كاسكا :
إني لأعرف من طيب مخبرك مثلما أعرف من حسن منظرك، وألمح من صفاء سريرتك، ما ألمح من ضياء أسرتك.
6
اعلم أن الشرف ديدانك ومذهبك، والشرف هو مغزى قصتي ومرمى حديثي الذي أفضي به إليك، لست أدري ما رأيك أنت وغيرك في هذه الحياة، أما أنا فالموت عندي أروح من الحياة أقضيها على مضض الخوف من مخلوق مثلي، لقد ولدت حرا مثل قيصر، وولدت أنت كذلك، وغذينا بمثل ما غذي مراءة وطيبا، ولنا مثل طاقته على احتمال القر ونفحاته، ولقد أذكر أنه في يوم ريح صرصر عاتية، وقد تمرد «التيبر» وثار يلاطم جنبيه، ويقذف بجرجرة الآذي عبريه،
7
قال لي قيصر: «أتجرأ الآن يا كاسياس أن تثب معي في هذه اللجة الجامحة، والموجة الطامحة، ثم تسبح إلى ذلك الموضع من الساحل؟ فما هو إلا أن فاه بهذا حتى اندفعت وسألته أن يتبعني، ففعل ولليم أيما ضجيج وعجيج، وطفقنا نجالد الغمار بسواعد مفتولة، وأعضاد مدمجة مجدولة، نمزق جحافل التيار، ونقذف بكتائب الموج ذات اليمين وذات اليسار، نصدها بجنان يحن إلى الكفاح، ويخف إلى الجلاد ويراح.
8
ولكن شاءت الأقدار أنه قبل بلوغنا المكان المعين صاح بي قيصر: «أغثني كاسياس وإلا غرقت»، فما كان إينياس جدنا الأعظم يوم ارتث من كبة النيران أنكيسيس الهرم، فاحتمله على عاتقه بأسرع مني غياثا؛ إذ دلفت إلى قيصر فاختطفته من غاشيات اليم. ولقد أصبح هذا الرجل إلها معبودا، وكاسياس إن هو إلا مخلوق ذليل حتم عليه أن ينحني إجلالا لأدنى تسليمة من قيصر، لقد شهدت قيصر في إسبانيا وقد أصابته الحمى، فلما كان في بعض نوباتها رأيته يجف
9
ويرجف، أجل لقد كان ذلك الإله يجف ويرجف، ورأيت شفتيه كشفتي الجبان قد نصلتا من صبغتهما، وعينه التي تروع العالم لمحاتها قد طفئ رونقها وغاض ضياؤها، ولقد سمعته يئن أنينا، ولسانه ذاك الذي أمر الرومان أن يسموا إليه بأبصارهم ويدونوا بسجلاتهم خطبه لقد صاح - وا أسفاه: «اسقني جرعة ياتيتنياس»، كما لو كان صبية عليلة! يا للآلهة، إني لأعجب لهذا الرجل الواهن القوى، كيف أتيح له أن يسبق إلى ذرا السؤدد والعلاء هذا العالم العظيم ويحرز قصب السبق وحده؟! (موسيقى وهتاف)
অজানা পৃষ্ঠা