...وأما آثار الصحابة فاكثر من أن يحاط بها ومن ذلك ما في [ صحيح البخاري ] أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى أنس بن مالك رضي الله عنه يصلي عند القبر فقال : القبر القبر .
...قال ابن القيم : وهذا يدل على أنه كان من المستقر عند الصحابة ما نهاهم عنه نبيهم من الصلاة عند القبور وفعل أنس لا يدل على اعتقاد جوازه فإنه لعله لم يره أو لم يعلمه قبرا وذهل عنه فلما نبهه عمر رضي الله عنه تنبه .
...وقد ذكر محمد بن إسحاق في مغازيه : من زيادات يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار قال : حدثنا أبو العالية قال : لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت عند رأسه مصحف فأخذنا المصحف فحلمناه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فدعا كعبا فنسخه بالعربية فأنا أول رجل من العرب قرأته فقرأته مثل ما أقرأ القرآن فقلت لأبي العالية : ما كان فيه ؟ قال سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد فقل من كنتم تظنون الرجل ؟ قال : رجل يقال له : دانيال عليه السلام فقلت : منذ كم وجدتموه مات ؟ قال : منذ ثلاثمائة سنة فقلت : ما كان تغير منه شيء ؟ قال لا إلا شعيرات من قفاه إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع فقلت : ما كان يرجون منه قال كانت السماء إذا حبست عنهم أبرزوا السرير فيمطرون فقلت : فما صنعتم به ؟ قال : حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس فلا ينبشوه .
...فانظر القصة وما فعله المهاجرون والأنصار كيف سعوا في تعمية قبره فئلا يفتن الناس به ولم يبرزوه للدعاء عنده والتبرك به ولو ظفر به هؤلاء الخلوف لحاربوا عليه بالسيوف ولعبدوه من دون الله تعالى فإنهم قد اتخذوا من القبور أوثانا من لا يدانيه ولا يقاربه وبنوا عليها الهياكل وأقاموا لها سدنة وجعلوها معابد أعظم من المساجد .
পৃষ্ঠা ৩০