يبدو أن هذا النوع من الطواحين قد انتشر واستخدم بكثرة في البصرة لكلفته الرخيصة وكفاءته العالية طوال أيام السنة، مقارنة بالطواحين المائية التي تعتمد على حركة التيار المائي فقط التي تتأثر بين الصيف والشتاء. وهو ما قد يفسر لنا لماذا حظيت البصرة فقط بظهور هذا النوع من الطواحين دون غيرها من المدن العراقية أو حتى العربية الأخرى التي تقع على ضفاف الأنهار.
شكل 5-1: لم يكن هناك تفصيل كاف في رواية المقدسي البشاري حول الطاحونة ومبدأ عملها؛ لذلك فإننا نرجح أن البصريين استخدموا طريقة التدفق السفلي كونها أسهل في البناء وتأمين عودة مياه الجزر.
كما تحدث سراج الدين أبو حفص عمر بن المظفر بن الوردي (توفي 852ه /1447م) عن تحكم أهل البصرة بالمد والجزر عن طريق حاجز (غالبا خشبي) فقال: «وقال الحافظ في المد والجزر بالبصرة: ما قولكم وظنكم بقوم يأتيهم الماء صباحا ومساء فإن شاءوا أذنوا له وإن شاءوا حجبوه.»
6
ونستدل من كلام ابن الوردي على أمر آخر هو أن اختيار موقع طاحونة المد والجزر كان يتم اختياره بعناية كبيرة ، خصوصا من ناحية صلابة الأرضية التي ستوضع عليها.
شكل 5-2: بناء على المعلومة التي أضافها إلينا ابن الوردي، فإننا نتوقع أن يكون تصميم طاحونة المد والجزر في البصرة وفق هذا الشكل التخيلي. حيث: (1) حاجز مياه المد. (2) قناة تصريف فرعية لتصريف الماء الفائض. (3) الناعورة ذات العنفات. (4) مكان الطاحونة. (5) جدار استنادي لمحور الناعورة. (6) قناة تصريف مياه المد بعد خروجها من الناعورة.
شكل 5-3: أحد أشكال الطواحين المائية التي كانت تستخدم لطحن القمح في مدينة مرند في أذربيجان، كما وصفها ورسمها لنا شيخ الربوة. ويبدو أن المبدأ نفسه قد تم تطبيقه في حالة طواحين المد والجزر. (مصدر الصورة: الدمشقي، شمس الدين أبو عبد الله، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، طبعة فرين وأغسطس بن يحيى مهرن، كوبنهاجن، 1865م، ص188.)
لا تزال ظاهرة المد والجزر تحدث عند شط العرب في البصرة كما يقول أنستاس ماري الألياوي الكرملي: «ومن أجل نعم الله تعالى على البصريين هي وجود «المد والجزر» في شط العرب فإن ماء «المد» يزورها كل أربع وعشرين ساعة مرتين فيسقي النخيل والأراضي (بدون استعمال آلات السقي أو نصب الكرود) وبعد أن تأخذ تلك البقاع قسطها من الري بفضل تلك النعمة الجليلة يرجع الماء من حيث أتى ثم يعود بعد اثنتي عشرة ساعة وأربع وعشرين دقيقة، فسبحان من تحيرت في صنعه العقول.»
7
ويبدو من كلام الكرملي أنه في أواخر القرن 19م لم يعد هناك أي ذكر لأي طاحونة تدار أو تستفيد من طاقة المد والجزر المهدورة هناك.
অজানা পৃষ্ঠা