لقيني الزميل الصحفي المتفنن الأستاذ حبيب جاماتي فابتدرني قائلا: ابن حلال والله، لقد تركت الساعة على مكتبي خطابا أعددته لإرساله إليك، وضمنته بعض المعلومات عن شرشل بك الذي ذكرته في إحدى مقالاتك، ثم خرجت قبل أن أتم الخطاب على نية العودة إلى إتمامه وإرساله، فالحمد لله أنني لقيتك لأحدثك بما كنت أنوي أن أرسله إليك، مكتوبا في موضوع هذا الرجل.
ثم قال الأستاذ جاماتي: إن الرجل قريب حميم لرئيس الوزارة البريطانية كما قدرت، وله ذرية في لبنان ومعارف وأصحاب، وهم يذكرونه باسم شرشر بك ... فقد عربوا اسمه كما عربوا كثيرا من أخباره وأطواره، وهو من الشخصيات التي تحيط بها الأخبار والذكريات.
وفي ذلك اليوم نفسه وصل إلى دار «أخبار اليوم» كتاب من المؤرخ اللبناني المعروف الأستاذ صموئيل عطية، تفضل فيه ببيان موجز عن شرشل بك اللبناني وسبب مقامه في لبنان وانقطاعه فيه عن أسرته الإنجليزية.
قال الأستاذ عطية: «إن إنجلترا أرسلت في أوائل القرن التاسع عشر أسطولها إلى المياه السورية لمساعدة الدولة العلية، ووقف الزحف الذي قامت به جيوش إبراهيم باشا، وأن الأسطول ألقى مراسيه بميناء بيروت؛ لكي يخير الأمير بشير الشهابي حليف إبراهيم باشا بين استسلامه لأميرال الأسطول أو نفيه إلى الآستانة، وكان على ظهر البارجة التي تقل الأميرال بعثة إنجليزية سياسية، أحد أعضائها الكولنل شرشل من عائلة شرشل المشهورة، ففي إحدى الحفلات التي أقيمت لتكريم هذه اللجنة تعرف الكولنل بسيدة من العائلة الشهابية، فهام بها وقرر أن يتزوجها، ولما عارضته عائلته استعفى من الجيش البريطاني غير عابئ بتهديد العائلة.»
شرشل محب للشعر العربي
ويفهم من بيان الأستاذ عطية أن شرشل بك هذا كان كاتبا مشغولا بالتاريخ، وأنه ألف كتابا أهداه إلى صديقه الدوق ولنجتون المشهور، عني فيه خاصة بعقائد الطائفة الدرزية.
بل يفهم من أخباره أنه أراد أن يحيط نفسه بالجو الشرقي كله، وهو ذلك الجو الذي يعتقد المسحورون بالشرق من الغربيين أنه لا يخلو يوما من شعر يقال في جميع المناسبات، فاشترى قرية صغيرة من قرى لبنان تقع بين بلدتي عالية وبحمدون المعروفتين للمصطافين، وبنى فيها قصرا، وساعده على زراعتها كثرة الينابيع، ولا تزال على جسر بناه فوق أحد الأفنية لوحة رخامية منقوش عليها ما يأتي:
لقد أنشاه شرشل بك جسرا
تمر الناس فيه بالأمان
شرى هذا المكان وكان أرضا
অজানা পৃষ্ঠা