...وإنما اشتغل كثير من الناس بأنواع العبادات المبتدعة التي يكرهها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لإعراضهم عن المشروع فإنهم وإن أقاموه بصورته الظاهرة لكنهم هجروا حقيقته المقصودة منه وقد ثبت أن الشرائع أغذية القلوب فلما غذيت بالبدع لم يبق فيها فضل . وإلا فمن أقبل على الصلوات الخمس بوجهه وقلبه مراعيا لما شرع فيها من السنن والواجبات عارفا بما اشتملت عليه من الكلم الطيب والعمل الصالح واهتم بها كل الاهتمام وجد في ذلك من الأحوال الزكية والمقامات العلية ما يغنيه عن الشرك والبدع .
...ومن قصر فيها يوجد فيه من الشرك والبدع بحسب ذلك ومن أصغى إلى كلام الله تعالى بقلبه وإلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكليته وهيأ نفسه لاقتباس العلم والهدى منهما لا من غيرهما وجد في كل منهما من أنواع العلوم النافعة ما يميز به بين الحق والباطل والحسن والقبيح ويغنيه عن البدع والخيالات التي هي وساوس النفوس والشياطين .
...ومن بعد عن ذلك : فلا بد أن يتعوض عنه بما ينفعه كما أن من غمر قلبه بمحبة الله تعالى وذكره وخشيته والتوكل عليه والإنابة إليه وجد في ذلك من الحالات السنية ما يغنيه عن محبة غيره وخشيته والتوكل عليه وإذا خلا عن ذلك صار عبد هواه وأي شيء استحسنه يملكه ذلك الشيء ويعبده .
......فالمعرض عن التوحيد مشرك وكافر شاء أم أبى ، والمعرض عن السنة مبتدع ضال شاء أم أبى . فإن قيل فما الذي أوقع عباد القبور في الافتتان بها مع العلم بأن ساكنيها أموات لا يملكون لهم ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ؟
...قيل أوقعهم في ذلك أمور :
......منها الجهل بحقيقة ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بل جميع الرسل من تحقيق التوحيد وقطع أسباب الشرك فالذين قل نصيبهم من ذلك إذا دعاهم الشيطان إلى الفتنة بها ولم يكن لهم من العلم ما يبطل دعوته استجابوا له بسحب ما عندهم من الجهل وعصموا بقدر ما معهم من العلم .
পৃষ্ঠা ৩৪