إن أحوالنا تسير من حسن إلى أحسن، وقد أصبحنا أكثر تعارفا وتآلفا، فهو لم يعد يحاول أن يتجنبني كما كان يفعل من قبل، وهذه علامة طيبة، تدل على أنه يحب أن أبقى معه، وقد ملأني ذلك سرورا؛ ولذلك أحاول قدر استطاعتي أن أفيده بكل الوسائل الممكنة ... حتى يزيد من اهتمامه بي، ففي أثناء اليومين الأخيرين أخذت على عاتقي مهمة تسمية الأشياء بأسمائها، وبذلك أرحته منها؛ إذ تنقصه هذه الملكة، ولا بد أنه يدين لي بالشكر والاعتراف بالجميل، فهو لا يستطيع أن يفكر في أي اسم معقول، ولكنني أحاول ألا أجعله يحس بهذا النقص. وكلما ظهر مخلوق جديد سارعت إلى تسميته قبل أن يكشف عن نقصه الذي يتمثل في صمته المطبق، وبهذه الطريقة أنقذته من مواقف حرجة كثيرة.
وأنا ليس بي مثل هذا النقص، ففي اللحظة التي تقع فيها عيني على حيوان ما، أعرف ما هو في الحال، ولا يستدعي الأمر مني لحظة من التفكير؛ لأن الاسم الصحيح ينطلق من فمي فجأة كما لو كان إلهاما، ولا بد أن يكون إلهاما؛ لأنني متأكدة أن الاسم لم يكن في ذهني منذ لحظة، فإنني أحس بمجرد رؤية شكل المخلوق وطريقة تحركاته أي نوع من الحيوان هو.
فمثلا عندما اقترب منا طير الدودو كان يعتقد أنه قط وحشي، لقد عرفت ذلك من عينيه، ولكنني أنقذت الموقف واستطعت أن أفعل ذلك دون أن أجرح عزته، فقد تحدثت إليه بنغمة طبيعية أعبر بها عن دهشتي ولا أظهر بها كما لو كنت أقدم إليه معلومات جديدة، فلقد قلت: حسنا! إنني أتساءل: أليس هذا هو الدودو؟!
ثم أخذت أشرح - دون أن أظهر ذلك - كيف عرفت أنه الدودو! وبالرغم من أنني أحسست بأنه قد استاء قليلا؛ لأنني عرفت هذا المخلوق في حين عجز هو عن معرفته، فقد كان من الواضح أنه كان معجبا بي ... لقد سرني ذلك، وفكرت فيه مرات وأنا أشعر بالسرور قبل أن أنام.
هناك أشياء، ولو أنها تبدو تافهة، إلا أنها تبعث السعادة إلى نفوسنا؛ لأننا فزنا بها عن جدارة.
الخميس
أول مرة أحس فيها بالأسى ...
لقد تجنبني بالأمس، وكان يبدو عليه أنه يتمنى ألا أوجه إليه الحديث ، لم أستطع أن أصدق هذا، واعتقدت أن هناك سوء تفاهم؛ ذلك لأنني أحب أن أكون دائما بجانبه، كما أحب أن أسمعه وهو يتحدث إلي، فكيف تبلغ به القسوة أن يفعل ذلك دون أن أرتكب شيئا يغضبه؟
وأخيرا، اتضح لي أن المسألة جدية؛ ولذلك تركته وجلست وحيدة في المكان الذي رأيته فيه لأول مرة في صباح اليوم الذي صنعنا فيه، وكنت لا أعلم ما هو، كما كنت لا أهتم به. أما الآن فقد أصبح هذا المكان ذكرى حزينة لي؛ إذ إن كل شيء صغير فيه يذكرني به، وكان قلبي حزينا، ولم أكن أعرف السبب؛ وذلك لأن هذا الشعور الذي انتابني كان شعورا جديدا علي لم أحس به من قبل، كان سرا غامضا بالنسبة إلي، ولم أستطع أن أعرف كنهه.
ولكن عندما جاء الليل لم أستطع تحمل الوحدة، فذهبت إلى المخبأ الجديد الذي بناه لنفسه لأسأله عما ارتكبت من خطأ، وما السبيل إلى إصلاح الخطأ حتى يعود إلي حنانه مرة أخرى.
অজানা পৃষ্ঠা