بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم الحمد لله الذي قسم الأذهان فأكثر وأقل، وصلواته على محمد أشرف نبي أرشد ودل، وعلى أصحابه وأتباعه ما أطل سحاب فطل وبل.
أما بعد؛
فلما كانت النفس تمل من الجد، لم يكن بأس بإطلاقها في مزح ترتاح به.
١ - كان الزهري يقول: هاتوا من أشعاركم، هاتوا من طرفكم، أفيضوا في بعض ما يخف عليكم وتأنس به طباعكم.
٢ - وقد كان شعبة يحدث الناس، فإذا تلمح أبا زيد النحوي في أخريات الناس، قال: يا أبا زيد!
(استعجمت دار نعم ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار)
1 / 39
٣ - وقال حماد بن سلمة: لا يحب الملح إلا ذكران الرجال، ولا يكرهها إلا مؤنثوهم.
٤ - عن بكر بن عبد الله المزني، قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا الرجال.
٥ - قال قبيصة: كان سفيان مزاحا، ولقد كنت أجيء إليه مع القوم فأتأخر خلفهم مخافة أن يحيرني بمزاحه.
٦ - قال سفيان بن عيينة: أتينا مرة مسعر بن كدام، فوجدناه يصلي، فأطال الصلاة جدا، ثم التفت إلينا متبسما، فأنشدنا:
(ألا تلك عزة قد أقبلت ... ترفع نحوي طرفا غضيضا)
(تقول: مرضنا فما عدتنا ... وكيف يعود مريض مريضا)
قال: فقلت: رحمك الله، بعد هذه الصلاة هذا ﴿قال: نعم﴾ مرة هكذا ومرة هكذا.
٧ - قلت: وقد بلغني عن جماعة من الفطناء والظرفاء حكايات تدل على قوة فهومهم، فسماعها يشحذ الذهن، وينبه الفهم، فأحببت أن أذكر منها طرفا.
1 / 40
٨ - وبلغني عن جماعة من المجون ما يتفرج فيه.
ومعنى المجون: صرف اللفظ عن حقيقته إلى معنى آخر، وذلك يدل على قوة الفطنة.
فكتبت من ذلك في هذا الكتاب طرفا.
وقد قسمته ثلاثة أبواب:
الباب الأول: فيما ذكر عن الرجال.
الباب الثاني: فيما ذكر عن النساء.
الباب الثالث: فيما ذكر عن الصبيان.
والله الموفق.
1 / 41
(الباب الأول)
فيما ذكر عن الرجال
قد قسمت هذا إلى خمسة أقسام: أحدها: ما يروى من ذلك عن الأنبياء ﵈. والثاني: ما يروى عن الصحابة. والثالث: ما يروى عن العلماء والحكماء. والرابع: ما ما يروى عن العرب. والخامس: ما يروى عن العوام.
1 / 46
(القسم الأول)
فيما يروى عن الأنبياء ﵈
٢٢ - عن محمد بن كعب القرظيّ، قال: جاء رجل إلى سليمان النبي [ﷺ]، فقال: يا نبي الله ﴿إن لي جيرانًا يسرقون إوزّي، فنادى: الصلاة جامعة؛ ثمّ خطبهم، فقال في خطبته: واحدكم يسرق إوزّة جاره، ثمّ يدخل المسجد والرّيش على رأسه﴾ فمسح رجلٌ رأسه، فقال سليمان: خذوه، فإنّه صاحبكم.
٢٣ - قلت: وذكروا في الإسرائيليات أنّ الهدهد جاء إلى سليمان، فقال: أريد أن تكون في ضيافتي، فقال سليمان: أنا وحدي؟ فقال: لا ﴿بل أنت والعسكر، في يوم كذا، على جزيرة كذا؛ فلمّا كان ذلك اليوم، جاء سليمان وعسكره، فطار الهدهد، فصاد جرادةً، فخنقها، ورمى بها في البحر، وقال: كلوا، فمن لم ينل من اللّحم نال من المرقة؛ فضحك سليمان من ذلك وجنوده حولًا كاملًا.
٢٤ - عن أبي هريرة، قال: قال رجل: يا رسول الله﴾ إن لي جارًا يؤذيني، فقال: " انطلق، فأخرج متاعك إلى الطريق " فأنطلق، فأخرج متاعه، فاجتمع الناس عليه، فقالوا: ما شأنك؟ فقال: لي جارٌ يؤذيني، فذكرت ذلك للنبي [ﷺ]، فقال: " انطلق! فأخرج متاعك إلى
1 / 47
الطريق "، فجعلوا يقولون: اللهّم العنة، اللهم اخزه؛ فبلغه، فأتاه، فقال: ارجع إلى منزلك، فوالله لا أؤذيك.
٢٥ - قال محمد بن إسحاق: لما خرج رسول الله [ﷺ] إلى بدر، خرج هو ورجلٌ آخر تبعه، فرأيا رجلًا، فسألاه عن قريش وعن محمد وأصحابه، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما؛ فقال رسول الله [ﷺ]: " إذا أخبرتنا أخبرناك " فقال الشيخ: بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا، وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا. ثم قال: ممن أنتم؟ فقال رسول الله [ﷺ]: " نحن من ماء " وكان العراق يسمى ماءً، فأوهمه أنّه من العراق، وإنّما أراد أنّه خلق من نطفة.
٢٦ - وقال الحسن البصري: جاء رجلٌ إلى رسول الله [ﷺ] برجلٍ قد قتل حميمًا له، فقال له: " أتأخذ الدية؟ " قال: لا، قال " أفتعفو!؟ " قال: لا، قال: " اذهب فاقتله "، فلما جاوزه، قال رسول الله [ﷺ]: " إن قتله فهو مثله " فأخبر الرجل، فتركه.
قال ابن قتيبة: لم يرد أنّه مثله في المأثم، إنّما أراد أنّ هذا قاتلٌ وهذا قاتلٌ، إلاّ أنّ الأوّل ظالمٌ والثاني مقتص.
٢٧ - قال خوّات بن جبير: نزلت مع رسول الله [ﷺ] مرّ
1 / 48
الظهران، فخرجت من خبائي، فإذا نسوةٌ يتحدّثن، فأعجبنني، فرجعت، فأخرجت حلةٌ لي من عيبتي، فلبستها، ثم جلست إليهن، وخرج رسول الله [ﷺ] من قبته، فقال: " أبا عبد الله ﴿ما يجلسك إليهنّ؟ " قال: فهبت رسول الله [ﷺ]، فقلت: يا رسول الله﴾ جملٌ لي شرودٌ، أبتغي له قيدًا.
قال: فمضى رسول الله [ﷺ]، وتبعته، فألقى إليّ رداءه، ودخل الأراك، فقضى حاجته، وتوضأ، ثمّ جاء، فقال: " أبا عبد الله! ما فعل شرادُ جملك؟ " ثمّ ارتحلنا، فجعل لا يلحقني في الميسر إلا قال: " السلام عليكم أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك؟ ".
قال: فتعجلت إلى المدينة، فاجتنبت المسجد ومجالسة رسول الله [ﷺ]، فلما طال ذلك عليّ تحيّنت ساعة خلوة المسجد، [ثم أتيت المسجد]، فجعلت أصلي، فخرج رسول الله [ﷺ] من بعض حجره، فجاء، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم جلس، وطولت رجاء أن يذهب ويدعني، فقال: " طوّل أبا عبد الله ما شئت، فلست بقائم حتّى تنصرف " فقلت: والله لأعتذرنّ إلى رسول الله [ﷺ]، ولأبرئن صدره؛ فانصرفت، فقال: " السلام عليكم أبا عبد الله، ما فعل شرادُ الجمل؟ ". فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد ذاك الجمل منذ أسلمت، فقال: " رحمك الله " مرتين أو ثلاثًا، ثم أمسك عني، فلم يعد.
1 / 49
٢٨ - عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: كان بالمدينة رجلٌ يقال له: نعيمان، وكان لا يدخل المدينة طرفة إلاّ اشترى منها، ثمّ جاء بها إلى النبي [ﷺ]، فقال: يا رسول الله ﴿هذا أهديته لك؛ فإذا جاء صاحبه، فطالب نعيمان بثمنه، جاء به إلى النبي [ﷺ]، فقال: يا رسول الله﴾ اعطِ هذا ثمن متاعه، فيقول رسول الله [ﷺ]: " أو لم تهده لي؟ " فيقول: يا رسول الله! والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله؛ فيضحك رسول الله [ﷺ]، ويأمر لصاحبه بثمنه.
1 / 50
(القسم الثاني)
فيما يروى عن الصحابة
٢٩ - عن أنس، قال: لما هاجر رسول الله [ﷺ]، كان يركب، وأبو بكر رديفه، وكان أبو بكر يعرف لاختلافه إلى الشام، فكان يمرّ بالقوم، فيقولون: من هذا بين يديك يا أبا بكرٍ؟ فيقول: هذا يهديني.
٣٠ - عن عبد الجبار بن صيفي، عن جدّه، قال: إنّ صهيبًا قدم على النبيّ [ﷺ]، وبين يديه تمرٌ وخبزٌ، فقال: " ادن فكل ".
قال: فأخذ يأكل من التمر، فقال النبي [ﷺ]: " إنّ بعينك رمدًا " فقال: يا رسول الله! أنا آكل من الناحية الأخرى؛ فتبسم النبي [ﷺ] .
٣١ - عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: وفدت على عمر بن الخطاب حللٌ من اليمن، فقسمها بين الناس، فرأى فيها حلّة رديئة، فقال: كيف أصنع بها؟ إن أعطيتها أحدًا لم يقبلها إذا رأى هذا العيب فيها؛ فأخذها، فطواها، فجعلها تحت مجلسه، فأخرج طرفها، ووضع الحلل بين يديه، فجعل يقسم بين الناس، فدخل الزبير بن العوّام وهو على تلك الحال؛ قال: فجعل ينظر إلى تلك الحلة، فقال: ما هذه الحلة؟ قال عمر: دع هذه عنك. قال: ما هيه، ما هيه، ما شأنها؟ قال: دع هذه عنك. قال: فأعطينيها؛ قال: إنّك لا ترضاها. قال:
1 / 51
بلى! قد رضيتها؛ فلما توثّق منه واشترط عليه أن يقبلها ولا يردّها، رمى بها إليه؛ فلمّا أخذها الزّبير، ونظر إليها، إذا هي رديئةٌ، فقال: لا أريدها؛ فقال عمر: أيهات، قد فرغت منها؛ فأجازه عليها وأبى أن يقبلها منه.
٣٢ - عن حنش بن المعتمر أن رجلين أتيا امرأة من قريش، فاستودعاها مئة دينار، وقالا: لا تدفعيها إلى واحدٍ منا دون صاحبه حتى نجتمع، فلبثا حولًا، فجاء أحدهما إليها، فقال: إنّ صاحبي قد مات، فادفعي إلىّ الدنانير؛ فأبت، [وقالت: إنّكما قلتما لا تدفعيها إلى واحدٍ منّا دون صاحبه، فلست بدافعتها إليك؛ فتثقّل عليها بأهلها وجيرانها،] فلم يزالوا بها حتّى دفعتها إليه. ثمّ لبثت حولًا، فجاء الآخر، فقال: ادفعي إليّ الدنانير؛ فقالت: إنّ صاحبك جاءني، فزعم أنّك متّ، فدفعتها إليه؛ فاختصما إلى عمر بن الخطاب، فأراد أن يقضي عليها، فقالت: أنشدك الله أن تقضي بيننا، ارفعنا إلى عليّ؛ فرفعهما إلى عليّ، فعرف أنّهما قد مكرا بها، فقال: أليس قلتما: لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه؟ قال: بلى؛ فقال عليّ: مالك عندنا، فجئ بصاحبك حتى تدفعها إليكما.
٣٣ - عن أسامة بن زيدٍ، عن أبيه، عن جده، قال: كان عمر بن الخطّاب يعدّ للنّاس خرقًا وخيوطًا؛ فإذا أعطى الرجل عطاءه
1 / 52
في يده أعطاه خرقةً وخيطًا، وقال له: اربط ذهبك، وأصلح مويلك، فإنّك لا تدري كم يدوم هذا لك ﴿فأدخل عليه رجلٌ يقاد؛ فأعطاه، فكأنه استقله، فقال عمر لقائده: اخرج به؛ فخرج به، ففرشها، ثمّ دعاه، فقال: خذ هذه كلّها؛ فجمعها، وخرج فرحًا.
٣٤ - عن عبد الله بن عاصم بن المنذر، قال: تزوّج عبد الله بن أبي بكر الصديق عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت حسناء، ذات خلقٍ بارعٍ، فشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها، فطلّقها؛ وقال:
(ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير جرمٍ تطلّق)
فرق له أبوه، وأمره فراجعها، ثمّ ثم شهد مع رسول الله [ﷺ] غزاة الطائف، فأصابه سهمٌ، فمات منه، فقالت عاتكة:
(رزيت بخير الناس بعد نبيهم ... وبعد أبي بكرٍ وما كان قصّرا)
(وآليت لا تنفك عيني حزينةً ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا)
(فلله فلله عينًا من رأى مثله فتىّ ... أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا)
(إذا شرعت فيه الأسنّة خاضها ... إلى الموت حتى حتى يترك الرمح أحمرا)
ثم تزوّجها عمر بن الخطاب، فأولم، وكان فيمن دعا علي بن أبي طالب؛ فقال: يا أمير المؤمنين﴾ دعني أكلم عاتكة؛ فقال: كلّمها؛ فأخذ عليّ بجانب الخدر، ثم قال؛ يا عديّة نفسها:
(وآليت لا تنفك عيني قريرةً ... عليك ولا ينفك جلدي أصفرا)
1 / 53
فبكت، فقال عمر: ما دعاك إلى هذا؟ كل النساء يفعل هذا.
٣٥ - قال يهودي لأمير المؤمنين علي: ما دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار: منّا أميرٌ ومنكم أميرٌ ﴿فقال له عليٌ: أنتم ما جفّت أقدامكم من البحر حتى قلتم: اجعل لنا إلهًا﴾
٣٦ - عن أبي مليكة، قال: قال ابن الزبير لابن جعفر: أتذكر إذ تلقينا رسول الله [ﷺ]، أنا وأنت وابن عباس، قال: نعم، فحملنا وتركك.
٣٧ - عن أبي رزين، قال: سئل العباس: أنت أكبر أم رسول الله [ﷺ]؟ قال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله.
٣٨ - عن مجاهد، قال: بينا رسول الله [ﷺ] في أصحابه، إذ وجد ريحًا، فقال: " ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ "، فاستحيا الرجل، ثمّ قال: " ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ، فإن الله لا يستحيي من الحق " فقال العباس: ألا نقوم، يا رسول الله؛ كلنا نتوضأ؟
٣٩ - عن ابن عباس: وروي مثل هذه القصة في خلافة عمر، فقال جرير: يتوضأ القوم كلهم؟ فقال عمر: نعم السّيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام.
1 / 54
٤٠ - عن عكرمة، أن عبد الله بن رواحة كان مضطجعًا إلى جنب امرأته، فخرج إلى الحجرة، فعرف جارية له، فانتبهت المرأة، فلم تره، فخرجت، فإذا هو يعرف الجارية، فرجعت فأخذت شفرةً، فلقيها ومعها الشفرة، فقال: مهيم؟ فقالت: مهيم ﴿أما إنّي لو وجدتك حيث كنت لوجأتك بها؛ قال: وأين كنت؟ قالت: تعرفها. قال: ما كنت﴾ قالت: بلى ﴿قال: فإن رسول الله [ﷺ] نهانا أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب؛ فقالت: اقرأه؛ فقال:
(أتانا رسول الله يتلو كتابه ... كما لاح مشهودٌ من الصبح ساطع)
(أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقناتٌ أنّ ما قال واقع)
(يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع)
قالت: آمنت بالله وكذبت بصري. قال: فغدوت إلى رسول الله [ﷺ]، فأخبرته، فضحك حتى بدت نواجذه.
٤١ - عن أم سلمة، قالت: خرج أبو بكر في تجارةٍ إلى بصرى قبل موت رسول الله بعام، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكانا قد شهدا بدرًا، وكان نعيمان على الزّاد، وكان سويبط رجلًا مزاحًا، فقال لنعيمان: أطعمني﴾ قال: حتى يجيء أبو بكرٍ؛ قال: أما لأغيظنّك.
قال: فمروا بقومٍ، فقال لهم سويبط: تشترون مني عبدًا لي؟ قالوا: نعم؛ قال: إنّه عبد له كلامٌ، فهو قائل لكم: إنّي حرٌ، فإن
1 / 55
كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا علي عبدي ﴿قالوا: لا؛ بل نشتريه منك.
قال: فاشتروه بعشر قلائص.
قال: ثم أتوه، فوضعوا في عنقه عمامةً أو حبلًا، فقال نعيمان: إن هذا يستهزئ بكم، وإني حرٌ ولست بعبد﴾ فقالوا: قد أخبرنا خبرك؛ فانطلقوا به، فجاء أبو بكرٍ، فأخبروه بذلك، فاتبع القوم، فردّ عليهم القلائص، وأخذ نعيمان؛ فلمّا قدموا على النبي [ﷺ] أخبروه، فضحك النبي [ﷺ] وأصحابه منه حولًا.
٤٢ - عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين، فكرهوه، فعزله عنهم، فخافوا أن يردّه، فقال دهقانهم: اجمعوا مئة ألف درهم حتى أذهب بها إلى عمر وأقول له: إن المغيرة اختان هذا ودفعه إليّ؛ ففعلوا، فأتى عمر، وقال: إنّ المغيرة اختان هذا ودفعه إليّ؛ فدعا عمر المغيرة، وقال: ما يقول هذا؟ قال: كذب ﴿إنما كانت مئتي ألف﴾ قال: فما حملك على ذلك؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمر للعلج: ما تقول؟ قال: والله لأصدقنّك ﴿والله ما دفع إلي قليلًا ولا كثيرًا﴾ فقال عمر للمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ قال: الخبيث كذب عليّ، فأحببت أن أخزيه.
1 / 56
٤٣ - عن نافعٍ، قال: كان عبد الله بن عمر يمازح مولاة له، فيقول لها: خلقني خالق الكرام وخلقك خالق اللئام ﴿فتغضب وتصيح وتبكي، ويضحك عبد الله.
٤٤ - مازح معاوية الأحنف، فقال: يا أحنف﴾ ما الشيء الملفف في البجاد؟ قال: هو السخينة. أراد معاوية قول الشاعر:
(إذا ما مات ميتٌ من تميم ... فسرك أن يعيش فجئ بزادٍ)
(بخبزٍ أو بسمنٍ أو بزيتٍ ... أو الشيء الملفّف في البجاد)
يريد وطب اللبن. والبجاد: كساءٌ يلف فيه ذلك.
وأراد الأحنف ب " السخينة " أن قريشًا كانوا يأكلونها ويعيّرون بها، وهي أغلظ من الحساء وأرق من العصيد، وإنّما تؤكل في كلب الزمان وشدة الدهر.
٤٥ - وكان بين يدي معاوية ثريدةٌ كثيرةُ السمن، ورجلٌ يواكله، فخرقه إليه، فقال له: ﴿أخرقتها لتغرق أهلها﴾ [١٨ سورة الكهف / الآية: ٧١] . فقال: ﴿فسقناه إلى بلد ميت﴾ [٣٥ سورة فاطر / الآية: ٩] .
1 / 57
٤٦ - ولمّا قدم معاوية حاجًا تلقّته قريشٌ بوادي القرى، وتلقّته الأنصار بأجزاع المدينة، فقال لهم: ما منعكم أن تلقوني حيث تلقتني قريشٌ؟ قالوا: لم يكن دوابٌ؛ قال: فأين النواضحٌ؟ قالوا: أنضيناها يوم بدرٍ في طلب أبي سفيان.
٤٧ - وقال معاوية لعقيل: إن فيكم لشبقًا يا بني هاشم ﴿قال: هو منّا في الرجال، وهو منكم في النساء.
٤٨ - عن خبيب بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، قال: شهدت مع رسول الله [ﷺ]، فقتلت رجلًا، وضربني ضربةً، فتزوّجت بابنته بعد، فكانت تقول: لا عدمتُ رجلًا وشحك هذا الوشاح؛ فأقول: لا عدمت رجلًا عجّل أباك إلى النار.
٤٩ - قال معاوية لعبد الله بن عامر: إن لي إليك حاجةٌ، أتقضيها؟ قال: نعم﴾ ولي إليك حاجةٌ، أتمضيها؟ قال: نعم؛ قال: سل حاجتك، قال: أريد أن تهب لي دورك وضياعك بالطائف؛ قال: قد فعلت؛ قال: وصلتك رحمٌ، فسل حاجتك؛ قال: أن تردها عليّ؛ قال: قد فعلت.
1 / 58
٥٠ - قال رجلٌ لأبي الأسود الدؤلي: أشهد معاوية بدرًا؟ فقال: نعم، من ذاك الجانب.
٥١ - روى سعيدٌ المقبري، عن أبي هريرة، أنّه قال: " لا يزالً العبدُ في صلاةٍ ما لم يحدث " فقال رجلٌ من القوم أعجمي: ما الحدثُ يا أبا هريرة؟ قال: الصوت، قال: وما الصوت؟ فجعل أبو هريرة يضرط بفيه حتى أفهمه.
1 / 59
(القسم الثالث)
فيما يروى عن العلماء والحكماء
٥٢ - عن شيخ من قريش، قال: عرض شريحٌ ناقةً لبيعها، فقال له المشتري: يا أبا أميّة ﴿كيف لبنها؟ قال: احلب في أيّ إناءٍ شئت؛ قال: كيف الوطاء؟ قال: افرش ونم؛ قال: فكيف نجاؤها؟ قال: إذا رأيتها في الإبل عرفت مكانها؟ قال: كيف قوتها؟ قال: احمل على الحائط ما شئت. فاشتراها، فلم ير شيئًا مما وصفها به، فرجع إليه، فقال: لم أر شيئًا مما وصفتها به﴾ قال: ما كذبتك؛ قال: أقلني؛ قال: نعمٌ.
٥٣ - عن أبي القاسم السلمي، عن غير واحدٍ من أشياخه، أن شريحًا خرج من عند زيادٍ وهو مريضٌ، فأرسل إليه مسروقٌ بن الأجدع رسولًا، فقال: كيف تركت الأمير؟ قال: تركته يأمر وينهى. قال: يأمر بالوصية وينهي عن النياحة.
٥٤ - عن زكرياء بن أبي زائدة، قال: كنت مع الشعبي في
1 / 60
مسجد الكوفة، إذ أقبل حمّال على كتفه كودن، فوضعه، ودخل إليه، فقال: يا شعبي ﴿إبليس كانت له زوجةٌ؟ قال: ذاك عرسٌ ما شهدته، قال: هذا عالم العراق يسأل عن مسألةٍ فلا يجيب﴾ فقال: ردّوه، نعم له زوجةٌ، قال الله ﷿: ﴿أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني﴾ [١٨ سورة الكهف / الآية: ٥٠] ولا تكون الذّرّيّة إلا من زوجةٍ. قال: فما كان اسمها؟ قال: ذاك إملاكٌ ما شهدته.
٥٥ - عن عبد الله بن عياش، قال: جلس الشعبي على باب داره ذات يوم، فمرّ به رجلٌ، فقال: أصلحك الله! إني كنت أصلي، فأدخلت إصبعي في أنفي، فخرج عليها دمٌ، فما ترى: أحتجم أم افتصد؟ فرفع الشعبي يديه، وقال: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
٥٦ - أقر رجلٌ عند شريح، ثم ذهب لينكر، فقال له شريحٌ: قد شهد عليك ابن أخت خالتك.
٥٧ - روى عامرٌ الشعبي يومًا: أن النبي [ﷺ]، قال: " تسحروا، ولو أن يضع أحدكم إصبعه على التراب ثمّ يضعه في فيه ". فقال رجلٌ: أيّ الأصابع؟ فتناول الشعبيّ إبهام رجله، وقال: هذه.
1 / 61
٥٨ - ولقيه رجلٌ وهو واقفٌ مع امرأةٍ يكلّمها، فقال الرجل: أيّكما الشّعبيّ؟ فأومأ الشعبيّ إلى المرأة، وقال: هذه.
٥٩ - وسأله رجلٌ عن المسح على اللّحية في الوضوء، فقال: خلّلها بأصابعك. فقال: أخاف أن لا تبلّها ﴿قال: فانقعها من أوّل اللّيل.
٦٠ - ودخل الشعبي على عبد الملك، فقال له: كم عطاءك؟ قال: ألفي درهم. فقال: لحن العراقي؛ ثم رد عليه، فقال: كم عطاؤك؟ قال ألفًا درهم. قال: ألم تقل: ألفي درهم﴾ فقال: لحن أمير المؤمنين فلحنت، لأني كرهت أن يكون راجلًا وأكون فارسًا.
٦١ - ودخل الشعبي الحمام، فرأى داود الأوديّ بلا مئزر، فغمض عينيه، فقال له داود: متى عميت يا أبا عمرو؟ قال: منذ هتك الله سترك.
٦٢ - وجاء رجلٌ إلى الشعبي، فقال: اكتريت حمارًا بنصف درهم، وجئتك لتحدّثني؛ فقال له: أكتر بالنصف الآخر وارجع، فما أريد أن أحدثك.
٦٣ - وقيل للشعبي: هل تمرض الروح؟ قال: نعم! من ظل الثقلاء.
1 / 62