وبعد تلك الفترة ضعفت العلاقات بين زيود الخزر وزيود اليمن، ولكنها لم تنقطع بالكامل. وفي عام 674ه/1275 -1276م، دعا الإمام اليمني المتوكل على الله المطهر بن يحيى - طبقا لمصدر يمني - الجيلانيين والديلميين لإعلان ولائهم له، وقد اعترف به بعض علمائهم(1). ولا شك أن المزيد من الدراسات لأعمال زيود اليمن في ذلك العصر قد تكشف مزيدا من المعلومات عن المجتمع الخزري، رغم أنه يبدو من غير المحتمل العثور على مزيد من وثائق مطولة من النوع الذي حققناه هنا. إن تاريخ زيود الخزر خلال معظم القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي ما زال - على ضوء غياب مصادر غير زيدية - مبهما على وجه الخصوص. أما في بداية القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي فإن وصف أبي القاسم كاشاني لجيلان يقدم على الأقل بعض المعلومات بشأن بقاء الأسر العلوية الحاكمة في تلك المنطقة(2). وفي النصف الثاني من القرن يعطي ظاهر الدين مرعشي في كتابه "تاريخ جيلان وديلميستان" (والذي ضاعت أجزاؤه الأولى لسوء الحظ) صورة أوضح لانتشار الزيدية في المنطقة والدور الذي مازالت تلعبه في التطورات السياسية. هذا وقد ذكر السيد علي بن أمير كيائي ملاطي، وهو من ذرية السيد علي بن محمد الغزنوي، في رسالة ليوسف الجيلاني أنه طبقا للتعاليم الزيدية الحقيقية قد آل على نفسه واجب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" مؤيدا بجماعة من العلويين والزيود النادمين التائبين. وعندما استولى على لاهيجان (769ه/1368م) أعلن علماء الزيود في البلدة رسميا ولاءهم له كإمامهم الشرعي، شاهدين باستيفائه لشروط الإمامة الخمسة(1)، وكان هناك متمرد واحد هاجر إلى رشت(2). وبعد وفاة السيد علي (781ه/1379-1380م)، سرعان ما حكم خلفاؤه بشكل منفرد معتمدين على قاعدة الحكم بالوراثة بين أفراد الأسرة الحاكمة. وإن المرء ليشك إن كان أي منهم قد استوفى التأهيل التعليمي في العلوم الدينية وهو من الشروط اللازمة في الإمامة الزيدية، هذا ولم يكشف لنا ظاهر الدين شيئا عن موقف علماء الزيود من هؤلاء الحكام اللاحقين من أسرة أمير كيائي، ويبدو في أغلب الظن أنهم أيدوهم على أنهم حكام صالحون من الذرية العلوية في غياب أي مطالب مؤهل بالإمامة كما حدث في العصور السابقة. أما أن تدريس التعاليم الزيدية قد ظل حيا وقويا خلال تلك المرحلة وخلال العقود الأولى من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، فهو أمر تأكد الآن بشهادة عدد من الوثائق التي كتبها المجتمع الزيدي الخزري في مرحلته الأخيرة والتي ظهرت حديثا إلى دائرة الضوء. وهذه الوثائق مرتبة ترتيبا مميزا، وتضم عددا من الملاحظات والحواشي معظمها باللغة الفارسية أو باللهجات المحلية، مبعثرة فوق الصفحة، وتتصل الحاشية بالكلمة المعنية في متن النص من خلال خط يربطهما. وبين هذه الوثائق نسختان من "كتاب الإبانة" لأبي جعفر الهوسمي، وكان قاضيا في فترة حكم الإمام أبي طالب الناطق بالحق، وكان الكتاب عن التعاليم الشرعية طبقا للناصر الأطروش مع تعليقات مفصلة(1) وعدد من التفسيرات القرآنية المعتمدة على المذهب الزيدي(2) . ومخطوطات هذه المدرسة تؤكد أيضا تحول المجتمع الزيدي الخزري للشيعة الإمامية في النصف الأول من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي. وكان آخر تفسير للقرآن(1) أخرجته هذه الجماعة، والذي اكتمل عام 961ه/1554م، قد خلا من أية آثار للتعاليم الزيدية، وقد احتوى في بعض الأحيان على التعاليم الإمامية(2). وطبقا لنور الله شوشتري فإن أمير "كيا" السلطان أحمد خان وغالبية مواطنيه الزيود قد تركوا المذهب الزيدي عام 933ه/ 1526-1527م(3).
لقد قدمت المخطوطات اليمنية الكثير من المعلومات الجديدة عن تاريخ المجتمع الزيدي الخزري حتى القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، والتي لم تتوفر لدينا من مصادر أخرى. وبالفعل، بعد منتصف القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وبعد أن انتهت الإشارات المتكررة لابن اسنفديار عن التطورات في ديلمان وجيلان، وفرت المصادر اليمنية المرجع الوحيد عن الحكم العلوي في تلك المنطقة.
পৃষ্ঠা ৭