قررت كاثي أن تذهب إلى دكان البقالة قبل توصيل البنات من المدرسة إلى المنزل؛ إذ قالت في نفسها إن المرء لا يستطيع أن يعرف متى يتزاحم الناس لشراء الضروريات قبل وصول العاصفة، وأرادت أن تتجنب مثل ذلك التزاحم.
ذهبت إلى المرآة لتسوية الحجاب، ونظفت أسنانها بالفرشاة، وتركت المنزل. لم يكن الأمر يشغل بالها كثيرا؛ ولكن كل مرة تخرج فيها إلى دكان البقالة أو المركز التجاري كانت تجازف بإمكان مواجهة لون ما من ألوان الإساءة. ويبدو أن تواتر هذه الأحداث كان مرتبطا إلى حد ما بالأحداث الجارية، والصورة العامة التي ترسمها أجهزة الإعلام للمسلمين في ذلك الأسبوع أو ذلك الشهر، وقد ازدادت شحنة التوتر قطعا بعد أحداث 11 سبتمبر عما كانت عليه قبلها، ثم ساد الهدوء بضع سنوات، ولكن حادثة محلية وقعت في عام 2004 أضرمت النار من جديد.
ففي مدرسة وست جيفرسون الثانوية، دأب معلم التاريخ على مضايقة طالبة في الصف العاشر باستمرار؛ لأنها كانت ذات أصول عراقية، كان يقول إن العراق من «بلدان العالم الثالث»، ويقول إنه يقلق لأن الطالبة قد «تفجر فينا القنابل» إذا عادت يوما ما إلى العراق. وفي فبراير من ذلك العام، أثناء أداء الامتحانات، نزع المدرس حجاب الفتاة قائلا: «أرجو أن يعاقبك الرب. لا! آسف! أرجو أن يعاقبك الله!» ونشرت أنباء الحادثة على نطاق واسع، ورفعت الطالبة قضية على المعلم، وأوصى رئيس المنطقة التعليمية التي تتبعها المدرسة بإنهاء خدمته، ولكن مجلس إدارة المدرسة ألغى الحكم وحكم بإيقافه عن العمل عدة أسابيع ثم عاد إلى المدرسة.
وبعد صدور ذلك القرار حدث ارتفاع في معدل وقوع المضايقات الطفيفة للمسلمين في تلك المنطقة. وكانت كاثي تدرك أنها تدعو إلى مضايقتها بخروجها بالحجاب، وكانت عادة جديدة قد نشأت في ذلك الوقت، يمارسها المراهقون من الصبية أو من يفكرون مثلهم، ألا وهي التسلل من خلف المرأة التي تلبس الحجاب واختطافه والجري به.
وذات يوم حدث ذلك لكاثي، كانت تتسوق مع أسما، وهي صديقة مسلمة لا تلبس الحجاب، وكانت أسما أصلا من الجزائر، واستمرت تقيم في الولايات المتحدة عشرين سنة، وكان الناس عادة يتصورون أنها إسبانية، وعندما خرجت كاثي وأسما من المركز التجاري، كانت كاثي تحاول أن تذكر أين أوقفت سيارتها، وكانت أسما على الرصيف، وعين كاثي لا تتحول عن صفوف العربات البراقة، عندما نظرت أسما إليها نظرة غريبة، قائلة: «كاثي! من خلفك فتاة!»
كانت فتاة في نحو الخامسة عشرة تقبع خلف كاثي ويدها مرفوعة توشك أن تختطف الحجاب من فوق رأسها.
وأدارت كاثي رأسها وصرخت فيها: «لديك مشكلة؟»
وانزوت الفتاة وتسللت مبتعدة لتلحق بمجموعة من البنين والبنات من أترابها، وكلهم يرقبون، وعندما لحقت بأصدقائها وجهت بعض الألفاظ المنتقاة إلى كاثي، وضحك أصدقاؤها وحاكوها، فأمطروا كاثي بوابل من الشتائم البالغة التنوع.
من المحال أن يكون الأولاد والبنات قد توقعوا أن ترد كاثي عليهم. ولا شك في أنهم كانوا يتصورون أن المرأة المسلمة التي يفترض فيها الخضوع والحياء في استخدام اللغة الإنجليزية سوف تسمح بانتزاع حجابها من رأسها دون رد. ولكن كاثي أطلقت عليهم سيلا من قذائف الألفاظ اللاذعة التي أذهلتهم وعقدت ألسنتهم عدة لحظات.
وفي أثناء رحلة العودة إلى المنزل كانت كاثي نفسها جازعة مما قالته، كانت قد نشأت في بيئة يكثر فيها استخدام الشتائم، وكانت تعرف كل كلمة وكل تعبير مسيء، ولكنها لم تستخدم أيا من ذلك منذ أن أصبحت أما، ومنذ اعتناقها الإسلام، إلا مرة أو مرتين، ولكن هؤلاء الأطفال كانوا في حاجة إلى أن يتعلموا درسا ، فلم تبخل به عليهم.
অজানা পৃষ্ঠা