سلامٌ بعينٍ أوْ سلامٌ بحاجبٍ ... إذا ما بهِ لمْ تدرِ كيفَ تُشيرُ
وقال الأحوص بن محمد:
وقد جئتُ الطَّبيبَ لسُقمِ نفسي ... ليَشفيها الطَّبيبُ فما شفاها
وكنتُ إذا سمعتُ بأرضِ سُعدَي ... شفاني من سقامي أنْ أراها
فمنْ هذا الطَّبيبُ لسُقمِ نفسي ... سوى سُعدَي إذا شحطتْ نواها
وقال أيضًا:
أملامُ هلْ لمُتيَّمٍ تنويلُ ... أم قد صرمْتِ وغالَ ودَّكِ غولُ
لا تصرميني منْ دلالكِ إنَّهُ ... حسنٌ لديَّ وإنْ بخلتِ جميلُ
وقال البحتري:
ويحسنُ دلُّها والموتُ فيهِ ... وقد يُستحسنُ السَّيفُ الصَّقيلُ
أقولُ أزيدُ من سقَمٍ فؤادي ... وهلْ يزدادُ من قتلٍ قتيلُ
وقال آخر:
إنَّ الَّتي زعمتْ فؤادكَ ملَّها ... خُلِقتْ هواكَ كما خُلقْتَ هوًى لها
حجبتْ تحيَّتها فقلتُ لصاحبي ... ما كانَ أكثرَها لنا وأقلَّها
ولبعض أهل هذا العصر:
فإنْ تكنِ القلوبُ إذنْ تُجازَى ... وأسلُكْ في الهوَى سَننًا سويَّا
فما لِي أهوَى الثَّقَلينِ جمعًا ... عليكَ وأنتَ أكرمهمْ علَيَّا
عمرتُ سنينَ أسْتحفِي التَّصافِي ... ولا أرضَى منَ الوصلِ الرَّضيَّا
فلمْ تُقلعْ صروفُ الدَّهرِ حتَّى ... حُبستُ عنَ أنْ أجِي أوْ أنْ أُحيَّا
تبغَّضْ ما استطعتَ وعشْ سليمًا ... فأنتَ أحبُّ مخلوقٍ إليَّا
وقال أبو صخر الهذلي:
ويقرُّ عينِي وهيَ نازحةٌ ... ما لا يقرُّ يَمينَ ذِي الحلمِ
إنِّي أرَى وأظنُّ أنْ سترَى ... وضحَ النَّهارِ وعاليَ النَّجمِ
وهذه لعمري قناعة مفرطة في بابها وإن كانت مقصِّرة عن حال التَّمام لأن صاحب هذه الحال يستجلب بُعدًا لنفسه نسيم الوصال وما قصَّر عن هذا النحو الَّذي يقول:
أتانِي عنكِ سبُّكِ لِي فسُبِّي ... أليسَ جرَى بفيكِ اسمِي فحسْبي
فسُبِّي ما بدَا لكِ أنْ تسبِّي ... فماذا كلُّهُ إلاَّ لحبِّي
وقال آخر في هذا المعنى فما قصّر:
تعاللْتِ كيْ أُشجى وما بكِ علَّةٌ ... تُريدينَ قتلِي قدْ ظفرتِ بذلكِ
لئنْ ساءنِي أنْ نِلتِي بمساءةٍ ... لقدْ سرَّنِي أنِّي خطرتُ ببالكِ
وأنشدني أحمد بن يحيى أبو العباس:
يا أيُّها الرَّاكبُ الغادِي لطيَّتهِ ... عرِّجْ أُنبِّكَ عنْ بعضِ الَّذي أجدُ
ما عالجَ النَّاسُ مِنْ وجدٍ ألمَّ بهمْ ... إلاَّ وجدتُ بهِ فوقَ الَّذي وجدُوا
حسبِي رضاهُ وأنِّي في مسرَّتهِ ... وودِّهِ آخرَ الأيَّامِ أجتهدُ
ولعمري لقد أحسن الَّذي يقول ويقال أنَّه لأبي داود:
لا تنِلْني الرِّضا ولا تهوَ غيرِي ... فكفانِي بذاكَ نيلًا ورِفْقا
غايَتي أنْ أراكَ حيًّا وأُضحِي ... آمنًا أنْ تُعيرَ طرفكَ خلقَا
ثمَّ لا أستزيدُ منكَ ولا أطْ ... لبُ نيلًا ولوْ تقطَّعتُ عشقَا
ولبعض أهل هذا العصر في مثله:
أمرتَ ألاَّ أتشكَّى الهوَى ... وفعلُ ما تهواهُ مفروضُ
فلستُ أعدُو حدَّ ما قلتهُ ... حسبِي منَ التَّصريحِ تعريضُ
وكلُّ هذه الأحوال ناقصة عن حدِّ التَّمام على عجب أصحابها بها وافتخارهم بذكرها وتوهُّمهم أن قد تهيَّأ لهم على أنفسهم ما لم يتهيَّأ لغيرهم من صبرها لأحبابهم على الحظِّ اليسير من نوالهم وأتمُّ من هؤلاء في الحال وأحسن صبرًا على قليل النوال بل على ترك جميعه من رضي من النَّيل بسلامة محبوبه وكان ذلك نهاية مطلوبه.
وفي مثل ذلك يقول بعض أهل هذا العصر:
إلاَّ تكنْ في الهوَى أرويتَ مِنْ ظمإٍ ... ولا فككتَ منَ الأغلالِ مأسورا
لقد ذللتُ علَى محضِ الهوَى لكَ لا ... لأجلِ ما كانَ مرجوًّا ومدخورا
فحسبُ نفسِي عَنًا علمِي بوضِعِها ... منَ الهوَى وحسبُ أنْ كنتُ معذورَا
فأينَ أذهبُ بلْ ماذا أُريدُ منَ ال ... أيَّامِ أروِي عليها الإفكَ والزُّورا
وأنتَ ذاكَ وقلبِي ذا الَّذي ملكَتْ ... هواهُ نسُفْكَ إكراهًا وتخْييرا
لمْ يهوكَ القلبُ إنْ أظهرتَ أنتَ لهُ ... برًّا فيسلاكَ إذْ أظهرتَ تقصيرَا
1 / 38