** والثالث
التقوى الحقيقي المطلوب بقوله تعالى : ( اتقوا الله حق تقاته ) (1) . وقد فسر قوله : ( هدى للمتقين ) على الأوجه الثلاثة.
قال صاحب الكشاف والأنوار (2) ما حاصله : إن هذه الجمل الأربع بعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق ، ونظمت هذا النظم العجيب ، لم تخل كل واحدة منها من نكتة ذات جزالة ، ففي الاولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه وأحسنه ، وهو بيان أن هذا الكتاب المتحدى به مؤلف من هذه الحروف المتداولة بين الناس. وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة. وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف حذرا عن إيهام الباطل كما مر. وفي الرابعة الحذف ووضع المصدر الذي هو «هدى» موضع الوصف الذي هو «هاد» ، وإيراده منكرا للتعظيم ، وتخصيص الهدى بالمتقين باعتبار الغاية ، وتسمية المشارف للتقوى متقيا إيجازا وتفخيما لشأنه. زادنا الله اطلاعا على أسرار كلامه ، وتبيينا لنكت تنزيله ، وتوفيقا للعمل بما فيه.
وقوله عز اسمه : ( الذين يؤمنون بالغيب ) إما أن يكون مجرورا بأنه صفة للمتقين ، أو منصوبا أو مرفوعا على المدح على تقدير : أعني الذين ، أو : هم الذين يؤمنون. وإما أن يكون منقطعا عما قبله مرفوعا على الابتداء ، وخبره ( أولئك على هدى )، فيكون الوقف على ( هدى للمتقين ) تاما. وعلى التقادير ، تخصيص الإيمان بالغيب ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر ، إظهار لفضلها على سائر ما يدخل تحت اسم التقوى.
واعلم أن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق ، مأخوذ من الأمن ، كأن المصدق آمن المصدق من التكذيب والمخالفة. وعدي بالباء فقيل : آمن به ، لأنه
পৃষ্ঠা ৪৪