বিদ্রোহী নেতা আহমেদ উরাবি
الزعيم الثائر أحمد عرابي
জনগুলি
لم يكن ثمة عدل ولا قانون، ولا قضاء ينتصف للمظلوم ويعطي كل ذي حق حقه، ولا حرية، ولا مساواة، ولا ضمانات قانونية تكفل للناس حقوقهم وحياتهم، وكان الضرب بالكرباج شائعا يتخذه الحكام وسيلة لتحصيل الأموال أو أداة للقسوة والتعذيب ... حقا أن رياض باشا أمر بإبطاله، ولكن أوامره في هذا الصدد لم تنفذ تنفيذا تاما، وبقي الكرباج في كثير من النواحي أداة للحكم. وكانت السخرة مضروبة على البلاد، ولم تكن مقصورة على المنافع والأعمال العامة، بل كانت تستخدم لاستصلاح أطيان ذوي السلطة والجاه من الحكام والأمراء، وكان النفي إلى أقاصي السودان عقوبة يعانيها الكثيرون لمجرد الشبهة أو النكاية. ذكرت جريدة «المونيتور إجبسيان» - الجريدة الرسمية الفرنسية للحكومة - أنه لما ألف شريف باشا وزارته بعد قيام الثورة العرابية، تقدمت له عرائض كثيرة من المحكوم عليهم بالنفي إلى السودان يطلبون رفع الظلم عنهم، وبلغ عددهم 912 منفيا، وهو عدد كبير يدلك على كثرة المظالم التي كان الناس يعانونها قبل الثورة، وقد تبين من تحقيق هذه الشكايات أن كثيرين من المنفيين كان يتقرر نفيهم لمجرد محضر موقع عليه من بعض الأفراد، باتهام أي شخص بأنه خطر أو لمجرد خطاب من أية سلطة محلية بهذا الاتهام. ولم تكن المظالم مقصورة على طبقة دون أخرى، بل كانت عامة، يعانيها العامة والخاصة، ولم يكن ينجو من شرها إلا من كانت تشملهم رعاية أولي الأمر، على أن هذه الرعاية لم تكن مضمونة البقاء، بل كثيرا ما تنقلب غدرا لغير ما سبب سوى أهواء الطغاة وتقلباتهم.
فالمصريون كانوا إذن يتطلعون إلى التخلص من نظام الحكم القائم، وقد أدركت الطبقة الممتازة من الأمة أن إصلاح هذا النظام إنما يكون بقيام الدستور وإنشاء مجلس نيابي يوطد مبادئ العدل والحرية، ويتحقق فيه معنى الرقابة على الحكام، ويحول دون ارتكاب المظالم ... فيأمن الناس على حقوقهم وعلى حياتهم. ومن هنا اتحدت الطبقة المثقفة من الأمة مع الضباط الوطنيين في الشعور والميول، وأجمع الكل على المطالبة بالمجلس النيابي. فالثورة العرابية كانت من هذه الوجهة ثورة على المظالم، وثورة على الحكم الاستبدادي.
وليس يخفى أن البلاد عرفت شيئا من النظام الدستوري من قبل، إذ أنشئ مجلس شورى النواب سنة 1866 على عهد إسماعيل. ولكنه كان مجلسا لا سلطة له، فلم يكن له أي أثر في رفع المظالم عن الأهلين، وقد بدأت روح الحياة والمعارضة تظهر بين أعضائه في أواخر عهد إسماعيل، وتطلعت أفكار الخاصة من النواب والأعيان إلى إصلاح نظامه وتوسيع اختصاصه، وحقق شريف باشا هذه الآمال بوضع دستور على أحدث المبادئ العصرية سنة 1879، ولكن الأزمة التي انتهت بخلع الخديو إسماعيل حالت دون إصداره والعمل به.
وبينما كانت الطبقة المثقفة ترتقب إعلان الدستور على يد الخديو توفيق، إذا بهم يرون شريف باشا يستقيل لمعارضة الخديو إياه في تشكيل مجلس النواب، وإصراره على الحكم المطلق. ورأوا الخديو يؤلف وزارة برياسته، مما ينم عن ميوله الاستبدادية، ثم يكلف رياض باشا تأليف وزارة كان من مبادئها الأساسية حكم البلاد حكما مطلقا وحرمانها أي نظام دستوري ... حتى مجلس شورى النواب القديم على ما كان عليه من ضعف السلطة، فقط ظل معطلا زهاء سنتين، طوال عهد وزارة رياض باشا. ولم ينس الناس ما كان لهذا المجلس من بعض المواقف الطيبة في أواخر عهد إسماعيل، وأنه عطل في عهد توفيق، فكان لزاما أن يستأنفوا الجهاد للدستور، وكان طبيعيا إذا دعاهم داع إلى الثورة أن يلبوا نداءه طائعين مستبشرين ... ويتبين لك من هذه الناحية أن الثورة العرابية هي استمرار للحركة الوطنية التي ظهرت في أواخر عهد إسماعيل وامتداد لها.
وكانت سياسة رياض باشا من أسباب ظهور الثورة، فقد استهدف لحركة مقاومة قوية لما بدا منه من المعارضة في إنشاء مجلس النواب، وانحيازه للنفوذ الأوروبي، ولما عرف عنه من الاستخفاف بميول الشعب وعدم اكتراثه لآراء الخاصة من الكبراء والأعيان، وإصراره على قمع كل معارضة بالشدة واضطهاده للمعارضين. ومن أمثلة هذا الاضطهاد تجريده الفريق شاهين باشا كنج وزير الحربية السابق من رتبته وألقابه لاتصاله بالحزب الوطني، وتقديم السيد حسن موسى العقاد للمحاكمة ونفيه إلى أقصى السودان لاعتراضه على إلغاء قانون المقابلة، ثم اضطهاده للصحف المعارضة لوزارته.
استهدفت الصحف المعارضة للاضطهاد في عهد وزارة توفيق، ثم في عهد وزارة رياض، واستخدمت الحكومة اللائحة القديمة المسماة لائحة أو «نظامنامه» المطبوعات لإنذار الصحف أو تعطيلها. ففي عهد الوزارة التي رأسها توفيق باشا عطلت الحكومة جريدة «مرآة الشرق» لمدة شهر، وأنذرت جريدة «التجارة»، ثم عطلت جريدة «مرآة الشرق» لمدة خمسة أشهر «لأنها اعتادت الدخول فيما لا يعنيها، ونشرت مطالعات سخيفة مخترعة من تلقاء نفسها خرجت فيها عن حدود وظائفها»، وفي عهد وزارة رياض باشا أنذرت جريدتا «مصر» و«التجارة» لنشرهما مقالات عدتها الحكومة غير معتدلة تخدش الأذهان، ثم عطلتا نهائيا لإصرارهما على خطة المعارضين.
كانت جريدتا «مصر» و«التجارة» من أقوى صحف المعارضة، تجلت فيهما روح السيد جمال الدين، ولا غرو فصاحبها ومنشئها هو أديب إسحق من خاصة تلاميذ الحكيم الأفغاني، أنشئت الأولى سنة 1877 والثانية سنة 1878 في أواخر عهد إسماعيل، وكانتا في عهد توفيق لا تفتأ كل منهما تنشر المقالات الحماسية وتنتقد سياسة الحكومة وتندد بتفريطها في حقوق البلاد، فلم تطق وزارة رياض باشا صبرا على مسلكهما، وأصدرت قرارها بتعطيلهما تعطيلا نهائيا.
وأنذرت جريدة «مصر الفتاة» لطعنها على الحكومة لمناسبة توسيع اختصاصات الرقيبين الماليين، ثم عطلت تعطيلا نهائيا لنشرها مقالات وأخبارا عدتها الحكومة مهيجة للخواطر والأفكار. ومنعت جرائد «النحلة» و«أبو نضارة» ثم «أبو صفارة» و«القاهرة» و«الشرق» من دخول القطر المصري، وأنذرت جريدة «الإسكندرية» ثم عطلتها شهرا، وعطلت جريدة «المحروسة» لمدة خمسة عشر يوما. ولم يقتصر الاضطهاد على الصحف العربية، بل تناول الصحف الأوروبية، فعطلت جريدة «الريفورم» تعطيلا نهائيا وأغلقت مطبعتها بحجة أنها تنتشر مقالات مثيرة للأفكار، وأنذرت جريدة «الفارد السكندري».
فالصحف المعارضة، وما كانت تبثه في الأفكار من روح التبرم بنظام الحكم والتطلع إلى الحرية والدستور، وما لقيته من اضطهاد، كل ذلك كان من الأسباب الممهدة للثورة والمحرضة عليها. •••
وقد اشتد ساعد الحركة بتأليف جمعية من الناقمين من سياسة رياض باشا، عرفوا بالحزب الوطني «القديم»، وقد نشروا في 4 نوفمبر سنة 1879 أول بيان سياسي لهم، وطبعوا منه عشرين ألف نسخة. وسعى رياض باشا في معرفة ناشريه لإقصائهم إلى السودان، فلم يستطع إلى ذلك سبيلا. ويقول المسيو جون نينيه الذي عاصر حوادث الثورة العرابية: «إن إخفاق رياض باشا في تعقب ناشري هذا البيان شجع خصومه على متابعة العمل لإسقاطه، وإن منهم الخديو توفيق ذاته. ومن بينهم الباشوات الأربعة: شريف باشا، وإسماعيل راغب باشا، وعمر لطفي باشا، وسلطان باشا، وإنهم أوفدوا إلى باريس أديب إسحق لإنشاء جريدة القاهرة، وقد رحل فعلا إلى أوروبا بعد إلغاء جريدتيه «مصر» و«التجارة». وأصدر بباريس جريدة معارضة لوزارة رياض، وكانت من أشد الصحف لهجة ضدها، فكانت من أقوى العوامل في إثارة الأفكار على رياض ووزارته. وتعقبها رياض لمنع تداولها في مصر، ولكن الباشوات الأربعة كانوا يوزعونها في أنحاء البلاد. وتعددت الاجتماعات السرية في منزل سلطان باشا لتنظيم الحزب الوطني، وقويت الروابط بين منظميه ... وكان في مقدمتهم سلطان باشا، وأحمد عرابي بك، وصاحباه عبد العال حلمي وعلي فهمي، ومحمود سامي البارودي باشا، وسليمان أباظة باشا - مدير الشرقية - وحسن الشريعي باشا - مدير المنيا - ومحمود فهمي باشا.
অজানা পৃষ্ঠা