لعلَّ العيونَ الرَّمِقاتِ لودِّنا ... تُكذِّبُ عنَّا أوْ تنامُ فتغفلُ
أناسٌ أمنَّاهمْ فنمُّوا حديثَنا ... فلمَّا كتمْنا السِّرَّ عنهمُ تقوَّلوا
فما حفظُوا العهدَ الَّذي كانَ بينَنا ... ولا حينَ همُّوا بالقطيعةِ أجمَلوا
فقلتُ وقدْ ضاقتْ بلادِي برُحْبها ... عليَّ بما قدْ قيلَ والعينُ تهملُ
سأجتنبُ الدَّارَ الَّتي أنتمُ بها ... ولكنَّ طرفِي نحوَها سوفَ يُعملُ
ألمْ تعلمِي أنِّي وهل ذاكَ نافِعِي ... لديكِ وما أُخفِي منَ الودِّ أفضلُ
أرَى مستقيمَ الطَّرفِ ما الطَّرفُ أَمَّكمْ ... وإنْ رامَ طرفِي غيركمْ فهوَ أحولُ
وقال آخر:
ألا طرقتْنا آخرَ اللَّيلِ زينبٌ ... عليكِ سلامٌ هلْ لِما فاتَ مطلبُ
وقالتْ تجنَّبنا ولا تقرَبَنَّنا ... فكيفَ وأنتمْ حاجَتِي أتجنَّبُ
وقال آخر:
اللهُ يعلمُ ما ترْكي زيارتكمْ ... إلاَّ مخافةَ أعدائِي وحرَّاسِي
ولوْ قدرتُ علَى الإتيانِ جئتكمُ ... سبحًا علَى الوجهِ أوْ مشيًا علَى الرَّأسِ
وقال آخر:
عُقيلِيةٌ أمَّا مَلاتَ إزارِها ... فدِعْصٌ وأمَّا خصرُها فثقيلُ
تقيظُ بأكنافِ الحِمَى ويظلُّها ... بنُعمانَ منَ وادِي الأراكِ مَقيلُ
أيا مَنْ كتمْنا حبَّها لمْ نُطعْ بهِ ... عدوًّا ولم يُؤمنْ عليهِ دخيلُ
ويا خلَّةَ النَّفسِ الَّتي ليسَ دونَها ... لنَا مِنْ أخلاَّءِ الصَّفاءِ دخيلُ
أمَا مِنْ مقامٍ نشتكِي غُربةَ النَّوى ... وخوفَ العِدَى فيهِ إليكِ سبيلُ
فديتكِ أعدائِي كثيرٌ وشُقَّتي ... بعيدٌ وأشياعِي إليكِ قليلُ
وكنتُ إذا ما جئتُ جِئتُ بعلَّةٍ ... فأفنيتُ علاَّتي فكيفَ أقولُ
فما كلَّ يومٍ لي بأرضِكِ حاجةٌ ... ولا كلَّ يومٍ لي إليكِ رسولُ
أليسَ قليلًا نظرةٌ إنْ نظرتُها ... إليكِ وكلٌّ منكِ ليسَ قليلُ
وقال البحتري:
قدَّمتَ قُدَّامي رجالًا كلُّهمْ ... متخلِّفٌ عنْ غايتِي مُتقاعسُ
وأذلتَنِي حتَّى لقدْ أشمتَّ بِي ... مَنْ كانَ يحسدُ منهمُ ويُنافسُ
أوعدْتَني يومَ الخميسِ وقدْ مضَى ... مِنْ بعدِ موعدكَ الخميسَ الخامسُ
وأنشدني أحمد بن أبي طاهر لنفسه:
إذا كنتَ لا تحفَى بقُربِي ولا بُعدِي ... ولمْ تدرِ ما عِندي وقدْ جلَّ ما عِندِي
فهلْ أنتَ إنْ حكَّمتُ جودكَ منصفٌ ... فما لي عليهِ غيرُ جودكَ مِنْ مُعدِ
أبَى الحقُّ أنْ يخفَى وأقضِي ولا أرَى ... بجودكَ يومًا في سعيدٍ ولا سعدِ
ويدفعُ في صدرِي حجابكَ بعدَما ... أكونُ وما قبلِي لأُنسٍ ولا بعدِي
فما لِي قدْ أُبعدتُ عنكَ وطالَما ... دعوتُ فلمْ تُبعدْ نداكَ علَى بُعدِي
وأصبحتُ قدْ شوركتُ فيك ولمْ نزلْ ... كغُصنينِ في ساقٍ وسيفينِ في غمدِ
أللجدِّ هذا منكَ أمْ أنتَ مازحٌ ... فكمْ مِنْ مُزاحٍ عادَ يومًا إلى الجدِّ
وليسَ دوامُ الشُّكرِ يومًا بواجدٍ ... لمنْ لمْ يدمْ منهُ الوفاءُ علَى العهدِ
ولبعض أهل هذا الزمان:
بعينيكَ ما ألقَى إذا كنتَ حاضرًا ... وإنْ غبتَ فالدُّنيا عليَّ محابسُ
ففيمَ أرَى نفسِي لقًى بفنائكمْ ... ولا مَنْ يُدانيني لديكمْ مُؤانسُ
أتحجُبُني أنْ قلتَ تحسدُ مَنْ بغَى ... هوايَ ومَنْ أحفَى بهِ وأُوانسُ
أجلْ إنَّ مَنْ يبغِي هواكَ محسَّدٌ ... عليكَ ومنْ يهوَى هواهُ منافسُ
إذا لمْ أُنافسْ في هواكَ ولمْ أغَرْ ... عليكَ ففيمنْ ليتَ شِعرِي أُنافسُ
فلا تحتقرْ نفسِي وأنتَ حبيبُها ... فكلُّ امرئٍ يصبُو إلى مَنْ يُجانسُ
وقال جرير:
قتلْنَنا بعيونٍ زانَها مرضٌ ... وفي المراضِ لنا شجوٌ وتعذيبُ
حتَّى متى أنتَ مشغوفٌ بغانيةٍ ... صبٌّ إليها طوالَ الدَّهرِ مكروبُ
قدْ تيَّمَ القلبَ حتَّى زادهُ خَبَلًا ... مَنْ لا يكلِّمُ إلاَّ وهو محجوبُ
1 / 40