ذهب مروان إلى الحمام، بينما النساء جلسن يشاهدن فلم ذاكرة مروان؛ علهن يجدن شيئا مسليا. شاهدن حفلا كبيرا في صالة كبيرة، فيه أناس كثر يستمعون لرجل يخطب فيهم. ثم شاهدن رجلا يقوم من مكانه، يرتدي قميصا عليه معطف، ويعتمر شالا حول رأسه، ويحتزم بخنجر. وقف أمامه رجل آخر في السبعين من عمره، يرتدي بدلة أنيقة. أخرج مسدسا وقال له: «خذ أيها الكافر!» وأطلق عليه الرصاص أمام الجميع. ذهلت النساء، وأوقفن مشهد القتل حتى عاد مروان من الحمام؛ ليعرفن من ذلك الرجل البريء الذي قتلوه أمام العالم، وعدسات البث التليفزيوني تصور المشهد. وقف مروان أمام الشاشة وقال بأسف: إنه «جار الله عمر»، قتلوه في حفل ذكرى تأسيس التجمع اليمني للإصلاح. يا للأسف! - ولماذا قتلوه؟! - ليفتخر القتلة بأنهم قتلوه أمام العالم. - وهل يفتخر القاتل بقتل الآخر؟! - نعم، يرى نفسه بطلا مقداما، لا سيما لو كان يقاتل من أجل نصرة الرب. - وهل الرب يحتاج إلى من ينصره؟! كيف يكون ربا إذن؟! يمكن للشخص أن ينصر شخصا آخر.
6
نام مروان تلك الليلة دون ممارسة اللقاء الروحي، استيقظ في الساعة العاشرة صباحا. قال له بروسي: «كل يوم والكسل يزداد فيك يا كريم، أصبحت غريب الأطوار ولم تعد تذهب إلى العمل.»
لم يغضب مروان من مناداته باسم كريم، يرى أن بروسي آلة مبرمجة مسبقا، وقال له: «لا عليك يا صديقي، أنت تشبه الكثير من البشر في حياتي السابقة.»
ذلك اليوم لم تذهب مريانا إلى العمل؛ أثناء إجازة الدورة الشهرية لمدة ثلاثة أيام في الشهر. فرح لبقائها، وسألها عن أمور يجهلها، من ضمنها عن عمل الجامعات والمدارس، اندهش حين قالت له: لم يعد هناك بناء خاص للمدارس أو الجامعات؛ فالتعليم أصبح عبر القنوات الدراسية الفضائية، تبث دروسها وتجاربها العلمية وامتحاناتها للعالم أجمع باللغة العالمية الموحدة، حتى ولو كان الطالب في الحديقة أو مسافرا، فكل إنسان يحمل قلمه الدراسي الخاص، يتواصل مع الجامعة أو المدرسة في أي وقت، والتعليم ارتقائي وليس محض خزانة للمعارف، وهناك اهتمام خاص بالأذكياء. - ألا يوجد غش في الامتحانات؟ - ماذا تقول؟! غش! لم أتصور أن تقول هذه الكلمة وقد أخذت اللقاح الديني، فالغش فرع من فروع الكذب، وجزاء الكاذب هو النبذ من المجتمع إلى جزيرة الشواذ.
عادت النسوة من عملهن مساء، وأثناء تناولهن وجبة العشاء، سألهن عن الأماكن الترفيهية كالمسارح والسينما والملاهي .. وتفاجأ بأنهن لم يعرفن ما معنى تلك الكلمات، حين أخبرهن عن تلك الأماكن، أخبرته سناء أن تلك الأماكن لم يعد لها وجود. وأن السعادة لا تجلب من خارج الجسد بل تنبع من الداخل. ثم سألنه أن يحدثهن عن حكايات حدثت أمامه مؤخرا في عالمه. فحدثهن عن الربيع العربي، الذي تحول إلى الصقيع العربي، ضد الجمهوريات الملكية .. توقف مروان عن سرد حكايته الطويلة، بعد أن لاحظ أن حورياته قد نمن في الصالة ما عدا سيرينا لم تنم. في الصباح قال بروسي لمروان: «يا كريم، ستفسد نظام هذا المنزل، ماذا جرى لك؟! أظن أن فيروسا أصابك!»
خلال الأيام الثلاثة التي بقيت فيها مريانا في البيت لم تطلب من مروان أن يمارسا اللقاء الروحي وحدهما. حين سألها عن ذلك ردت قائلة: «حينما تختفي الأنانية في المرء لا يفكر إلا في مصلحة الجميع، ولو طلبت منك ذلك؛ سأعاقب نفسي على طلبي الأناني! ثم إنني أمارس ذلك مساء معك أمام الجميع.»
كانت مريانا تكتم حبها لمروان الذي بدأ يطرأ عليها. تشعر أن الأنانية التي بدأت تطرأ على مروان، وهي تراقب أفكاره انتقلت إليها هي أيضا، وتحاول جاهدة أن تقهر سيطرة الأنا فيها.
في ذلك الصباح ومروان يقبل نساءه واحدة تلو الأخرى، كانت أمه في الوقت نفسه تستقبل رجلا حبشيا، يدعى «فنحاس»، يحضر الأرواح. وقف فنحاس أمام مروان، وهو يسد أنفه. وأشار إلى معاوية بزيادة المبلغ المالي، وطلب منه بألا يبقى بجواره أحد غير أمه فقط. راح فنحاس يتمتم بكلام غير مفهوم، ويهتف بصوت عال وهو يمرر يده فوق مروان: «أيتها الروح الشريرة، اخرجي من هذا الجسد!»
كانت الأم تسمع صوتا أجش مخيفا: لن أخرج منه حتى يكتمل نموي! - ستقتل هذا الآدمي يا لعين! - هكذا الفرخ يخرج من البيضة. - وهل أنت فرخ ومروان بيضة؟! - نعم، لقد زرعني أبي في هذه البيضة. - سأحرقك بالنار. - لن تقدر.
অজানা পৃষ্ঠা