169

لم يكن يعرف أسلوب عمل السجن، أو أسلوب عمل أي سجن، ولكنه شاهد أفلاما يسير فيها المحامون داخل عنابر السجن، ويسير فيها الزوار أيضا، كان يحتاج إلى مقابلة شخص كهذا، أي شخص من العالم خارج السجن، أي شخص يتعطف ويبدي بعض الرحمة.

وأخبر الرجال في الزنزانة بعضهم بعضا كيف انتهى الأمر بهم إلى سجن هنت. كانوا جميعا قد قبض عليهم في نيو أورلينز بعد العاصفة، قالوا: إن هذا الجناح كله من السجن يئوي سجناء كاترينا. قال أحدهم: «كلنا تابعون للوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ.» كان اثنان قد قبض عليهما بتهمة نقل الأثاث، في ظروف لا تختلف عن ظروف زيتون.

قال أحدهم إنه من عمال المرافق الصحية من مدينة هيوستن، وكانت الشركة التي يعمل فيها قد أبرمت عقدا في أعقاب العاصفة مباشرة للحضور إلى نيو أورلينز والشروع في تنظيف المدينة، وكان يسير صباح ذات يوم من فندقه إلى شاحنته عندما توقفت بجواره شاحنة تابعة للحرس الوطني، وقبض عليه فورا، ووضعت يداه في القيود الحديدية وأحضر إلى معسكر جراي هاوند.

كانت تلك أول مرة يقبض فيها عليه، وكان أشد الموجودين حيرة وبلبلة، وكان هؤلاء السجناء يعتبرون أنهم يقضون «عقوبات كاترينا»، وهو التعبير الذي ابتكروه، فهو لم يحضر إلى نيو أورلينز إلا بناء على أوامر شركته، وكان عمله الأصلي جمع القمامة في هيوستن، ولكن حدث بعد الإعصار أن قال المشرف على عمله في الشركة إنهم قد وقعوا عقدا للعمل في نيو أورلينز، وقال هذا السجين في نفسه: قد يكون من الطريف مشاهدة ما آلت إليه المدينة، كما كان يريد المساعدة في تنظيفها، فذهب إليها طائعا مختارا. كان عند القبض عليه يلبس الزي الرسمي، ومعه بطاقته الشخصية، ومفاتيح شاحنته، وكل شيء، ولكنه لم يفلح في إقناع أحد؛ إذ وجهت إليه تهمة السلب والنهب، ووضع في الأقفاص خلف محطة الأوتوبيس.

وقال أحد زملاء الزنزانة إنه كان من عمال المطافى في نيو أورلينز، وإنه ظل في المدينة لأن الإدارة طلبت منه البقاء، وكان في فناء إدارة المطافئ عندما مرت به سيارة جيب وألقى من فيها القبض عليه، متهمين إياه بالسلب والنهب، ووضعوه في خلفية السيارة وأحضروه إلى معسكر جراي هاوند.

وعرف زيتون أن معظم الذين أحضروا إلى معسكر جراي هاوند قد وجهت إليهم التهم بأسلوب نمطي، لا يكاد يختلف؛ إذ أحضرت غالبيتهم إلى محطة الأوتوبيسات في صباح اليوم التالي للقبض عليهم، وكانت محكمة مؤقتة قد أنشئت في مكتب بالطابق الثاني، وكان فيها قاض ومحام واحد على الأقل، وقرئ على المقبوض عليهم نص التهمة، وعرضت على معظمهم صفقة، فإذا لم ينكروا التهمة حكم عليهم بارتكاب مخالفة وعقوبة لا تزيد على أداء بضع ساعات في خدمة المجتمع، تبدأ فورا. وكان بعض الذين قبلوا أن يعقدوا الصفقة - بحيث أصبحت لهم صفحة سوابق دائمة - يساقون مباشرة إلى قسم الشرطة في وسط المدينة؛ حيث يشرعون في إصلاح المكاتب التي أصيبت بأضرار ويعيدون طلاءها.

كان الألم الحاد الذي يخز زيتون في جنبه وأحس به أول الأمر في معسكر جراي هاوند، قد تضاعف الآن عشرة أضعاف، كان يشعر كأن مفكا طويلا يدار ببطء مخترقا كليته، كان يصعب عليه الجلوس والوقوف والرقاد، وكلما غير وضعه كان يحس الراحة خمس دقائق قبل أن يعود الألم، لم يكن من الذين تقلقهم هذه الأمور، ولكن إحساسه بهذا كان مختلفا. خطرت بباله ألوان العدوى، أي الأمراض الكثيرة التي ذكرتها كاثي أثناء محاولتها إقناعه بمغادرة المدينة، كان يحتاج إلى المساعدة. •••

لاحظ أن إحدى الممرضات تمر داخل العنبر مرة واحدة في اليوم، وتدفع أمامها عربة زاخرة بالأدوية، وتقدم حبوب الدواء للسجناء.

وأوقفها زيتون حالما مرت أمام زنزانته، وأخبرها بما يكابده من ألم.

وسألته: «هل معك روشتة؟»

অজানা পৃষ্ঠা