(ولما رأينا البينَ قد جَدَّ جِدُّهُ ... ولم يبقَ إلاّ أنْ تزولَ الركائبُ) (١١٦)
(مررنا فسلَّمنا سلامًا مخالسًا ... فردَّت علينا أعينٌ وحواجبُ) (٥٦)
ويكون الجد: الحقّ، كقولك: جِد في الجِدِّ ودع الهزلَ. قال الشاعر:
(هزلتْ وجدَّ القولُ فاحتجبتْ ... فبقيت بين الجِدِّ والهزلِ) (٥٧)
ومن ذلك قولهم في القنوت: (ونخشى عذابَكَ إنَّ عذابك الجدَّ بالكفارِ مُلْحِقٌ) (٥٨) . معناه: إنّ عذابك الحقّ. ومنه قولهم: هو عالم جِدًاّ، بكسر الجيم، معناه: هو عالم حقًّا حقًّا. والعامة تُخطىء فتفتح الجيم، وأنشد الفراء:
(إنَّ الذي بيني وبينَ بني أبي ... وبينَ بني عَمِّي لمختلفٌ جِدًّا) (٥٩)
والوجه الثالث: قول الناس: ولا ينفع ذا الجِدّ منك الجِدّ بكسر الجيم، قال أبو بكر: قال أبو عبيدة (٦٠): هو خطأ، لأن الجد: الانكماش، والله ﷿ قد دعا الناس وأمرهم بالانكماش في طاعته فقال: ﴿قد أفلح المؤمنونَ الذينَ هم في صلاتِهم خاشعونَ﴾ (٦١) وقال: ﴿يا أيها الرسلُ كلوا من الطيباتِ واعملوا صالحًا﴾ (٦٢)، وقال: ﴿إنَ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ إنّا لا نضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عَملًا﴾ (٦٣) . قال أبو عبيد: ولا يجوز أن يأمرهم بالانكماش ويدعوهم إليه ثم يقول: لا ينفعهم انكماش. (١١٧)
قال أبو بكر: ولا أظن الذين رووا هذا بكسر الجيم ذهبوا إلى المعنى الذي أنكره أبو عبيد ولكنهم أرادوا: ولا ينفع ذا الانكماش / والحرص على الدنيا (١١ / أ) انكماشه وحرصه عليها، إنما ينفعه العمل للآخرة.
_________
(٥٦) الحماسة البصرة ٢ / ١٠٣ بلا عزو.
(٥٧) ك: واحتجبت. ولم أقف على البيت.
(٥٨) النهاية ٤ / ٢٣٨.
(٥٩) للمقنع الكندي في شرح ديوان الحماسة (م) ١١٧٩. وينظر الأضداد: ٢٠٧.
(٦٠) غريب الحديث ١ / ٢٥٨.
(٦١) المؤمنون ٢.
(٦٢) المؤمنون ٥١.
(٦٣) الكهف ٣٠.
1 / 23