============================================================
أقنعث هذه النبوءة المغرية مرداويج، فعمل على تحقيقها. يقول ابن الأثير كان قد عمل تاجا مرصعا على صفة تاج كسرى، وقد عزم على قصد العراق الا والاستيلاء عليه، وبناء المدائن ودور كسرى ومساكنه، وأن يخاطب، إذا فعل ذلك، بشاهنشاه "(1) . بعبارة أخرى، كان يريد القضاء على ملك العرب، وإحياء التراث الفارسي القديم، ولا سيما طيسفون عاصمة الساسانيين في العراق. فهل ال من المعقول أن يتقرب إليه رجل مثل أبي حاتم كان يعتقد أن الله أعطى للعرب من الفضائل في اللغة والأدب ما لم يعطه لأية أمة أخرى؟
من ناحية أخرى، كان الإسماعيليون في خراسان قد انقسموا إلى اتجاهين متناقضين تناقضا كبيرا؛ اتجاه أول يمثله النسفي وتلاميذه، أي أبو تمام النيسابوري وأبو يعقوب السجستاني، وهؤلاء يرون أن القائم سينسخ، إذا ظهر، الشريعة ال الإسلامية، وكانوا مقتنعين تماما بقرب ظهوره، ويستحدث شريعة جديدة؛ واتجاه ثان يمثله أبو حاتم الرازي نفسه يرى أن القائم لا يستحدث أية شريعة، بل يقتصر دوره على كشف باطن الشريعة الإسلامية. وقد كرس أبو حاتم كتابه "الإصلاح" لنقد الاتجاه الإسماعيلي المتطرف عند النسفي وأتباعه. وسنعود مفصلا فيما بعد الى بحث مذهب أبي حاتم في الإسماعيلية، لكننا نشير هنا إلى أن الاتجاه الذي حظي برضا مرداويج هو حلقة النسفي من خصوم أبي حاتم. يقول التوحيدي في معرض الحديث عن التوفيق بين الشريعة والفلسفة: "وكذلك رام أبو تمام النيسابوري، وخدم الطائفة المعروفة بالسبعية، ولجأ إلى مطرف بن محمد، وزير مرداويج الجيلي، ليكون له به قوة، وينطق بما في نفسه من هذه الجملة، فما زادته الا صغرا في قدره، ومهانة في نفسه، وتواريا في بيته"(2) .
مهما يكن الأمر، يبدو أن مرداويج جن جنونا فعليا بهذه الانتصارات السريعة غير المتوقعة. وبعد أن بنى عرشا ذهبيا مذهلا، صار يعلن أنه سليمان بن داود، وأن الأتراك في رعيته هم الشياطين الذين يجب أن يعاقبهم . كان جيش مرداويج (1) الكامل في التاريخ 172/9.
(2) التوحيدي : الإمتاع والمؤانسة 15/2 . والعبارة في الأصل : (الطائفة المعروفة بالشيعية) .
পৃষ্ঠা ২৭