ইউটুবিয়া: খুব সংক্ষিপ্ত পরিচিতি
اليوتوبية: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
مقدمة
1 - الأماكن الطيبة والفاسدة
2 - التطبيق العملي لليوتوبيا
3 - اليوتوبية الأصلية والكولونيالية وما بعد الكولونيالية
4 - اليوتوبية في الثقافات الأخرى
5 - اليوتوبية في التقليد المسيحي
6 - اليوتوبية والنظرية السياسية
7 - اليوتوبيا والأيديولوجية
خاتمة
المراجع
অজানা পৃষ্ঠা
قراءات إضافية
مصادر الصور
مقدمة
1 - الأماكن الطيبة والفاسدة
2 - التطبيق العملي لليوتوبيا
3 - اليوتوبية الأصلية والكولونيالية وما بعد الكولونيالية
4 - اليوتوبية في الثقافات الأخرى
5 - اليوتوبية في التقليد المسيحي
6 - اليوتوبية والنظرية السياسية
7 - اليوتوبيا والأيديولوجية
অজানা পৃষ্ঠা
خاتمة
المراجع
قراءات إضافية
مصادر الصور
اليوتوبية
اليوتوبية
مقدمة قصيرة
جدا
تأليف
لايمان تاور سارجنت
অজানা পৃষ্ঠা
ترجمة
ضياء وراد
مراجعة
مصطفى محمد فؤاد
إلى إيفان، وجنيفر، وإيان، وكيران.
مقدمة
الأحلام هي النار التي تستعر بداخلنا.
مارج بيرسي
أي خريطة للعالم لا تضم «يوتوبيا» لا تستحق مجرد التطلع إليها؛ إذ إنها تغفل البلد الوحيد الذي تستقر فيه الإنسانية دائما. وعندما تستقر الإنسانية هناك، فإنها تنظر خارجا، وعندما تجد بلدا أفضل، تنطلق إليه؛ فالتقدم هو تحقيق اليوتوبيات على أرض الواقع.
أوسكار وايلد
অজানা পৃষ্ঠা
آخر ما نحتاجه بالفعل المزيد من الرؤى اليوتوبية.
إيمانويل فالرشتاين
إذن هذه هي اليوتوبيا!
أليس كذلك؟ حسنا ...
أستميحك عذرا؛
اعتقدت أنها الجحيم.
ماكس بيربوم
فدان في ميدلسكس أفضل من إمارة في اليوتوبيا؛ فأقل القليل من الخير الواقعي أفضل من أكثر الوعود روعة بالمستحيلات.
توماس بابنجتون ماكولي
اليوتوبيات كثيرا ما تكون حقائق لم تنضج بعد.
অজানা পৃষ্ঠা
ألفونس ماري لوي دي برا دي لامارتين
صاغ توماس مور (1478-1535) كلمة «يوتوبيا» لتكون اسم البلد الخيالي الذي وصفه في كتابه القصير الذي ظهر في عام 1516، والمنشور باللاتينية تحت اسم «كتاب مفيد وممتع حقا عن الحكومة المثلى للجمهورية والجزيرة الجديدة المسماة يوتوبيا»، والمعروف الآن باسم «يوتوبيا». والمقابل الإنجليزي لكلمة يوتوبيا
utopia
مأخوذ من الكلمة الإغريقية
topos
التي تعني مكانا أو موقعا، والحرف
u
مأخوذ من البادئة
ou
التي تعني لا أو بدون. وفي كتاب مور «ستة أسطر عن جزيرة يوتوبيا»، قدم للقارئ قصيدة تطلق على يوتوبيا كلمة
অজানা পৃষ্ঠা
Eutopia (أي الأرض السعيدة أو المكان الطيب). نتيجة لذلك، أصبحت كلمة يوتوبيا، التي تعني لامكان أو ليس في أي مكان، تشير إلى مكان طيب غير موجود.
مع أن أغلب المثقفين في القرن السادس عشر كانوا يقرءون باللغتين الإغريقية واللاتينية، فإنه سريعا ما دخلت كلمة
utopia
اللغات الأوروبية الأخرى مع نشر كتاب مور بالألمانية في عام 1524، والإيطالية في عام 1548، والفرنسية في عام 1550. ونظرا لأن مور قد عارض ترجمة كتابه إلى الإنجليزية، فلم يتح الكتاب بالإنجليزية حتى عام 1551 عندما ترجمه صهره.
وفي كتابه «يوتوبيا»، صور مور سفينة تكتشف جزيرة غير معروفة تأسس عليها مجتمع قائم على مساواة واسعة النطاق، لكنه كان يحكمه رجال حكماء كبار السن. إنه مجتمع هرمي أبوي، له قوانين صارمة جدا وعقوبات قاسية، لكنه كان يوفر حياة لمواطنيه أفضل كثيرا من الحياة المتوفرة لمواطني إنجلترا حينها. تلك هي خصائص اليوتوبيا. إنها تتحدث عن أماكن طيبة (تصبح فيما بعد سيئة)، وتمثلها كما لو كانت حقيقية، فتستعرض أناسا يعيشون حياتهم اليومية، وتصور الزواج والأسرة والتربية والوجبات والعمل وما شابه ذلك، إضافة إلى النظم السياسية والاقتصادية. إن هذا التصوير للتحول الحادث في الحياة اليومية هو ما يميز اليوتوبيا، وما اليوتوبية إلا هذا التحول في مجريات الحياة اليومية.
شكل 1: كان توماس مور (1478-1535) محاميا وسياسيا وكاتبا إنجليزيا معروفا بأنه ذو توجه إنساني ينتمي لعصر النهضة، ومناهض لحركة الإصلاح البروتستانتي. أنعم عليه هنري الثامن برتبة فارس نظير خدماته التي قدمها له، وأعدم بسبب رفضه التوقيع على قسم يعترف فيه بهنري الثامن رئيسا للكنيسة في إنجلترا، وأعلنته الكنيسة الكاثوليكية الرومانية قديسا في عام 1935. وأشهر كتبه كان «يوتوبيا» (1516). وقد رسم هانز هولباين الصغير (1498 تقريبا-1543) هذه اللوحة الشهيرة لمور في عام 1527.
رغم أن توماس مور هو من صك كلمة «يوتوبيا»، فللفكرة نفسها فعليا تاريخ طويل ومعقد؛ فقد ظهرت الفكرة قبل ابتكار مور للكلمة بوقت طويل، وأضيفت إلى اللغة كلمات أخرى لوصف أنواع مختلفة من اليوتوبيات، مثل «ديستوبيا» التي تعني المكان السيئ، والتي استخدمها لأول مرة، على قدر علمنا، هنري لويس يونج (المولود في عام 1694) وذلك في عام 1747 في عمله «يوتوبيا: أو أيام أبوللو الذهبية»، وأصبح استخدامها شائعا الآن. وأمسى - منذ وقت مبكر جدا - وصف شيء ما بأنه «يوتوبي» طريقة لصرف النظر عنه؛ لكونه غير واقعي.
دائما ما يستاء الناس من ظروف معيشتهم، ويكونون رؤى لحياة أفضل وأطول، ويتطلعون لحياة أحسن وأبدية تستمر بعد الموت. وفي بعض الأحيان، ساور البعض القلق من احتمال أن يعيشوا حياة أسوأ بعد الممات، واعتقدوا أنه مهما كان سوء هذه الحياة، فيمكن أن تصبح أسوأ؛ ومن ثم ظهر أول انقسام كبير في اليوتوبية بين الأفضل والأسوأ في وقت مبكر جدا.
لا يمكننا معرفة متى حلم أحدهم لأول مرة بحياة أفضل، لكن يجب أن نعتمد على أولى الرؤى التي وصلت إلينا، أيا كان أصحابها وثقافاتهم، وهذه الرؤى موجودة في أقدم السجلات المكتوبة التي وصلت إلينا، مثل أحد الألواح السومرية الطينية الذي يعود تاريخه لعام 2000 قبل الميلاد. كانت الرؤى الأولى لليوتوبيا أشبه كثيرا بالأحلام، التي لم يكن للبشر فيها دخل نهائيا؛ أي شيئا يحدث على نحو طبيعي أو بسبب مشيئة أحد الآلهة.
كل أشكال اليوتوبيا تطرح أسئلة؛ فهي تسأل إن كان يمكن تحسين الطريقة التي نحيا بها، وتجيب بأنه يمكن ذلك، ويقارن أغلبها بين الحياة الحالية والحياة في اليوتوبيا، وتوضح أوجه الخطأ في الطريقة التي نحيا بها الآن؛ وبذلك تقترح ما ينبغي القيام به لتحسين الأوضاع.
অজানা পৃষ্ঠা
كما هو الحال مع أغلب الموضوعات، ثمة اختلافات على التعريف. إحدى المسائل التي تحير الناس دائما تنشأ من عدم التمييز بين اليوتوبية باعتبارها فكرة عامة، والأدب اليوتوبي باعتباره فرعا من فروع الأدب؛ فاليوتوبية تشير إلى الأحلام والكوابيس المتعلقة بالسبل التي تنظم بها الجماعات البشرية حيواتها، التي عادة ما تضع تصورا لمجتمع مختلف كليا عن المجتمع الذي يعيش فيه الحالمون. واليوتوبية، على العكس من معظم النظريات الاجتماعية، تركز على الحياة اليومية، إضافة إلى المشكلات المتعلقة بالأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ويمكن التعرف على نطاق الكلمة في وصف الفيلسوف البولندي ليشك كولاكفسكي (1927-2009) للعملية التي بموجبها برزت الكلمة:
كاسم مصاغ اصطناعيا، واكتسبت، في القرنين الماضيين، معنى واسعا لدرجة أنه لا يشير إلى جنس أدبي وحسب، وإنما أيضا طريقة في التفكير، إلى عقلية، إلى موقف فلسفي، وتستخدم في تصوير ظواهر ثقافية تعود إلى الماضي البعيد.
يعرض كولاكفسكي التعقيد الذي تنطوي عليه اليوتوبية. إنني أطلق على اليوتوبية: «الحلم الاجتماعي»، في حين تطلق عليها عالمة الاجتماع روث ليفيتاس (المولودة في عام 1949): «الرغبة في طريقة أفضل للوجود»؛ بحيث تكون اليوتوبيا جانبا في «تثقيف هذه الرغبة». وفي إطار هذا النطاق العريض للكلمة، يكمن ما أطلق عليه «أوجه اليوتوبية الثلاثة»: الأدب اليوتوبي، والتطبيق العملي لليوتوبيا، والنظرية الاجتماعية اليوتوبية. وكما توضح الاقتباسات المعروضة في صدر هذه المقدمة، أصبحت الكلمة تحمل معاني مختلفة لأشخاص مختلفين.
يستخدم الباحثون اليوم - على نحو عام - تعريفين متشابهين جدا للأدب اليوتوبي: الأول وضعه المنظر الأدبي داركو سوفين (المولود عام 1930)، أما الثاني فأنا الذي وضعته:
البناء اللفظي لمجتمع شبه بشري خاص تنظم فيه المؤسسات الاجتماعية السياسية، والأعراف، والعلاقات بين الأفراد حسب أسس أكثر مثالية من تلك الموجودة في مجتمع المؤلف؛ وهذا البناء يقوم على انفصال ناشئ عن فرضية تاريخية بديلة.
مجتمع غير موجود معروض بتفصيل كبير، عادة ما يشغل زمانا ومكانا. وفي الاستخدام القياسي، تستخدم اليوتوبيا كما هي معرفة هنا، وأيضا باعتبارها مرادفا للمجتمع السعيد الطيب؛ أي المجتمع غير الموجود المعروض بتفصيل كبير، الذي عادة ما يشغل زمانا ومكانا، والذي يقصد المؤلف أن يراه القارئ المعاصر أفضل كثيرا من المجتمع الذي يعيش فيه.
وحيث إن الكتاب الذين يؤلفون أعمالا عن اليوتوبيا يبتكرون باستمرار أشكالا جديدة من اليوتوبيا لعرض أفكارهم، فيجب أن يكون لأي تعريف لليوتوبيا حدود مرنة نوعا ما. واليوتوبيات المعاصرة لا تشبه على الإطلاق ما كنا نطلق عليه في السابق يوتوبيا؛ فهي على وجه الخصوص أكثر تعقيدا، وأقل تحديدا في مقاصدها، وتسعى لتوضيح عيوب البشرية.
ينطوي التطبيق العملي لليوتوبيا على ما نطلق عليه - في أغلب الأحيان - الآن المجتمعات المقصودة أو الكوميونات، إلا أنه كان يطلق عليها في السابق أسماء أخرى كثيرة، بما في ذلك المجتمعات اليوتوبية، والتجارب اليوتوبية، واليوتوبيا العملية. هنا، لا يوجد أي تعريف متفق عليه، لكن يستخدم كثير من الباحثين تعريفي كثيرا مع تغييرات طفيفة، والذي ينص على ما يلي:
المجتمع المقصود هو مجموعة من خمسة أفراد بالغين أو أكثر وأطفالهم، إن وجدوا، قادمين من أكثر من أسرة نووية، واختاروا أن يعيشوا معا لتعزيز قيمهم المشتركة، أو لغرض ما آخر اتفقوا عليه فيما بينهم.
অজানা পৃষ্ঠা
كان التطبيق العملي لليوتوبيا في وقت من الأوقات مقصورا - بوجه عام - على تلك المجتمعات، ولكن نظرا لاستخدام كلمة «يوتوبيا» الآن باعتبارها وصفا لكثير من أنواع النشاط الاجتماعي والسياسي التي تسعى لإقامة مجتمع أفضل، وفي بعض الحالات تحولا شخصيا؛ فهي فئة أوسع مما كانت عليه في السابق. وكل عمليات التطبيق العملي لليوتوبيا تتناول التحول الفعلي لا الخيالي للمجريات اليومية؛ فالمنضمون إلى المجتمعات المقصودة يختارون محاولة تغيير حياتهم، كما يفعل المشاركون في أشكال أخرى من التطبيق العملي لليوتوبيا، لكن بطرق مختلفة.
تتضمن النظرية الاجتماعية اليوتوبية: اليوتوبيا باعتبارها طريقة في التحليل؛ والعلاقة بين اليوتوبيا والأيديولوجية، التي كان المنظر الاجتماعي كارل مانهايم (1893-1947) أول من أشار إليها في عام 1929، والتي استخدمها آخرون بطرق مختلفة منذ ذاك الحين؛ والطرق التي استخدم بها مفكرون مثل الفيلسوف الماركسي الألماني إرنست بلوخ (1885-1977)، وعالم الاجتماع الهولندي فريدريك إل بولاك (1907-1985) اليوتوبية لتفسير التغير الاجتماعي؛ ودور اليوتوبية في الدين، لا سيما في علم اللاهوت المسيحي؛ حيث رأى البعض أنها نوع من الهرطقة، في حين رأى آخرون أنها مفهوم أساسي؛ ودور اليوتوبيا في نظريتي الكولونيالية وما بعد الكولونيالية؛ والمناظرات بين المؤيدين للعولمة والمناهضين لها. وسنتناول هذه المداخل كلها بين دفتي هذا الكتاب.
اليوتوبية والمجتمعات المقصودة ظاهرتان معقدتان لهما تاريخان طويلان حدثتا في أطر عديدة ومختلفة؛ نتيجة لذلك، فهما تختلفان اختلافا كبيرا من زمان لآخر، ومن مكان لآخر؛ لذا فإن التعريف على مستوى من التعميم يجمع كل شيء قد يكون نقطة بداية مفيدة، لكنه لن يخبرنا إلا بالقليل عن الظواهر الفعلية وهي تحدث؛ ومن ثم ينبغي علينا تحديد مواصفات مختلف الفئات الفرعية على نحو مناسب، بحيث نصل لأوجه التشابه، ونتعرف على أوجه الاختلاف فيما بينها. وعلى وجه الخصوص، يجب أن يكون أي نقاش حول المجتمعات المقصودة مدركا أن لكل مجتمع دورة حياته الخاصة، التي تبدأ بالرؤى والتخطيط المسبق إلى الميلاد والنمو والنضج، وغالبا الموت؛ ويكون الموت ممكنا في أي مرحلة من مراحل حياة المجتمع.
ومن الممكن أن توجد اختلافات جوهرية حول العناصر المشكلة للمكان الطيب. والحالة الكلاسيكية التي تعود إلى القرن العشرين هي رواية «والدن تو» (1948)، لصاحبها عالم النفس بي إف سكينر (1904-1990)؛ وهي رواية تصف مجتمعا صغيرا - أنشأه عالم نفس سلوكي - رآه كثيرون على نحو واضح باعتباره مكانا طيبا، بل وحتى دليلا للمجتمع المقصود المثالي. أقيمت بعض المجتمعات على هذا النموذج، ولا يزال بعضها قائما، في حين رأى آخرون الرواية باعتبارها صورة لمجتمع شمولي. تختلف النظرة للمجتمعات من قبل من يلاحظونها من الخارج مقارنة بمن يعيشون فيها، وتتغير تلك النظرات مع تغير المجتمعات والناس. على سبيل المثال، كثيرا ما ينظر إلى المجتمعات المقصودة على أنها أماكن رائعة إن كنت طفلا تعيش فيها، وأماكن بغيضة إن كنت مراهقا.
للأدب اليوتوبي ستة أهداف على الأقل، رغم أنه لا يمكن الفصل بينها بالضرورة. يمكن أن تكون اليوتوبيا مجرد فانتازيا، أو يمكن أن تكون وصفا لمجتمع مرغوب أو غير مرغوب فيه، أو استقراء أو تحذيرا أو بديلا للواقع، أو نموذجا يجب أن يتم الاقتداء به. والمجتمع المقصود المقدم على هيئة يوتوبيا يضيف غرضا سابعا؛ ألا وهو إثبات أنه من الممكن عيش حياة أفضل في الوقت الحاضر. ينظر المؤيد لليوتوبية إلى البشرية ومستقبلها نظرة أمل أو نظرة خوف. إن كانت النظرة نظرة أمل، فعادة ما تكون النتيجة يوتوبيا. أما إن كانت نظرة خوف، فتكون النتيجة في العادة ديستوبيا. لكن اليوتوبية هي في الأساس فلسفة أمل، وتتسم بتحويل أمل عام إلى وصف لمجتمع غير موجود. وبالطبع، كثيرا ما لا يزيد الأمل على كونه تلبية لرغبة ساذجة نوعا ما، كما في بعض الحكايات الخرافية (وإن كانت معظم الحكايات الخرافية تتحول إلى ديستوبيات إن جرى تحليلها بدقة). على الجانب الآخر، فإن الأمل ضروري لأي محاولة لتغيير المجتمع إلى الأفضل. لكن هذا يطرح احتمال أن يحاول أحدهم فرض فكرته عن المستقبل المرغوب على الآخرين الذين يرفضونها. ودائما ما يواجه اليوتوبيون هذه المعضلة عندما يحاولون نقل حلمهم إلى أرض الواقع؛ هل حلمهم متوافق مع فكرة فرضه على الآخرين؟ وهل يمكن أن تتحقق الحرية من خلال اللاحرية؟ أو المساواة من خلال اللامساواة؟
ثمة أسباب وجيهة لكل من التقييمات السلبية والإيجابية لليوتوبية منعكسة في الاقتباسات المعروضة في صدر هذه المقدمة، وسيجري تناول تلك الأسباب عبر صفحات الكتاب. كانت التقييمات السلبية قوية في القرن العشرين نتيجة لمحاولة فرض نسخ بعينها من الحياة الطيبة، لا سيما الشيوعية في الاتحاد السوفييتي والصين وفي أماكن أخرى، وكذلك الاشتراكية القومية في ألمانيا ونسخة طالبان من حركة الإسلام السياسي في أفغانستان. كانت نظرة آخرين إلى اليوتوبية إيجابية بوصفها الوسيلة الرئيسية لمواجهة مثل هذه المحاولات.
على الرغم من أنني أهدف إلى تقديم عرض شامل ومتوازن في هذا الكتاب، فإن لي طرحا معينا أود تناوله؛ في المجمل العام، طرحي هو أن اليوتوبية ضرورية لتحسين وضع البشر. وبهذا المضمون، فالمناهضون لليوتوبية مخطئون ويمكن أن يشكلوا خطرا. لكني أدفع أيضا بأنه إن استخدمت اليوتوبية بشكل خاطئ - وقد حدث هذا بالفعل - فهي خطيرة. وبهذا المضمون، فالمؤيدون لليوتوبية مخطئون ويمكن أن يشكلوا أيضا خطرا؛ لذا تستكشف الخاتمة الطبيعة المتناقضة لليوتوبية، وتسعى إلى تداركها.
الفصل الأول
الأماكن الطيبة والفاسدة
(1) تقليدا اليوتوبيا
অজানা পৃষ্ঠা
بداية، كان السلام مكفولا للجميع كماء الشرب. لم تنبت الأرض خوفا ولا مرضا؛ فكل ما احتاجوه ظهر تلقائيا، فكان النبيذ ينساب بالجداول، وكعكات الشعير تزاحم أرغفة الخبز أمام أفواه الناس، متوسلة إليهم كي يتناولوا أكثرها بياضا، إن سمحوا بذلك.
تليكليديس، «أمفيكتينيز»
لم يتزوجوا من زوجات، بل كانت نساؤهم مشتركة بينهم، والأطفال الناتجون عن هذا الوضع تربوا على نحو مشترك فيما بينهم، وعاملهم الجميع بالقدر نفسه من الحب. وعندما كانوا أطفالا رضعا، كانت النساء اللائي يرضعنهم عادة ما يتبادلن إرضاعهم؛ بحيث لا تستطيع الأمهات التعرف على أطفالهن؛ ومن ثم لم تكن هناك غيرة بينهن، وعاشوا دائما دون أي مشاحنات ، معتبرين الوفاق رأس كل النعم.
إيامبولوس، «هليوبوليس»
شكل 1-1: الصورة المواجهة لصفحة عنوان كتاب توماس مور «يوتوبيا» في طبعته التي ظهرت في عام 1518، والتي تصور جزيرة يوتوبيا. والصورة لرسم منحوت على الخشب من صنع أمبروسيوس هولبيان (1494 تقريبا-1519 تقريبا).
شكل 1-2: لوحة بيتر بروجل الأكبر (1525 تقريبا-1569) «أرض كوكين» (1567) تصور الوفرة الشديدة في الشراب والطعام في كوكين، وهي أرض الوفرة التي تروي كثير من القصص أنه لا يمكن أن يصل إليها سوى الفقراء.
رغم أن توماس مور صك كلمة «يوتوبيا» في عام 1516، ونشأ فرع من فروع الأدب من رحم كتابه؛ ففكرة اليوتوبيا أقدم من ذلك بكثير، والاقتباسان أعلاه والشكلان
1-1
و
1-2
অজানা পৃষ্ঠা
يعكسان نسختين مختلفتين تماما من الحياة الطيبة. تركز إحداهما على المتعة، لا سيما المتعة الجسدية، ومحورها وفرة الطعام والشراب، مع إتاحة الكثير من الممارسات الجنسية في بعض النسخ؛ في حين تركز الأخرى على التنظيم الاجتماعي. الأولى فانتازيا تحققها الطبيعة أو الرب أو الآلهة، أما الثانية فمقدمة على نحو واقعي، ويحدثها بشر باستخدام ذكائهم. كلتا النسختين عتيقتان، ولا تزالان موجودتين حتى اليوم. بالنسبة للبعض، لا ترقى سوى الثانية لتكون يوتوبيا، لكن يرى آخرون الأولى باعتبارها رافدا مهما في النهر المعروف باليوتوبيا.
أطلق على النسخة الأولى «يوتوبيا الهروب» أو «يوتوبيا الجسد»، ولا توجد ثقافة لا تضم مثل هذه اليوتوبيات. في التراث الذي يشكل تاريخها في الغرب، توجد في جنة عدن، والقصص الإغريقية والرومانية عن جنة الأرض، وفكرة الجنس أو العصر الذهبي الذي كان موجودا في الماضي، و«رؤية ماكونجلين» الأيرلندية. وتنتقل إلى تراث «العالم المقلوب رأسا على عقب» لتظهر في عيد الإله الروماني ساتورن، وعيد البلهاء، وأرض كوكين، والصور المبكرة من الكرنفال (وهو موسم الاحتفالات المسيحي السابق على «الصوم الكبير»)؛ جميعها تضع الفقراء والمقهورين على نحو مؤقت في مراكز قوة، في حين تضع سادتهم المفترضين في مراكز أدنى منهم ليوم أو أسبوع. وعادة ما يعاد ابتداع تلك النسخة من جديد، وتعاود الظهور في المجموعات المقهورة، وفي أوقات الأزمات الاقتصادية. (2) الأساطير الكلاسيكية
على الرغم من وجود اختلافات بين هذه الأساطير، فإنها اشتركت في الكثير؛ فبعض الأجزاء كانت مقدمة على نحو إيجابي، فكان الناس والآلهة قريبين بعضهم من بعض، وكانت الأرض تنتج تلقائيا وفرة من الطعام وأي شيء آخر كان يحتاجه الناس. لكن أغلب الأجزاء عرض على نحو سلبي، وكان معنيا بحل مشكلات الحاضر؛ فلم يكن هناك خوف من الحيوانات البرية، ولم يكن هناك صراع بين البشر، ولم تكن هناك حاجة للعمل، ولم تكن هناك تجارة أو حكومة؛ لأنه لم تكن هناك حاجة لهما. كانت بداية الحياة ونهايتها سلستين؛ كانت النساء يضعن أطفالهن دون ألم، أو لا يضعن على الإطلاق؛ فلم تكن هناك وفيات؛ ومن ثم لم تكن هناك حاجة للمواليد، ولا لموت مريح. فسر بعضها أيضا كيف أننا انتقلنا من الحياة الطيبة إلى الحياة الصعبة التي نعيشها في الوقت الراهن. على سبيل المثال، معصية الرب في جنة عدن أفضت إلى الخوف والعناء والموت وآلام الوضع بالنسبة للنساء.
أكثر تلك الأساطير المبكرة تأثيرا هي الأساطير الخاصة بعملية الخلق، مثل العصر الذهبي، وجنة الأرض، وأساطير الحياة الآخرة، مثل «جزر المباركين» - حيث يذهب الأبطال بعد الموت - وأسطورة إله العالم السفلي هاديس. كانت تلك الأساطير التي تعود للحضارة اليونانية والرومانية والسومرية والديانة اليهودية في بداياتها مهمة لتطور اليوتوبية الغربية. كما توجد أساطير مشابهة، مثل أسطورة «أرض أزهار الخوخ» الصينية، في أغلب الحضارات القديمة. والنسخة الغربية الكلاسيكية من العصر الذهبي هي نسخة هيسيود الشاعر الإغريقي (التي ظهرت في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد)، الذي كتب يقول:
كان الجنس البشري الذي أنعم عليه بالكلام، والذي أوجده الخالدون - أولئك الذين يسكنون في قصور على جبل الأوليمب - جنسا ذهبيا. عاش هؤلاء في زمن كرونوس عندما كان ملك السماء؛ وتماما مثل الآلهة، أمضوا حياتهم، بروح تخلو من الهم، بعيدا عن التعب والبلاء. لم تطلهم يد الشيخوخة العقيمة، وكانوا دوما متساوين في كل شيء، وتمتعوا بالأعياد والاحتفالات، وسلموا من كافة الشرور، وماتوا كما لو كان غلبهم النعاس. كانت لهم كل الأشياء الطيبة؛ فحقول الحبوب كانت تنبت محاصيل من تلقاء نفسها، كانت تنبت الكثير منها وبوفرة. أما هم، فتشاركوا ثمار العمل معا - طواعية، وبنبل كبير - إضافة إلى أشياء طيبة أخرى كثيرة، وكان لهم من الغنم الكثير، وكانوا مقربين من الآلهة.
لكن نسخة العصر الذهبي التي ورثتها العصور الوسطى كانت نسخة الكاتب الروماني أوفيد (43-17 / 18 قبل الميلاد)، في حين أكد هيسيود على الوفرة التي تشاركها الجميع بالتساوي، والحياة السعيدة، والموت المريح. أضاف أوفيد، في استجابة منه لقضايا عصره، التحرر من القوانين والمحاكم، وتجنب نشوب الحروب، ووجود مجتمع محلي، قائلا:
في الماضي، كان الناس يعيشون في عصر ذهبي، حين كان الناس يتصرفون وفق إرادتهم، دون خوف من عقاب، دون قوانين، وكانوا يتمتعون بإيمان سليم، ويقدمون على فعل كل ما هو صحيح. لم تكن هناك عقوبات يخشونها، ولم تكن هناك لوحات برونزية منصوبة محفور عليها القوانين تحمل تهديدات باتخاذ إجراء قانوني، ولم تكن هناك حشود من المذنبين المتطلعين للرحمة، والمرتعشين أمام قاضيهم. في الواقع لم يكن هناك قضاة؛ إذ عاش الناس في أمان دونهم. وإذ لم تكن هناك أشجار صنوبر يتم قطعها من موطنها على الجبال لصنع سفن تسير عبر أمواج المحيطات ليبحروا إلى أراض أجنبية، فلم يعرفوا سوى شواطئهم، ولم تكن مدنهم محاطة بعد بخنادق مائية عميقة، ولم تكن لديهم أبواق نحاسية طويلة، أو خوذ نحاسية ملتفة، أو سيوف. تمتعت شعوب العالم، التي لم يعكر صفوها أي مخاوف، بحياة الدعة والسلام، ولم تكن هناك حاجة لجنود.
تبدي التغييرات التي أدخلها أوفيد كيف أن تلك الروايات عكست قضايا معاصرة في الوقت الذي بدت فيه خارج إطار الزمان تماما.
الاقتباس الذي أخذناه من تليكليديس، في بداية هذا الفصل، مثال آخر على الحياة في عصر كرونوس، وكتب الشاعر الروماني لوقيان السميساطي (125 تقريبا-ما بعد 180 ميلاديا) يقول على لسان كرونوس:
خلال الأسبوع غير مسموح بأي أمر جاد، غير مسموح بالقيام بأي عمل. الشرب والسكر، والصخب والألعاب والنرد، وتعيين الملوك، وإقامة احتفالات العبيد، والغناء عريانا، والتصفيق الشديد، وغمر الوجوه الثملة في الماء المثلج من آن لآخر : هذه هي المهام التي أقوم بها.
অজানা পৃষ্ঠা
كان احتفال الرومان بعيد الإله ساتورن مهرجانا فعليا يستعيدون فيه العصر الذهبي لفترة وجيزة؛ حيث كان يعمل السادة على خدمة الخدم، ويطعم الأغنياء الفقراء. وفي بعض النسخ من المهرجان، كانوا يعفون عن ديونهم. بالنسبة للجميع، كان هناك إسراف شديد في الطعام والشراب ودرجة من الحرية الجنسية. وبدون الإسراف في المأكل والمشرب والحرية الجنسية، فإن فكرة وجود فترة يتم فيها الإعفاء من الديون، ومن ثم منح المدين فرصة جديدة، مذكورة في العهد القديم: «يبرئ كل صاحب دين يده مما أقرض صاحبه. لا يطالب صاحبه ولا أخاه؛ لأنه قد نودي بإبراء للرب» (سفر التثنية، 15 : 2).
في العصور الوسطى، تسببت الاحتفالات التي انحدرت من عيد الإله ساتورن - مثل الكرنفال السابقة الإشارة إليه حين كان الفقراء يحكمون لبعض الوقت، وعيد البلهاء، والذي كان فيه يجري عكس التراتب الكنسي لفترة وجيزة، وكان له شعبية على نحو خاص في فرنسا - في مشاكل خطيرة؛ فمن وقت لآخر، كان احتفال الكرنفال يخرج عن السيطرة، على الأقل من وجهة نظر المتقلدين للسلطة؛ لأن المغلوبين على أمرهم ظنوا أن قلب الأوضاع يجب أن يستمر لفترة أطول من بضعة أيام. أما عيد البلهاء، فقد وقفت ضده الكنيسة بقوة حتى ألغته. لا يزال احتفال الكرنفال يقام ببعض الأماكن، مثل نيو أورليانز وريو دي جانيرو، لكنه لم يعد يعتبر تهديدا.
في العصور الوسطى، كان يجري إسقاط الآلهة الإغريقية والرومانية، ونشأت قصة مشابهة معروفة باسم «أرض كوكين»، التي أطلق عليها «جنة الفقير»، في عدد من البلدان الأوروبية. وجاء بإحدى نسخ تلك القصة التي ترجع للقرون الوسطى ما يلي:
توجد أنهار تجري في نعومة وسعة
أنهار من الدهن واللبن والعسل والخمر،
تنساب المياه هناك دون هدف
سوى أن تسر من ينظر إليها ومن أراد أن يغتسل بها.
تنبت ثمار كثيرة في هذا المكان
تحمل البهجة وتسلي حلاوتها الجميع.
تتكرر تلك الصورة الخيالية مرارا تحت أسماء مختلفة عبر التاريخ؛ فعندما يفقد الأمل في كل شيء، تكتسب الفانتازيا قوة خاصة.
অজানা পৃষ্ঠা
أدخل الكاتب الروماني فرجيل (70-19 قبل الميلاد) تغييرات كبيرة على تلك الأساطير؛ أولا، وفوق كل شيء: في أنشودته الرابعة الشهيرة، المعروفة بأنشودة المخلص التي تبشر بقدوم المسيح، من عمله «أناشيد الرعاة»، انتقل بالعصر الذهبي من الماضي إلى المستقبل. ثانيا: أصبح العالم الأفضل قائما على النشاط البشري لا على مجرد أن يكون هبة من الآلهة؛ فالناس يعملون، لا سيما في الزراعة، ويستمر هذا باعتباره أسطورة الفلاح أو المزارع السعيد؛ لتصبح نسخة أكثر واقعية، وإن كانت لا تزال مثالية. لم تمت الأسطورة أبدا، وهي توجد اليوم باعتبارها جزءا جوهريا من اليوتوبية الحديثة.
الصور التي ساقها فرجيل للحياة البسيطة في «أركاديا» تمثل نقلة بين فانتازيا التقليد الأول لليوتوبيا، ويوتوبيا التقليد الثاني التي صنعها الإنسان. إن المجتمعات التي صنعها البشر وصورها الكتاب الإغريق والرومان هي الأكثر شبها ب «يوتوبيا» توماس مور والأعمال التي تلتها. وهذا الفرع من التقليد اليوتوبي يمنح الناس الأمل؛ لأنه أكثر واقعية، ولأنه يركز على بشر يحلون مشاكل البشر، مثل كفاية الطعام والمسكن والملبس والأمن، لا الاعتماد على الطبيعة أو الآلهة.
وفي الغرب، يبدو أن اليوتوبيا الرسمية نشأت في العصر الكلاسيكي لليونان القديمة، وطغت أوصاف أسبرطة، الدولة-المدينة الإغريقية، عليها. فصور الكاتب الإغريقي بلوتارك (46-120 ميلاديا) دافع ليكرجوس، المؤسس المفترض لأسبرطة - ويمكن أن يناسب تصويره آخرين - قائلا:
كان مقتنعا أن إدخال تغيير جزئي في القوانين لن يكون له أي فائدة تذكر، بل ينبغي له أن يمضي كالطبيب الذي يعالج مريضا أعياه المرض وهو مصاب بكافة أنواع الأسقام؛ فيجب أن يغير وضع الحالة التي أمامه باستخدام العقاقير والمطهرات، ويوصي له بنظام علاج جديد ومختلف.
كان المجتمع الذي أسسه ليكرجوس في أسبرطة قائما على أعلى درجات المساواة بين المواطنين، لكن بين المواطنين فحسب (كان هناك عبيد، ولم تكن النساء من المواطنين). كان نظام الحكم في أسبرطة عسكريا. وفي أسبرطة، في ظل حكم ليكرجوس، كان على كل شخص أن يهب نفسه تماما لخدمة البلد. كان عليهم أن يفقدوا ذواتهم من أجل الكل؛ «فقد عود مواطنيه على ألا تكون لديهم الرغبة أو القدرة على العيش من أجل أنفسهم.»
يربط كثير من المعلقين بين أسبرطة و«الجمهورية»، يوتوبيا الفيلسوف الإغريقي أفلاطون (428 / 427-348 / 347 قبل الميلاد) الذائعة الصيت، والتي تعتبر معين اليوتوبية الغربية. وجمهورية أفلاطون معنية في المقام الأول بالوصول لفهم لمفهوم العدالة، وهي حوار أفلاطوني نموذجي يمتد من بداية إلى منتصف الفترة التي يطرح فيها سقراط (469-399 قبل الميلاد) سؤالا، وتستمر عملية السؤال والجواب حتى يتم الوصول لعدد من المواقف، التي يرفضها سقراط كلها، ثم يقدم إجابته، وبالتدريج يهيمن على النقاش محولا إياه إلى حوار أحادي، ولا يصدر عن الآخرين المشاركين في الحوار سوى تعليقات روتينية تعوزها الحماسة.
إن المجتمع الذي يصفه أفلاطون في «الجمهورية» هو الأقرب إلى المجتمع المثالي. يضم هذا المجتمع ثلاث طبقات، تقابل العناصر الأساسية الثلاثة للروح أو الذات. والطبقات الثلاث هي طبقة الملوك الفلاسفة (أو العقل)، وطبقة الحراس (الذين يمثلون عنصر العاطفة)، وطبقة الحرفيين والتجار (الذين يمثلون ضبط النفس والاعتدال). يعنى أغلب الحوار في عمل «الجمهورية» بأول طبقتين، وهما المعروفتان إجمالا باسم ولاة الأمر. ولا يتحدث أفلاطون كثيرا عن الأغلبية العظمى من أهل الجمهورية، باستثناء التلميح إلى أن كل فرد في تلك الدولة المدينة المنظمة بشدة، سيعمل في المكان الذي يناسبه تماما؛ ونتيجة لذلك، سيغدو الجميع سعداء.
إلا أن أي مجتمع من صنع البشر لا يمكن أن يعدو كونه انعكاسا ضعيفا للمجتمع المثالي، ويجب أن يفشل. يتناول أفلاطون عملية الفشل بإسهاب كبير. وفي إسهابه، يضع نظرية للفساد ويطبقها على الأفراد والمجتمعات. والمهم هنا ليس النظرية، بل النقطة الأساسية المتمثلة في أنه لا يمكن أن يوجد مجتمع أو إنسان مثالي على هذه الأرض. وأفضل ما يمكننا تحقيقه هو الاقتراب من هذه الصورة المثالية، وهذا التقريب سينهار حتما في نهاية الأمر.
بينما تتطابق المقومات الأساسية (التناغم، والمعرفة، والحياة الطيبة للشخص الصالح) في يوتوبيا أفلاطون الكبيرة الأخرى، محاورة «القوانين»، مع المقومات الأساسية لتلك الخاصة بمحاورة «الجمهورية»، فإن الطريقة التي تتحقق بها هذه المقومات مختلفة؛ فهناك الاختلاف الواضح المتمثل في أن الدولة في محاورة «القوانين» تقوم على القانون، في حين أن الدولة في محاورة «الجمهورية» تقوم على حكمة البشر المتجسدة في الملوك الفلاسفة. ويبدو أن أفلاطون إذ فقد الأمل في إيجاد أو خلق الظروف المثالية لتنشئة الملوك الفلاسفة، كان عازما على تقديم أفضل ثاني خيار: النظام القانوني الذي سيفرضه الملوك الفلاسفة للدولة، التي لا ترقى إلى الوصول لمستوى الدولة في «الجمهورية»، بل وقدم بديلا للملوك الفلاسفة في مجلس ليلي بإمكانه إسقاط القوانين إن اختار ذلك.
كان اليوتوبيون الإغريق، بمن فيهم أفلاطون، يعتبرون ما نطلق عليه المجتمع الصغير أو المتفاعل افتراضا أساسيا. لم يمكنهم تصور أن مجتمعا طيبا يمكن أن يكون كبيرا بحيث يعجز فيه جميع المواطنين عن الالتقاء والتحاور بانتظام، ولم تظهر فكرة إمكانية وجود شيء أكبر إلا مع سقوط الدولة الإغريقية وصعود الدولة الرومانية.
অজানা পৃষ্ঠা
كان أول مناهض عظيم لليوتوبيا، المؤلف المسرحي الكوميدي الإغريقي أرسطوفانيس (448-380 قبل الميلاد)، يكتب وفي الوقت نفسه يناقش الكثير من الموضوعات التي كان يناقشها الكتاب المؤمنون باليوتوبية. من المنظور اليوتوبي، كانت أهم مسرحياته «برلمان النساء»، وفيها نجحت مجموعة من النساء في الاستحواذ على المجلس التشريعي وسن شكل من أشكال الشيوعية، وفشلت تشريعاتهن ليس لأنها كانت سيئة، ولكن لأن الجنس البشري لم يكن قادرا على قدر الإيثار المطلوب. وهذا سبب نموذجي يساق لرفض اليوتوبيات. ساق أرسطوفانيس نقطة مماثلة في مسرحيته «بلوتوس»، وفيها يرد البصر إلى إله الثروة الكفيف، وعندئذ يعيد توزيع الثروة على مستحقيها، ثم ما يلبث الجشع البشري أن يعيد توزيعها مرة أخرى على نحو غير عادل.
ولما كان الفيلسوف الإغريقي أرسطو (384-322 قبل الميلاد) قد رفض يوتوبيا أفلاطون، وتهكم بشدة على الدول المثالية الأخرى التي ناقشها، فعادة لا يعتبر من المؤمنين باليوتوبية، لكنه في الباب السابع من كتابه «السياسة» عرض بنوع من التفصيل للخصائص الأساسية للدولة المثالية.
رأى أرسطو أن أفضل دولة هي دولة تكون قريبة من الاكتفاء الذاتي قدر الإمكان في إطار الحدود التي يفرضها عدد قليل من السكان وإقليم صغير المساحة، وقامت اليوتوبيا التي تصورها على إمكانية معرفة المواطنين بعضهم لبعض. كما وفرت يوتوبيا أرسطو أفضل حياة لمواطنيها: حياة العقل، أو الحياة التأملية، التي ليست حياة انعزالية متقوقعة، بل حياة التواصل الفكري. رأى أرسطو أن من شأن هذا أن يستلزم وجود فئة من الناس لا تتمتع بحق المواطنة لتقوم بالعمل الحقير؛ مما يحرر المواطنين ويجعلهم يعيشون حياة كاملة ورائعة. وناقش في مواضع أخرى - بعبارات أعم - خصائص ما قد يطلق عليه أفضل دولة ممكنة. (3) الأساطير والأدب بعد توماس مور
بعد أن كتب مور كتابه «يوتوبيا»، فقدت معظم الأساطير قوتها تدريجيا، لكن استمر جوهرها في القصص الأمريكية الأفريقية التي على غرار قصة أرض كوكين، التي وجدت بالتوازي مع الأناشيد الدينية الزنجية التي تحدثت عن مباهج الحياة الآخرة، والأغاني المرتبطة بحالة الكساد التي سادت في ثلاثينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة، مثل «ذا سويت بوتيتو ماونتينز» و«ذا بيج روك كاندي ماونتينز».
وتطلعنا قصة أحد العبيد على اقتناعه بما يلي:
في أركانساس ترقد الخنازير حولنا مطهية، والشوك والسكاكين مغروسة بها تدعوك لتناولها، والفطير في كل مكان يقلى في برك من الدهن، والأشجار تثمر بالمال، وكل ما كان عليك فعله هو التقاط المال من عليها كما تلتقط القطن من منبته ...
وتضم أغنية «ذا سويت بوتيتو ماونتينز» ما يلي:
أوه، تنمو السجائر على النباتات المعرشة، وينبت البيض ولحم الخنزير على الأشجار، والأرض تثمر الخبز، وتنضح الينابيع بالخمر حتى ركبتيك، والخير حولك كثير ووفير.
يمكن إيجاد صورة مختلفة من الأسطورة اليوتوبية التقليدية في رواية «الأفق المفقود» (1933)، التي أنتجت في فيلم من إخراج فرانك كابرا (1937)، المستندة في جوانب منها إلى أسطورة شامبالا، الأسطورة البوذية التبتية التي تدور حول مملكة أسطورية مخفية في مكان ما داخل قارة آسيا حيث يعيش بعض من البوذاسفيين؛ وهم أكثر البوذيين استنارة. تتحول المملكة في الرواية إلى شانجري-لا؛ وهو مجتمع مفقود في هضبة التبت يعيش الناس فيه لأعمار مديدة للغاية.
ليس هذا الموضع الملائم لسرد تاريخ الأدب اليوتوبي، لكن من الضروري ذكر نبذة عنه وعن كيفية استخدامه. غالبا ما اتسمت اليوتوبيات التي ظهرت بعد يوتوبيا مور بالتركيز على المدينة. زعم - على وجه الخصوص - المؤرخ والناقد المعماري لويس مامفورد (1895-1990) أن المدينة واليوتوبيا مرتبطتان ارتباطا وثيقا، والاقتباسات التالية من يوتوبيات تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين تصور رؤى للعمارة اليوتوبية.
অজানা পৃষ্ঠা
تحت أقدامي تقبع مدينة عظيمة. أميال من الشوارع العريضة، تظلها الأشجار، وتصطف على جانبيها مبان أنيقة، ولم تكن المباني في أغلبها في مربعات سكنية متصلة، بل تكونت من مناطق مسيجة أكبر أو أصغر حجما تمتد في كل اتجاه. ضم كل حي ميادين مفتوحة كبيرة تعج بالأشجار، تتلألأ بينها التماثيل وتلمع النافورات في ضوء شمس الأصيل. والمباني العمومية ذات الحجم الضخم والأبهة المعمارية التي لا مثيل لها في أيامي تقف شامخة على كل جانب.
إدوارد بيلامي، «نظرة إلى الماضي»
رأت ... نهرا ومباني ضئيلة غير ذات أهمية، وهياكل غريبة تشبه الطيور الطويلة السيقان التي لها أشرعة تتحرك مع حركة الريح، وبضعة مبان كبيرة ذات لونين أصفر وبني محمر، وقبة واحدة زرقاء غير ذات شكل منتظم، لا تزيد في حجمها عن حجم السوبر ماركت في أيامها؛ أي سوبر ماركت عادي في أي مركز تسوق كبير. كانت الأشياء التي على شكل طيور هي الأطول في الأنحاء، وكانت بالكاد أطول من بعض أشجار الصنوبر التي أمكنها رؤيتها. كما شاهدت بضع هيئات لا شكل محدد لها عليها بعض النباتات المعرشة الخضراء.
مارج بيرسي، «امرأة على حافة الزمن»
على النقيض من كثير من التعليقات التي نزعت للنظر لليوتوبيا حتى منتصف القرن العشرين باعتبارها شكلا من أشكال الملكية المشتركة، فقد كتب عن اليوتوبيا من كل مشرب يمكن تخيله؛ فهناك يوتوبيات اشتراكية ورأسمالية وملكية وديمقراطية ولا سلطوية وبيئية ونسوية وأبوية ومساواتية وتراتبية وعرقية ويسارية ويمينية وإصلاحية، وثمة يوتوبيات تركز على الحرية الجنسية، والأسرة النووية، والأسرة الكبيرة، والمثليين والمثليات، وغيرها الكثير من اليوتوبيات. ونشرت كل هذه الأنواع فيما بين عام 1516 ومنتصف القرن العشرين، قبل أن يهيمن التنوع فعليا وتكون له الغلبة. ونتيجة لوجود تقليد قوي مناهض لليوتوبية، يمكن مضاعفة العدد بمجرد وضع كلمة «مناهض» قبل أي من الأنواع السابقة. وبعد بداية القرن العشرين، كتبت ديستوبيات تعبر عن هذه المواقف كافة.
كانت كل هذه الأعمال المختلفة استجابة لقضايا رأى أصحاب تلك الأعمال أنها مهمة للوصول لمجتمع أفضل. وأغلب هذه القضايا قضايا دائمة الحضور؛ مثل: القانون والنظام، والدين اعتقادا وممارسة، والعلاقات الاقتصادية، ونظام الحكم، وتربية الأطفال والتعليم. لكن تتغير أهمية القضايا تبعا للزمن الذي كتبت فيه اليوتوبيا؛ فاليوتوبيات تأملات في القضايا التي كانت مهمة بالنسبة للفترة التي عاش فيها أصحاب تلك الأعمال.
والحلول المقترحة تكون أكثر محدودية من القضايا من حيث النوع، إن لم يكن من حيث التفصيل؛ فمن بين الحلول الأكثر شيوعا صورة إصلاحية من الدين يتبعها معتنقوه فعليا، وقوانين ونظم قانونية جديدة مطبقة بإنصاف، وأنظمة اقتصادية أفضل، وأنظمة سياسية محسنة، وتعليم متطور، والاستخدام الذكي للعلم والتكنولوجيا. والكثير من اليوتوبيات تحن إلى الماضي؛ إذ تنظر إلى الخلف، إلى ماض مثالي، ثم تنقله إلى المستقبل. وتكون اليوتوبيا في العيش في النسخة المنقحة لا على الطريقة التي كان يعيش بها الناس في الماضي بالفعل. ومن بين الموضوعات النموذجية الأخرى عيش حياة أبسط، وتحقيق توازن أفضل بين المدينة والريف. لكن هذه الموضوعات كافة قدمت أيضا بوصفها نفذت على نحو سيئ، أو أنها كانت في مصلحة أفراد أو مجموعات بعينها (سواء اقتصادية أو جنسية أو سياسية أو غير ذلك)، ويتمخض عنها ديستوبيات. بالنسبة للمؤيدين لليوتوبية، لا توجد حدود للذكاء والإبداع الإنساني. أما بالنسبة للمناهضين لليوتوبية، فلا حدود للغباء والجشع الإنساني. ويبدو أن كليهما على حق.
وكما هو الحال مع أي فرع من فروع الأدب، يوجد كتاب أو نصوص معينة ذائعة الصيت يبدو أنها تحدد ملامح الأدب اليوتوبي. وبينما قد تكون النصوص الأقل شهرة أكثر تمثيلا في الواقع لفترتها، فإن الأعمال الأشهر هي التي تدفع بقاطرة هذا الفرع من فروع الأدب للأمام. (4) «يوتوبيا» مور
إن عمل توماس مور «يوتوبيا» كتاب صغير معقد تناوله الشراح من مواقف مختلفة اختلافا جذريا؛ من الكاثوليكية الرومانية التقليدية إلى الإمبريالية البريطانية إلى الماركسية، وأحيانا بمجرد إهمال التعقيد الذي يكتنفه، وفي أحيان أخرى بإضفاء المزيد من التعقيد عليه. تنشأ مجموعة من المشاكل من حقيقة أن هذا الكتاب يبدو في الظاهر أنه مباشر، في حين أنه هزلي وساخر تماما. وقد ضلل أجيال من المترجمين قراءهم بتجاهلهم التلاعب بالألفاظ الذي سيكون واضحا لمن يقرءون النص اللاتيني الأصلي. صحيح أنه لا يحتوي على الكثير من تلك الأساليب، لكن عندما تكتشف أن أنيدروس - اسم النهر الرئيسي - يعني «لا ماء»، ولقب الشخص الذي يصف اليوتوبيا «هيثلوديوس» يعني «اللاغي»، يجب أن تبدأ في التساؤل. لكن رفائيل، اسم هيثلوديوس الأول، يعني «الشافي بمشيئة الرب»، فلا يمكنك أن تخلص إلى استنتاج واضح. وفي خطاب أرسله مور إلى بيتر جايلس، منشور في طبعة 1517 من الكتاب، يعلق مور ساخرا على التلاعب بالألفاظ. وفي نقاش بين مور وأحد النقاد الذي لم يستطع تحديد إن كانت «يوتوبيا» حقيقية أم من وحي الخيال، رد مور بأنه لو كان الكتاب من وحي الخيال لكان أشار إلى ذلك، وكتب يقول:
لذا، لو لم أكن قد فعلت شيئا سوى إطلاق الأسماء على الحاكم والنهر والمدينة والجزيرة التي توحي للمثقفين أن الجزيرة لا توجد في أي مكان، والمدينة عبارة عن سراب، والنهر لا يجري به ماء، والحاكم لا يحكم شعبا؛ لكان ذلك سيصبح أكثر ذكاء مما فعلت في واقع الأمر. وإذا لم تكبلني أمانة المؤرخ، فأنا لست من الغباء كي أفضل استخدام أسماء فظة عديمة المعنى؛ مثل: يوتوبيا، وأنيدروس، وأموروتوم، وأديموس.
অজানা পৃষ্ঠা
لكن يوتوبيا تعني الجزيرة الواقعة في لامكان، وأموروتوم تعني مدينة السراب، وأنيدروس تعني النهر الذي لا يجري به ماء، وأديموس تعني الحاكم الذي لا يحكم شعبا.
ثمة مشكلة أخرى تكمن في أن كتاب «يوتوبيا» ضم أعرافا قدمها مور على نحو إيجابي، وهي التي كانت مناهضة لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، مثل القتل الرحيم الاختياري، أو نبذها مور بعد ذلك في مرحلة متقدمة من حياته، مثل التسامح الديني. بالنسبة لبعض الشراح، يجب إيجاد طريقة لاستبعاد هذه الأعراف. بالتأكيد لم يفكر قط القديس توماس مور، الذي مات بسبب تمسكه بمبادئه، على نحو مختلف عن الطريقة التي ظن شراح عمله أنه ينبغي أن يكون قد فكر بها، أو - مثل صديقه المقرب إرازموس (1466 / 1469-1536) صاحب التوجه الإنساني وعالم اللاهوت الهولندي - يجرب على نحو هزلي أفكارا ثم ينبذها فيما بعد.
يرى المعاصرون أن المجتمع الموصوف في كتاب «يوتوبيا» ليس جذابا للغاية، بل هو مجتمع سلطوي، تراتبي، أبوي، ويطبق عقوبة العبودية على مرتكبي المخالفات البسيطة نسبيا. لكن القارئ في بداية القرن السادس عشر كان سيرى أن تلك الأشياء كانت هي العرف السائد، وأن العبودية في «يوتوبيا» كانت عقابا أكثر إنسانية من صور كثيرة للعقاب كان يمكن تطبيقها آنذاك، حين كانت بعض المخالفات البسيطة تعاقب بالموت. وفوق كل ذلك، لم يكن هناك أحد في «يوتوبيا» غنيا أو فقيرا. وقد تحقق ذلك من خلال تخفيض الطلب، وعمل الجميع، والمشاركة في كل شيء بالتساوي، والحياة البسيطة؛ وعليه، ستبدو «يوتوبيا» لكثيرين في القرن السادس عشر مثل الجنة. (5) السخرية
إن السخرية التي تحفل بها «يوتوبيا» مور جوهرية في تقليدي اليوتوبيا؛ لأن أحد أهداف أغلب اليوتوبيات هو السخرية من الحاضر، وبقيامها بذلك، تستخدم الكثير من اليوتوبيات أداة نموذجية من أدوات السخرية وهي المبالغة. في بعض اليوتوبيات، مثل رواية الروائي الإنجليزي صامويل بتلر (1835-1902) «إيروان أو اللامكان» (1872)، من المستحيل التأكد من الموقف الإيجابي، إن وجد، الذي تؤيده؛ ففي تلك الرواية، على سبيل المثال، يعامل المجرمون على أنهم مرضى ويرسلون إلى الأطباء، أما المرضى، فيزج بهم في السجون. ونشأ ضرب أدبي فرعي عن تلك الرواية يمكن أن نطلق عليه الأدب «الإيرواني».
والأكثر تمثيلا للسخرية هو رواية «رحلات إلى العديد من أمم العالم البعيدة» (1726)، المعروفة الآن باسم «رحلات جاليفر»، لصاحبها الروائي الساخر الأيرلندي جوناثان سويفت (1667-1745). والجزء الرابع في «رحلات جاليفر» يصور المكان الطيب بالرواية، لكن غالبية قاطنيه من الخيول وليس البشر؛ فالبشر - أو الياهو - همجيون، أما الخيول - الهوينم - فعقلانية، فما الذي يقوله سويفت عن الإنسان والعقل؟ تمخض عن رواية «رحلات جاليفر» ضرب فرعي مهم من الأدب يعرف باسم الأدب «الجاليفري»، القليل منه ببراعة الأصل، في حين أن أكثره يمنح ببساطة بعض الحيوانات صفات بشرية. ومؤخرا، كتب الكثير عن زوجة جاليفر التي كان يهجرها كثيرا.
في غضون الفترة نفسها تقريبا التي كان سويفت يكتب فيها، نشر الكاتب الإنجليزي دانيال ديفو (1660-1731) رواية «الحياة والمغامرات الغريبة المثيرة لروبنسون كروزو، البحار القادم من يورك» (1719)، المعروفة الآن باسم «روبنسون كروزو»، المستندة إلى أحداث واقعية، وفيها غرقت سفينة رجل، البحار الاسكتلندي ألكسندر سيلكيرك، وحط وحيدا على جزيرة منعزلة لمدة أربع سنوات. ولما كان كروزو وحيدا وغير قانع بالوضع أغلب الرواية، فمن الصعب تحديد إن كان إيجابيا أم سلبيا، ولا يتغير ذلك عندما ينضم فرايداي إلى كروزو، وهو أحد سكان إحدى الجزر القريبة الذي ينقذه كروزو من آكلي لحوم البشر. لكن تمخض عن رواية «روبنسون كروزو» ضرب فرعي كبير من ضروب الأدب، يطلق عليه الأدب الروبنسوني، اليوتوبي غالبا، والمشتمل عادة على مجموعة من البشر تتحطم سفينتهم، وأشهر أعماله «عائلة روبنسون السويسرية» (1812 / 1813)، للكاتب السويسري يوهان ديفيد فيس (1743-1818)، التي تحولت إلى فيلم شهير. (6) تأثير بيلامي
كانت اليوتوبيات العظيمة التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين هي أعمال الكاتب الأمريكي إدوارد بيلامي (1850-1898)، والكاتبين الإنجليزيين ويليام موريس (1834-1896) وإتش جي ويلز (1866-1946). حققت رواية بيلامي «نظرة إلى الماضي: 2000-1887» (1888) مبيعات مرتفعة حول العالم، ونتج عنها زيادة كبيرة ومفاجئة في إنتاج اليوتوبيات التي امتدت حتى نشوب الحرب العالمية الأولى. وقعت أحداث يوتوبيا بيلامي في بوسطن، ماساتشوستس، في المستقبل، والتي تطورت إلى مجتمع تم التغلب فيه على العداء بين الرأسماليين والعمال. وعندما أخذت الشركات تكبر وتكبر عن ذي قبل وتحولت إلى شركات احتكارية تتحكم في معظم الاقتصاد تم تأميمها، أو ببساطة استحوذت عليها الدولة، وتحول العمال بها إلى موظفين لدى الدولة، وتنوعت ساعات العمل على أساس ثقل العمل والخطر الذي يكتنفه، وتقاعد الجميع في سن الخامسة والأربعين.
كتب ويليام موريس نقدا لتلك الرواية استنكر فيه «الحياة الآلية» التي تقدمها، وتأكيد الرواية على جعل العمال يطيقون العمل بتخفيض مقدار العمل بدلا من تخفيض «ألم العمل إلى الحد الأدنى». كتب موريس بعدها رواية «أخبار من لامكان، أو زمن للراحة» (1890)؛ لتصوير مجتمع يؤكد على الحرف والمجتمع المحلي. وبينما استخدم بيلامي نظاما سياسيا معقدا، استخدم موريس مقرات المجالس النيابية لتخزين السماد وقال: «لم يعد لدينا ما يمكن أن نطلق عليه سياسة.» كتب بيلامي نقدا مؤيدا بشكل عام لرواية موريس، مع أنه قال إنها تحتاج إلى مزيد من التفصيل.
إلا أن أغزر كتاب اليوتوبيا إنتاجا كان إتش جي ويلز، الذي كتب يوتوبيات إيجابية، وكذلك ديستوبيات. وعلى تنوعها الكبير، كانت لها موضوعات أساسية، أحدها كان الصراع بين الرأسماليين والعمال، وماذا يمكن أن يحدث إن لم يجر حل هذا الصراع، وكيف يمكن حله. وأحد الموضوعات الأخرى كان مدى مرغوبية فكرة الحكومة العالمية.
أفضل وصف أطلق على ويلز أنه يوتوبي متشائم؛ أي رجل يؤمن بإمكانية تحسين حياة البشر على نحو جذري، لكنه يشك في وجود الإرادة اللازمة للقيام بذلك. لم ييأس ويلز قط، لكنه لم يتوقف قط عن الشك أيضا. تدور أحداث رواية «آلة الزمن» (1895)، إحدى روايات ويلز الأولى وأكثرها نجاحا، في زمن بعيد بالمستقبل؛ حيث لا يزال الصراع دائرا بين أحفاد الرأسماليين والعمال. وتقع أحداث أغلب ما كتبه من يوتوبيات وديستوبيات في المستقبل الأقرب، وبعضها - لا سيما الديستوبيات - يمكن قراءته بوصفه مراحل نحو المستقبل المصور في «آلة الزمن»، ومع تصاعد الانقسام بين الرأسماليين والعمال أكثر فأكثر. تشير اليوتوبيات التي كتبها ويلز وكثير من كتاباته السياسية غير المتصلة باليوتوبيا إلى طرق يمكن بها تجنب احتمالات المستقبل المظلم. رأى ويلز أن الحل يكمن في استخدام الذكاء، لا سيما الذكاء العلمي، لمعالجة المشاكل الاجتماعية. وفي عمله «يوتوبيا حديثة» (1905) يصور جماعة من الرجال والنساء تعرف بالساموراي، يعيشون وفق ميثاق سلوكي صارم، ومكرسون للخدمة، وقد أسسوا مجتمعا أفضل كثيرا وصانوه، وهو المجتمع الذي كان يراه ويلز ممكنا.
অজানা পৃষ্ঠা
دعا ويلز إلى تكوين مثل هذه الجماعة، التي كثيرا ما أطلق عليها «المؤامرة المفتوحة»، في كثير من أعماله، وأيد الكثير من صور الإصلاح، بداية من تحديد النسل إلى إنشاء موسوعة عالمية؛ لتكون خطوات صغيرة في الاتجاه الصحيح. كان واضحا إصابة ويلز بالإحباط بسبب عدم تبني أفكاره على نحو واسع، وعمل بجدية لاستمالة الناس لأفكاره ولتطوير التعليم، لا سيما التعليم العلمي، على أمل ظهور مجتمع أفضل تعليميا يكون أكثر تقبلا لمقترحاته. إلا أن ويلز معروف أكثر بأعمال الخيال العلمي غير اليوتوبية التي قدمها، وكذلك ديستوبياته وبعض رواياته الهزلية، لا بيوتوبياته وكتاباته السياسية. (7) صعود الديستوبيا
مع نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وظهور وباء الأنفلونزا، وحدوث الكساد العظيم، ونشوب الحرب الكورية، والحرب في فيتنام، وغيرها من أحداث القرن العشرين؛ أصبحت الديستوبيا هي الشكل الغالب من الأدب اليوتوبي. ومع أن كلمة «ديستوبيا» استخدمت أول مرة في منتصف القرن الثامن عشر، واستخدمها الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل (1806-1873) في خطاب أمام البرلمان في عام 1868، لم يشع الشكل الأدبي واستخدام الكلمة لوصفه حتى وقت لاحق في القرن العشرين.
في عام 1883، صك فرانسيس جالتون (1822-1911) مصطلح «تحسين النسل» للإشارة إلى القدرة على إنتاج نسل أفضل، مع التركيز أكثر على البشر لا الحيوانات. نشأت حركة حملت فكرة تحسين الجنس البشري من خلال الانتخاب الوراثي من أجل اختيار سمات معينة (تحسين النسل الإيجابي)، أو الانتخاب الوراثي من أجل تجنب سمات محددة (تحسين النسل السلبي). كتب كثير من اليوتوبيات، بما فيها اثنتان لم تنشرا لجالتون («لا أعرف أين» و«آل دونوهيو من دانو فير»)، تعبر عن تلك الحركة. وكثير من اليوتوبيات، بما فيها عملا جالتون، التي كانت تؤمن بأن الانتخاب الوراثي وحده لن يكفي لتحقيق الغاية المنشودة؛ كانت معنية بالظروف الاجتماعية التي يولد الأطفال فيها، وكيفية تربيتهم بالقدر نفسه الذي كانت به معنية بالسمات البدنية والأخلاقية للآباء. أما الأعمال الأخرى، فكان شاغلها الأساسي الانتخاب الوراثي، مع التركيز على تنحية السمات غير المرغوبة؛ بمنع من ظهرت عليهم السمات من إنجاب أطفال، أو بإلزام حاملي السمات المرغوبة بالزواج وإنجاب أطفال. نتج عن كلا النهجين ديستوبيات؛ إما بسبب الخلافات على السمات المختارة، أو القلق من احتمال إساءة استخدام إمكانية انتقاء السمات.
شاعت دعوات الانتخاب الوراثي على أساس عرقي وعنصري، وطبقت حيث وجدت القدرة على القيام بذلك. كان أكثر البرامج شهرة هو برنامج ألمانيا تحت حكم النازيين، عندما لم يتم منع حاملي السمات المنشود إقصاؤها من الإنجاب وحسب، بل قتلهم أيضا. إلا أن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن ألمانيا طبقت أيضا تحسين النسل الإيجابي؛ إذ خططت لإنتاج أشخاص من حاملي الصفات المرغوبة. نشرت يوتوبيات في ألمانيا وغيرها من البلاد وصورت المجتمع الأفضل المزمع تكوينه باستخدام هذه البرامج.
نشر عدد من اليوتوبيات النازية، مثل عمل إرنست بيرجمان «ألمانيا الأرض الثقافية للإنسان الجديد» (1933)، لكن كان هناك أيضا عدد ضخم من الديستوبيات المناهضة لألمانيا وللنازية، من بين أهمها تأثيرا «ليلة الصليب المعقوف» (1937)، للكاتبة كاثرين بوردكين (1896-1963)، التي كانت تكتب تحت اسم موراي قسطنطين.
الفترة نفسها التي أفرزت الكثير من الديستوبيات المناهضة لألمانيا والمناهضة للاتحاد السوفييتي، شهدت أيضا نشر ثلاثة أعمال بارزة؛ وهي: رواية «نحن»، للكاتب الروسي يفجيني زامياتين (1884-1937)، المكتوبة بالروسية في عام 1920، لكنها نشرت بالإنجليزية لأول مرة في عام 1924، ورواية «عالم جديد رائع» (1932)، للكاتب الإنجليزي ألدوس هكسلي (1894-1963)، ورواية الكاتب الإنجليزي جورج أورويل (1903-1950) - الذي ولد حاملا اسم إريك بلير - «ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون» (1949)، والتي أصر أورويل على كتابة عنوانها بالحروف لا بالأرقام. ومع أن الأعمال الثلاثة كانت تتحدث عن إساءة استخدام السلطة، فإن كلا منها عمل معقد، متعدد الجوانب، ذو شواغل متنوعة، وجميعها يهاجم الرأسمالية بالقدر الذي يهاجم به الشيوعية. وهي تصور المحاولات الفاشلة جزئيا للتحكم في قوة الرغبة الجنسية؛ فرواية «نحن» تسمح بالعلاقات الجنسية على نحو المقصود منه الوفاء بالاحتياجات الفردية، ورواية «عالم جديد رائع» تبيح العلاقات الجنسية دون قيود، أما رواية «ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون» فتفرض قيودا صارمة على الجنس. وتتضمن الأعمال الثلاثة الإشارة إلى أن تلك المسألة قد لا يتمكن حتى أي نظام شمولي من التحكم بها.
كتب هكسلي في رواية «إعادة زيارة عالم جديد رائع» (1958) أنه ببساطة تخيل أشياء مستقبلية كان قد لاحظها في وقت كتابة الرواية، وأنها أثارت قلقه، وأنه بعد مضي 25 عاما بدا أن المستقبل الذي صوره في رواية «عالم جديد رائع» كان يقترب أسرع كثيرا مما توقع في ثلاثينيات القرن العشرين، كما كتب أنه لو قدر له إعادة كتابة «عالم جديد رائع»، لكان سيقدم بديلا أكثر إيجابية. وقد قام بذلك بالفعل في اليوتوبيا التي كتبها تحت عنوان «الجزيرة» (1962) التي تصور مجتمعا صالحا تتحول فيه الإباحية الجنسية إلى حرية جنسية، مع التأكيد على فكرة الحب، مع الاستعاضة عن عقار «سوما» المستخدم في رواية «عالم جديد رائع» للهروب من المشاكل، ب «دواء موكشا» (الشبيه بنبات البيوط المستخرج منه مادة الميسكالين المهلوسة، أو عقار الهلوسة) المفضي إلى التنوير، كما تحولت السلبيات الأخرى في رواية «عالم جديد رائع» إلى إيجابيات، على الأقل جزئيا من خلال قوة الدين. لكن في النهاية يدمر العالم الخارجي اليوتوبيا؛ لأنها تمتلك نفطا.
أصبح تصور هكسلي للاتجاهات المستقبلية التي رآها في زمانه أو استقراؤه لها المعيار للديستوبيات. ومع أن الديستوبيات تختلف عادة عن اليوتوبيات في عدم وصفها من قبل زائر خارجي، بل يتم وصفها من الداخل، فهي مرتبطة بوضوح بالحاضر الذي كتبت فيه. وهكذا، فإنها تقدم رسالة إيجابية على نحو واضح إلى جانب رسالتها السلبية. فهي تقول، كما كان يقول إتش جي ويلز على الدوام، إن هذا ما سيحدث إن لم نتخذ الإجراءات اللازمة، لكن إن اتخذنا الإجراءات اللازمة، يمكننا تجنب هذا المستقبل. توقف أغلب كاتبي الديستوبيات عند هذه النقطة، وهي تقديم جرس إنذار، لكن ويلز بذل مجهودا أكبر في توضيح ما رأى أنه من الضروري عمله وكيفية القيام به.
رغم أن الديستوبيا أصبحت الشكل الأدبي المهيمن في القرن العشرين، فإنها لم تزحزح اليوتوبيا من موقعها، وفي الوقت الذي كانت تنشر فيه ديستوبيات النصف الأول من القرن العشرين العظيمة، كانت هناك يوتوبيات كثيرة منشورة، وازدهرت الحركات اليوتوبية لا سيما إبان كساد ثلاثينيات القرن العشرين. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، جمع الروائي أبتون سنكلير (1878-1968) بين الاثنين فكتب عددا من اليوتوبيات، مثل «نحن، شعب أمريكا وكيف أنهينا الفقر » (1935)، وترشح لمنصب حاكم كاليفورنيا ببرنامج اسمه «إنهاء الفقر في كاليفورنيا». كما أن حركة التكنوقراط التي اقترحت إحلال المهندسين والعلماء محل الساسة تمخض عنها عدد من اليوتوبيات، لا سيما «الحياة في ظل تكنوقراط» (1933)، لصاحبها هارولد لوب (1891-1974). نشأت حركات مشابهة أخرى في أغلب البلدان التي كانت تواجهها المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بذلك الوقت. ومع تنامي الخوف من إمكانية نشوب حرب أكثر وأكثر، هيمنت الديستوبيا على المشهد حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفي بريطانيا، إبان الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة، تنبأت أعمال مثل مسرحية «نزلوا مدينة» (1944)، للكاتب جيه بي بريستلي (1894-1984)، و«مغامرات الجندي الشاب بحثا عن العالم الأفضل» (1943)، لسي إي إم جود (1891-1953)، بالمجتمع الأفضل الذي يمكن خلقه بعد تحقيق النصر. وبعد فوز حزب العمال بانتخابات عام 1945، هاجمت كتب مثل «ما رآه فارر» (1946)، لجيمس هانلي (1901-1985)، و«دولة الممتنعين عن الشراب» (1947)، لسومرست دي تشير (1911-1995)، سياسات حزب العمال. (8) حقبة «الستينيات»
অজানা পৃষ্ঠা
رغم أن هناك يوتوبيات نشرت خلال الفترة التي هيمنت فيها الديستوبيات، فلم يلاحظها أحد حتى الصعود المفاجئ لليوتوبية فيما يعرف بحقبة «الستينيات» (تتنوع التواريخ الفعلية من بلد لبلد). انتقل جانب كبير من الدافع اليوتوبي في تلك الفترة إلى الشوارع، وأدى - على سبيل المثال - إلى انتفاضة عام 1968 في تشيكوسلوفاكيا، واحتجاجات عام 1968 في باريس، التي حملت رسالة يوتوبية واضحة؛ وهي «كن واقعيا واطلب المستحيل»، وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تأسس الكثير من المجتمعات المقصودة المعروفة آنذاك عالميا باسم الكوميونات، ولا يزال الكثير منها موجودا بعد مضي أكثر من 40 عاما. ازدهر الأدب اليوتوبي، لكنه كان أدبا مختلفا؛ أدبا أدرك أن إقامة مجتمع أفضل لن تكون مهمة سهلة. والمجتمعات التي ظهرت في هذا الأدب سكنها رجال ونساء لديهم نقاط قوة وضعف بشرية حقيقية، بل إن المجتمعات الأفضل كثيرا كانت تعاني من مشاكل، بل ومشاكل خطيرة. وحملت رواية «المسلوب» (1974)، لأورسولا كيه لي جوين (المولودة في عام 1929)، العنوان الفرعي «يوتوبيا غامضة»؛ وهذا العنوان الفرعي يتناسب مع الكثير من الأعمال الأخرى المنشورة في تلك الفترة. أطلق الباحث الأدبي توم مويلان (المولود عام 1943) على هذه الأعمال «اليوتوبيات النقدية»، وأطلقت عليها المنظرة السياسية لوسي سارجيسون (المولودة في عام 1964)، مركزة على اليوتوبية النسوية، «اليوتوبيات المتجاوزة»، وأنا أطلق على بعضها «اليوتوبيات المعيبة» لتوضيح الطريقة التي يعرض بها بعض المؤلفين، مثل أورسولا كيه لي جوين في روايتها «الخارجون من أوميلاس» (1973)، ما يبدو أنه يوتوبيا، لكنه في الحقيقة قد يكون ديستوبيا.
كانت اليوتوبيا النسوية أهم الروافد التي خرجت من يوتوبية حقبة الستينيات، وتمخض عنها أغلب روايات تلك الحقبة التي لا تزال تقرأ حتى الآن. وفي عام 1972، نشرت جوانا روس (المولودة 1937) مقالة بعنوان «ماذا بوسع البطلة أن تفعل؟ أو لم لا تستطيع النساء الكتابة؟» تقول فيها إن المجتمعات المعاصرة تميز على أساس النوع لدرجة أنه لن يمكن إنتاج شخصيات نسائية ناضجة بالكامل إلا بخلق عوالم جديدة. وكانت اليوتوبية النسوية جزءا مهما من الحركة النسوية. ضمت أشهر اليوتوبيات النسوية رواية «الرجل الأنثوي» (1975) لجوانا روس، ورواية «امرأة على هامش الزمن» (1976) لمارج بيرسي (المولودة عام 1936)، وعددا من القصص القصيرة لأليس برادلي شيلدون (1915-1987)، التي كانت تكتب تحت اسم جيمس تيبتري الابن، مثل «هيوستن هيوستن، هل تتلقون بثي؟» (1976). (9) اليوتوبيا اليوم
كانت سمات اليوتوبية في حقبة الستينيات جزءا من التغييرات الطويلة الأمد التي حدثت في المجتمعات الغربية، لكن كانت هناك حركة رجعية ضد هذه التغييرات. ومع استمرار نشر اليوتوبيات، عاد الأدب اليوتوبي في الأغلب إلى الديستوبيات. وباستثناء يوتوبيات المثليات، اختفت اليوتوبيات النسوية تقريبا في تسعينيات القرن العشرين، رغم أنه حدث إحياء لها من جديد منذ عام 2000. كان الاستثناء الكبير للعودة إلى الديستوبيا هو ظهور اليوتوبيات البيئية، فبالتأكيد صور عدد كبير من الديستوبيات مخاوف حدوث انهيار بيئي بالمستقبل، إلا أن كيم ستانلي روبنسون (المولود عام 1952) وآخرين نشروا يوتوبيات بيئية مهمة؛ فقد نشر روبنسون ثلاثيتين تدوران حول موضوعات بيئية: ثلاثية «المريخ» (التي ظهرت أجزاؤها في أعوام 1992، و1993، و1996) وثلاثية تدور حول التغير المناخي/الاحترار العالمي يصور الكتاب الأول منها، «علامات المطر الأربعون» (2004)، ديستوبيا نتجت عن فشل الساسة في التعامل مع مشكلة الاحترار العالمي ، في حين يصور الكتابان الآخران، «خمسون درجة أقل» (2005) و«ستون يوما ويزيد» (2007)، حدوث تغيير في السياسة والنتائج الإيجابية التي ترتبت عليه في النهاية. واليوم، يعد النوع الأدبي الفرعي المسمى الإيكوتوبيا أو اليوتوبيا البيئية - والذي سمي بهذا الاسم على اسم رواية إرنست كالينباخ (المولود عام 1928)، الصادرة عام 1975 - أقوى تيار يوتوبي، والكثير من اليوتوبيات البيئية نسوية أيضا؛ ومن ثم فإن أقوى تيارين في الخمسين عاما الأخيرة كثيرا ما يجتمعان معا الآن. على سبيل المثال، روايات سالي ميلر جيرهارت (المولودة عام 1931) مثل «أرض الطواف: قصص نساء الجبل» (1978) و«القائدة» (2003) تجمع بين المنظورين النسوي والبيئي.
إن الأدب اليوتوبي يتغير باستمرار مكتسبا أشكالا جديدة. واليوم أغلبه معقد أو مبهم، يقدم مجتمعات أفضل لكنها معيبة، أو مجتمعات أسوأ لا تزال تحتفظ بشيء طيب فيها. هناك تغير حديث يتمثل في انتقال اليوتوبيات إلى الإنترنت والناشرين الذين يستخدمون أسلوب النشر عند الطلب (ظهر هذا التغير في الشكل السابق لطريقة النشر هذه، والمتمثل في نشر الأعمال على نفقة المؤلف). وأغلب الأعمال المنشورة على الإنترنت أو التي يتم الحصول عليها باستخدام أسلوب النشر عند الطلب يزيد احتمال قراءتها، مثل بعض اليوتوبيات القديمة، والتي تحمل إجابات موحدة بسيطة تناسب جميع الأسئلة المعقدة، لكن بعضها، مثل «الوعي باليوتوبيا» (2002) لميريت أبراش (المولود عام 1930)، معقد مثل الأعمال المعاصرة الأخرى. وقد أدت هذه الأشكال من النشر إلى نمو الأدب اليوتوبي في الوقت الحاضر، لكن كما هو الحال مع الكثير من اليوتوبيات في الماضي، فإن الكثير منها لا يقرأ مما يصيب كاتبيها بالإحباط.
الفصل الثاني
التطبيق العملي لليوتوبيا
على مدار قرون، حاول الكثير من الأفراد والمجموعات تطبيق رؤاهم على أرض الواقع. حاول البعض الحصول على السلطة السياسية للقيام بذلك (نجح القليلون)، وأنشأ آخرون حركات اجتماعية (محققين نجاحا أكبر في ذلك). واليوتوبيون الذين حازوا على السلطة السياسية خلقوا في الغالب ديستوبيات وليس يوتوبيات، مع كون بلدان في القرن العشرين مثل ألمانيا النازية تحت حكم أدولف هتلر (1889-1945)، وكمبوديا/كمبوتشيا في ظل حكم بول بوت (1928-1998)، أمثلة جديرة بالملاحظة في هذا الشأن .
لكن الشكل الأشيع لتطبيق رؤية بعينها على أرض الواقع كان خلق مجتمع صغير للانعزال عن المجتمع الأكبر؛ لتطبيق معتقدات أعضائه دون تدخل أو تطفل من أحد، أو لإثبات أن اليوتوبيا التي يؤمنون بها قابلة للتطبيق للمجتمع الأكبر. ورغم أن المؤرخ آرثر يوجين بستور الابن (1908-1994) أنكر علاقة النهج الأخير باليوتوبيا، فقد أطلق عليه «نماذج أصلية للمجتمع الطيب»، وهو لقب في الواقع يؤكد تلك العلاقة.
إضافة إلى ذلك، ينظر الآن إلى الإجراءات الصغيرة المؤقتة على أنها يوتوبية؛ لأنها توظف بشكل عام صورة يوتوبية في مقابل الديستوبيا التي تعارضها، كما يرى مؤيدوها. وتتخذ تلك الإجراءات عدة أشكال مختلفة من الأداء الفني إلى الاحتجاج. (1) المجتمعات المقصودة
ما نطلق عليها الآن في أغلب الأحيان المجتمعات المقصودة، المعروفة للعامة باسم كوميونات، كان لها أسماء كثيرة في الماضي، يرتبط عدد منها على نحو مباشر باليوتوبية؛ مثل: المجتمع اليوتوبي، والتجربة اليوتوبية، واليوتوبيا العملية، والمجتمع البديل، والمجتمع التجريبي. لم يجر القبول بهذه الأسماء وأشكالها المختلفة، أو تم التخلي عنها من أجل مصطلح أكثر حيادية، وكثير من الأفراد الذين يعيشون بتلك المجتمعات يرفضون أن يطلق عليها «مجتمعات يوتوبية»، ويفضلون «المجتمعات المقصودة». إلا أنه رغم هذا الرفض، ورغم أن أغلب تلك المجتمعات لم تكن يوتوبية بالمعاني التي يشيع استخدام الكلمة بها، فثمة علاقات وثيقة بين اليوتوبية وتلك المجتمعات.
অজানা পৃষ্ঠা
لا يوجد تعريف متفق عليه بالكلية للمجتمع المقصود، لكن سيوافق كثيرون على شيء قريب من تعريفي التالي:
مجموعة من خمسة أفراد بالغين أو أكثر وأطفالهم، إن وجدوا، قادمين من أكثر من أسرة نووية، اختاروا أن يعيشوا معا لتعزيز قيمهم المشتركة أو لغرض ما آخر اتفقوا عليه فيما بينهم.
الجزء الأهم من هذا التعريف، والجزء الذي يربط بين هذه المجتمعات واليوتوبية هو التأكيد على عيش حياة تقوم على «قيمهم المشتركة» أو «غرض اتفقوا عليه فيما بينهم».
كل تلك المجتمعات، حتى تلك التي تؤمن أنها تنتظر المجيء الثاني للمسيح في المستقبل القريب، لها دساتير و/أو قواعد ولوائح و/أو اتفاقات (رسمية أو غير رسمية ) حول الكيفية التي ينبغي على أفرادها أن يعيشوا حياتهم بها. فإن كانت تلك الوثائق والاتفاقات أعمالا أدبية، كنا سنطلق عليها يوتوبيات بلا شك، وغالبا ما تكون أعمالا أدبية من منطلق أنها لا تعكس بدقة الكيفية التي يعمل بها المجتمع في واقع الأمر.
أقيمت المجتمعات المقصودة حتى يستطيع أعضاؤها اتباع أسلوب حياة معين. وقد سعى بعضها إلى تغيير السلوك الجنسي تغييرا جذريا، وغير كثير منها الطريقة التي يتناول بها أعضاؤها طعامهم؛ فالمجتمعات النباتية غيرت ما يأكله أعضاؤها، وغير كثير منها كيفية تنظيم العمل، وعلى وجه الخصوص ألغت الفوارق بين الجنسين في الكيفية التي ينبغي بها تخصيص العمل، وعمدت أخرى - محرزة بعض النجاح - إلى إلغاء التمييز بين العمل العقلي والبدني.
الكثير من هذه المجتمعات كانت دينية، وحاولت أن تتبنى أسلوب حياة يؤمن أعضاؤها أن إيمانهم يقتضيه. وتبع الكثير منها قائدا ذا شخصية كاريزمية، وأخذت تبشر بنسختها من المعتقد الديني، واكتسبت أتباعا كثيرين، وأسست مجتمعات أخرى، في حين اتبع غيرها أفكار أحد المنظرين الاجتماعيين. وثمة أسباب أخرى كثيرة تجعل الناس ينسحبون من المجتمع ليعيشوا على نحو مختلف.
ربما كان أول هذه المجتمعات الدينية الأشرام الهندوسية، ومن بعدها الأديرة البوذية. من بين أولى تلك المجموعات التي انسحبت من أجل ممارسة معتقداتها فيما أصبح جزءا من التقاليد الغربية كانت الأسينيون، وهي جماعة دينية يهودية ظهرت في كثير من المدن، من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي، وأسست مجتمع خربة قمران، وكتبت مخطوطات البحر الميت التي يعتقد أنها كانت مكتبتهم. كان أغلب الأسينيين متبتلين، وعاشوا على نحو جماعي. وفي وقت لاحق، بعض من المجتمعات المسيحية بالتحديد التي تكونت في زمان مبكر تشكلت حول رجال دين، عادة نساك، يعرفون جملة باسم «آباء الصحراء».
استند كثير من المجتمعات المنعزلة الدينية في طقوسها على تأويلها للكنيسة الأولى في القدس، لا سيما وصف مجتمع الخيرات في سفر أعمال الرسل (2: 44-45) - «وجميع الذين آمنوا كانوا معا، وكان عندهم كل شيء مشتركا، والأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج» - الذي كان يشار إليه باستمرار في وصف المجتمعات اللاحقة لنفسها. وآمن كثير من مؤسسي المجتمعات أن الطقوس الكوميونية التي مارستها الكنيسة الأولى عكست نية المسيح. وفيما بعد، ارتأت تلك المجتمعات أن الملكية المشتركة مناسبة لمن يكرسون أنفسهم للكنيسة وليس للناس العاديين. (2) أديرة الرهبان في المسيحية
كانت الخطوة الكبيرة الأولى نحو قيام تقليد الرهبنة المسيحية كتاب «مبادئ القديس بندكت»، وفيها عرض بندكت (480؟-543؟) تفاصيل نظام رهبنة مصمم ليوفر إطارا بنيويا من الممكن من خلاله أن يتم عيش حياة أفضل، تكون أقرب إلى الحياة المسيحية المثالية. تقتضي مبادئ بندكت ألا يحوز أي راهب أي ملكية، فيقول: «يجب استئصال رذيلة الملكية هذه تماما من الدير أكثر من أي شيء آخر.» وفصل مسألة الطعام الذي سيوزع (المبدأ رقم 39)، ومقدار النبيذ المسموح به، وهو نصف لتر في اليوم (المبدأ رقم 40). وثمة مبدأ يحدد مقدار العمل اليدوي ويعترض على الكسل (المبدأ رقم 48)، ويعرض تفاصيل الملابس التي سيجري توزيعها (المبدأ رقم 55)، وبالطبع التسلسل الكهنوتي في الدير، والطقوس الدينية، وإجراءات القبول بالدير. ساعدت تلك المبادئ على خلق مجتمعات مصممة من أجل جعل الحياة المستقيمة ممكنة. والمدافعون عن الرهبنة كانوا مقتنعين تماما بأن أغلب الناس لم يكونوا قادرين على مثل تلك الحياة، وأنه لن يمكن تحقيق هذا الهدف اليوتوبي على نحو واضح إلا داخل الدير.
مع ازدهار الأديرة وعدم تمسك الرهبان بأسلوب التقشف الموصى به من قبل القديس بندكت، أدخل القديس الفرنسي أودو الكلوني (878 تقريبا-942) إصلاحات أرسى من خلالها الشكل الكلوني للأديرة، بغرض تصحيح ما اعتبره إفراطا في رتب الرهبنة الأخرى. وشدد القديس فرانسيس الأسيزي (1181 / 1182-1226) أيضا على ضرورة الإصلاح، واقترح رتبة جوالة من الرهبان الذين يعتمدون في حياتهم على الاستجداء. أفسد المحافظون بالكنيسة منهج فرانسيس، وتأسست في النهاية رتبة فرانسيسكانية أكثر تقليدية.
অজানা পৃষ্ঠা
تعتبر محاولة إعادة تحقيق مبادئ بندكت وأودو وفرانسيس وغيرهم موضوعا متكررا في تاريخ الرهبنة. توضع قواعد جديدة يطلقها أحدهم ويجري تطبيقها؛ فتصبح الأديرة ناجحة وتمر بفترات ازدهار تكون هي سبب انهيارها؛ حيث يصاب الرهبان بالكسل ، ويعتادون على الحياة الطيبة، ثم تدشن قواعد جديدة وتستأنف الدورة من جديد.
تمخضت عن حركة الإصلاح البروتستانتي مجموعات كثيرة أملت في تكوين حياة تستند إلى تأويلهم للعهد الجديد. على سبيل المثال، تأسست الأخوية الهوترية إبان حركة الإصلاح الراديكالي في القرن السادس عشر. سمي الهوتريتيون، كما كانوا يعرفون أيضا، بهذا الاسم على اسم مؤسسهم، وهو جاكوب هوتر (1500 تقريبا-1536)، الذي أصر على إقامة مجتمع يقوم على الملكية المشتركة واللاعنف.
شكل 2-1: تعد المجتمعات الرهبانية من ضمن أقدم المجتمعات المقصودة، وهي لا تزال تنمو وتتكيف مع التغيرات في المجتمعات التي توجد بها، بما في ذلك البنية المعمارية للأديرة، كما يتضح من هذا الدير التابع لجماعة البندكتيين في سانت لويس، ميزوري.
وللهرب من الاضطهاد، انتقل الهوتريتيون إلى بلدان عدة في أوروبا قبل أن يستقروا في أمريكا الشمالية في أواخر القرن التاسع عشر. وفي الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب العالمية الأولى، جرت ملاحقتهم بسبب اتباعهم مذهب اللاعنف، وانتقل الكثير من الجماعات إلى كندا. واليوم توجد حوالي 500 جماعة من الهوتريتيين، أغلبها في كندا.
لا تزال توجد جماعات أخرى قليلة من عصر حركة الإصلاح البروتستانتي، لكن كثيرا من الجماعات التي ظهرت بأوروبا إبان المائتي عام اللاحقة أسست مجتمعات في الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما «جماعة الوحي الحق»، المشهورة باسم «جماعات أمانا»، في آيوا، التي تعود أصولها إلى ألمانيا في عام 1714، وتعاليم إبرهارد لدوفيج جروبر (المتوفى في عام 1728)، ويوهان فريدريش روك (1678؟-1749)، اللذين اعتقدا أنهما كانا يتلقيان وحيا مباشرا من الرب.
نشأت جماعات دينية أخرى في بريطانيا والولايات المتحدة، واختارت إنشاء مجتمعات تمكنها من ممارسة معتقداتها. من أشهر تلك الجماعات «الشيكرز» (المعروفة رسميا باسم الجمعية المتحدة للمؤمنين بالظهور الثاني للمسيح) وجماعة أونيدا. لا تزال توجد جماعة شيكرز واحدة تمارس معتقداتها في ولاية مين، لكن اليوم أفراد جماعة الشيكرز معروفون بالأعمال الحرفية. لم تستمر جماعة أونيدا لنفس الأمد وتحولت إلى شركة مساهمة تنتج آنية أونيدا الفضية. لكن في أوج ازدهار تلك الجماعتين، عرف عنهما أنهما كانت لهما ممارسات جنسية خاصة بهما ؛ فأفراد جماعة الشيكرز كانوا متبتلين. أما جماعة أونيدا، فمارست ما أطلقت عليه «الزواج المعقد»؛ حيث يفترض أن جميع أعضاء الجماعة متزوجون بعضهم من بعض، مع أن العلاقات الجنسية لم تكن - بوجه عام - مباحة دون قيود. آمنت كلتا الجماعتين بالمساواة بين الجنسين وحاولت تطبيقها؛ إذ آمنت جماعة الشيكرز بأن المجيء الثاني للمسيح قد حدث متخذا شكلا أنثويا متمثلا في مؤسستها آن لي (1736-1784). وبدأت جماعة أونيدا إجراء تجربة تقوم على عملية تحسين النسل باختيار المسموح لهم بإنجاب أطفال معا. وتعتبر - بوجه عام - تلك التجربة ناجحة من منطلق أن أغلب الأطفال الذين نتجوا عنها كانوا أصحاء وأذكياء على حد سواء. وفي أغلب الأحوال استمر الحال هكذا في نسلهم.
شكل 2-2: ملتقى جماعة الشيكرز في كانتربيري، نيوهامبشير، ويظهر فيه بابان منفصلان أحدهما للرجال والآخر للسيدات.
تأسست مجتمعات أخرى بناء على أفكار إصلاحيين، مثل الرجال الذين حددهم فريدريش إنجلز (1820-1895) بوصفهم اشتراكيين يوتوبيين؛ لتمييزهم عن الاشتراكية العلمية الماركسية. حدد إنجلز ثلاثة منظرين بوصفهم اشتراكيين يوتوبيين: الويلزي روبرت أوين (1771-1858)، والفرنسيين تشارلز فورييه (1772-1837)، وهنري سان-سيمون (1760-1825). ورغم أن أيا منهم لم يكتب رواية يوتوبية، فقد نشروا رؤيتهم للمجتمعات المثالية، وكتب آخرون روايات يوتوبية استندت إلى أفكار أوين وفورييه. أسس أوين مجتمعات مقصودة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، في حين أسس آخرون مجتمعات بناء على أفكاره في هذين البلدين وفي أيرلندا. كان أوين منشغلا بإدخال إصلاحات في المصانع، والإصلاحات التي أدخلها بمحلج القطن خاصته في قرية نيو لانارك، اسكتلندا، حققت نجاحا كبيرا. وقرية نيو لانارك الآن بقائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي. والمجتمعات التي قامت على مقترحات فورييه وسان-سيمون تأسست في فرنسا، وفيما بعد في الولايات المتحدة الأمريكية.
شكل 2-3: كانت قرية نيو لانارك الموقع الذي شهد أول خطوة كبرى في حياة روبرت أوين (1771-1858) باعتباره إصلاحيا. عندما تولى أوين منصب مدير محلج القطن في تلك القرية، وفر لسكانها اللائق من المسكن والتعليم والرعاية الصحية والطعام بأسعار في المتناول، والتي لم يكن أي منها متاحا في أغلب البلدات التي تتكون حول المصانع . ألغى أوين أيضا وسائل العقاب البدني، ووضع قيودا على عمل الأطفال. حققت تجربة أوين نجاحا عظيما من منطلق أنها زادت من الإنتاجية، وفي الوقت نفسه كان العمال في حال أسعد. وقرية نيو لانارك الآن بقائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي. (3) الكيبوتسات
تأسس الكثير من المجتمعات الدينية والعلمانية خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إلا أن الحدث الكبير اللاحق في تاريخ المجتمعات المقصودة كان تأسيس ديجانيا، أول كيبوتس، في فلسطين في عام 1920. انتقل الكثير من اليهود، أغلبهم من الشباب، إلى المنطقة لتأسيس كيبوتس عبر ما يعرف الآن بإسرائيل. كانت الكيبوتسات الأولى علمانية في الأساس، رغم تأسيس مجتمعات دينية أيضا أطلق عليها الموشافات.
অজানা পৃষ্ঠা