...وأما سادسا : فلأن فتنة الشرك بالصلاة فيها ومشابهة عبادة الأوائل بكثير من مفسدة الصلاة بعد العصر والفجر فإنه عليه الصلاة والسلام قد نهى عن تلك المفسدة سدا لذريعة التشبه التي لا تكاد تخطر ببال المصلي فكيف بهذه الذريعة التي كثيرا ما تدعو صاحبها إلى الشرك بدعاء الموتى وطلب الحوائج منهم واعتقاد أن الصلاة عند قبورهم افضل من الصلاة في المساجد وغير ذلك مما هو محادة ظاهرة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فأين التعليل بنجاسة البقعة من هذه المفسدة ؟!.
...وبالجملة إن من له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعة وفهم عن الرسول عليه الصلاة والسلام مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه عليه الصلاة والسلام واللعن والنهي بالصيغة التي هي : ( لا تفلعوا ) وصيغة ( إني أنهاكم ) ليس لأجل النجاسة الحاصلة بالنبش ، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه وارتكب ما نهى عنه واتبع هواه ، ولم يخش ربه ومولاه ، وقل نصيبه أو عدم من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن هذا وأمثاله من النبي عليه الصلاة والسلام صيانة لحمى التوحيد من أن يلحقه الشرك ويغشاه وتجريد له أن يعدل به سواه ، فأبى أكثر الناس إلا عصيانا لأمره ، وارتكابا لنهيه وغرهم الشيطان بأن هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين .
...ولعمر الله من هذا الباب بعينه دخل عباد يغوث ويعوق ونسرا وسائر عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة ، فإن هؤلاء جمعوا بين الغلو فيهم والطعن في طريقتهم فهدى الله تعالى أهل التوحيد حيث سلكوا طريقتهم وأنزلوهم منازلهم التي أنزلهم الله إياها من العبودية وسلبوا عنهم خصائص الربوبية ، وهذا غاية تعظيمهم وإكرامهم ونهاية طاعتهم ومتابعتهم .
পৃষ্ঠা ৮