله ، بخلاف الشرائع السالفة.
( وبالآخرة هم يوقنون ) إيقانا زال معه ما كان اليهود والنصارى عليه من أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ، واختلافهم في نعيم الجنة أهو من جنس نعيم الدنيا أو غيره؟ وفي دوامه وانقطاعه. وفي تقديم الصلة وبناء «يوقنون» على «هم» تعريض لمن عداهم من أهل الكتاب بأن اعتقادهم في أمر الآخرة غير مطابق ولا صادر عن إيقان.
فهذه الآية معطوفة على ( الذين يؤمنون بالغيب )، فمؤمنو أهل الكتاب داخلون معهم في جملة المتقين دخول أخصين تحت الأعم. ويحتمل أن يراد بهم الأولون بأعيانهم. ووسط بالعاطف الجامع ليدل على أنهم الجامعون بين الإيمان بما يدركه العقل ، والإتيان بما يصدقه من العبادات البدنية والمالية ، وبين الإيمان بما لا طريق إليه غير السمع. وكرر الموصول فيها تنبيها على بيان السبيلين.
واليقين إتقان العلم بنفي الشك والشبهة عنه نظرا واستدلالا ، ولذلك لا يوصف به علم القديم ولا العلوم الضرورية.
পৃষ্ঠা ৪৮