ولمْ يرَنا كالئٌ كاشحٌ ... ولمْ يُفشَ منَّا لِذا البيتِ سِرْ
وقدْ رابَنِي قولُها يا هناهُ ... ويحكَ ألحقتَ شرًّا بشرْ
فما أدري من أي أمريه أعجب أمن خشية في نفسه أم من جهله بأمره يفرح بأن لم يرهم كاشحٌ ولم يفش لهم في البيت سرُّ وما عسى الكاشح لو رآهم إن كان يصنع بهم هل كان يستطيع أن يشيِّع عليهم إلاَّ بعض تشييعهم على أنفسهم.
ولعمري قد أحسن الَّذي يقول:
ما يبلغُ الأعداءُ مِنْ جاهلٍ ... ما يبلغُ الجاهلُ مِنْ نفسهِ
فأما هذا النحو من الشِّعر فلست أنشط لذكره لا من شِعر امرئ القيس ولا من شعر غيره فهو فعل خارج عن حدِّ الدِّيانة والمروءة وما خرج عن حدِّ هذين البابين تعدَّى عيبه من فاعله إلى ناشره ومستحسنه وأما ما ذكرناه في الباب الثامن من وصف اجتماع المحبّ مع محبوبه ومُسامحته له فيما يحور محبوبه فهو لعمري معيب ممَّن حكاه عن نفسه وعن صاحبه إلاَّ أنَّه عيبٌ لا ينهتك ستر المودَّة بمثله فمن أجل ذلك سامحنا بذكره وإن كانت مرتبة الكمال موجبة لغيره وكذلك نتساهل إن شاء الله في ذكر بعض ما وصفه المحبُّون من صور المحبوبين وإن كان فيه بعض الهجنة بهم فإنَّ فيه بعض المنفعة لغيرهم.
قال ذو الرمة:
لها بشرٌ مثلُ الحريرِ ومنطقٌ ... رخيمُ الحواشِي لا هُراءٌ ولا نزرُ
وعينانِ قالَ اللهُ كُونا فكانَتَا ... فعُولانِ بالألبابِ ما تفعلُ الخمرُ
وقال معن بن أوس:
ظعائنُ مِنْ أوسٍ ونُعمانَ كالدُّمى ... حواضرَ لمْ يُجزينَ عمًّا ولا بعْلا
أوانسُ يركضنَ المُروطَ كأنَّما ... يطأْنَ إذا استوسقنَ في جدَدٍ وَحْلا
وقال ابن مرداس:
وأهوتْ لتَنْتاشَ الرِّواقَ فلمْ تقمْ ... إليهِ ولكنْ طأْطأَتهُ الولائدُ
قليلةُ لحمِ النَّاظرينِ يَزِينُها ... شبابٌ ومخفوضٌ منَ العيشِ باردُ
تناهَى إلى لهوِ الحديثِ كأنَّها ... أخُو سقمٍ قدْ أسلمتْهُ العوائدُ
ترى القُرطَ منها في فِناهُ كأنَّهُ ... بمهلكةٍ لولا العُرَى والمعاقدُ
وقال قيس بن الحطيم:
ولمْ أرَها إلاَّ ثلاثًا علَى منًى ... وعهدِي بها عذراءُ ذاتُ ذوائبِ
تبدَّتْ لنا كالشَّمسِ تحتَ غمامةٍ ... بدَا حاجبٌ منها وضنَّتْ بحاجبِ
وقال محمد بن إبراهيم الأسدي:
وأصبحَ ما رجَّيتُ مِنْ أُمِّ واصل ... يُقطَّعُ إلاَّ حاجةً سأقولُها
رَقودُ الضُّحى مِبْسامةٌ لا يهمُّها ... صروفُ النَّوى تظعانُها وحُلولها
إذا ضحكتْ لمْ تنبسطْ وتبسَّمتْ ... حياءً ويكْفيها منَ الحلفِ قيلُها
وقال الضحاك بن عقيل العامري:
بأشنبَ صافٍ تعرفُ النَّفسُ أنَّه ... وإنْ لمْ يذقْ حُمشُ اللِّثاثِ عِذابُ
وكفٍّ كقِنوانِ النَّقا لا يضيرُها ... إذا أُبرزتْ أنْ لا يكونَ خضابُ
ومَتْنانِ يزدادانِ لينًا إذا مشتْ ... كما اهتزَّ مِنْ ماءِ السيولِ جَنابُ
وقال محمد بن بشير الخارجي:
وترَى مدامِعها تُرقرقُ مُقلةً ... سوداءَ ترغبُ عنْ سوادِ الأثمَدِ
خوْدٌ إذا كثُرَ الحديثُ تعوَّذتْ ... بحِمى الحياءِ وإنْ تكلَّمْ تقصُدِ
وقال الركاض الزبيدي:
وما أَثِرتْ حبِّي علَى نومةِ الضُّحى ... لها مهنةً يومًا ولا باكرتْ طعمَا
ولا أنْمَأَتْ يومًا حديثًا لجارةٍ ... تُعذِّرُ مِنْ إنمائهِ بعدَ ما يُنمَى
وقال صخر بن الجعد المحازي:
بنفسِي وأهلِي مَنْ إذا عرَّضوا لهُ ... ببعضِ الأذَى لمْ يدرِ كيفَ يُجيبُ
ولمْ يعتذرْ عذرَ البرِيِّ ولمْ تزلْ ... بهِ سكتةٌ حتَّى يقالَ مُريبُ
لقدْ ظلموا ذاتَ الوشاحِ ولمْ يكنْ ... لنا مِنْ هوَى ذاتِ الوشاحِ نصيبُ
سُقيتُ دمَ الحيَّاتِ إنْ كنتُ بعدَها ... محبًّا ولوْ عُنِّفتهُ لَحبيبُ
وقال سويد بن أبي كاهل:
حرَّةٌ تجلو شَتيتًا واضحًا ... كشعاعِ البرقِ في الغيمِ سطعْ
تمنحُ المرآةَ لونًا حسنًا ... مثلَ قرنِ الشَّمسِ في الضَّحوِ طلعْ
وقال إبراهيم النظام:
هوَ البدرُ إلاَّ أنَّ فيهِ رقائقًا ... منَ الحسنِ ليستْ في هلالٍ ولا بدرِ
1 / 28