كان مروان في عالمه الفردوسي في غاية الحيرة، يحدث نفسه: «ملائكة العذاب شداد غلاظ، يخافهم البشر لمجرد وصفهم، وهؤلاء يبدون ملائكة رحمة. هذا ما لم أسمعه في حياتي!» سأل البروفيسور بخوف: أليس هذا يوم الحساب، وأنتم ملائكة العذاب؟! أتوسل إليكم، الرحمة! كنت مؤمنا بيوم الحساب، لكن كنت أفعل عكس ذلك. عشت في نفاق مع نفسي ومع الله.
أنصت بدهش لما تقوله ماري، وهي سعيدة بما اكتشفته: ماذا تقول؟! أنت في صنعاء .. وقد عرفنا من أي زمن ماض أتيت، لقد حدثت لك معجزة إلهية، كيف بقيت حيا إلى هذا العصر؟! أما ما قلته عن إيمانكم بيوم الحساب أظنه كان نفاقا. المؤمن بيوم الحساب لا يرتكب أخطاء أو معصية مقصودة في حياته، ولو كنتم تؤمنون بيوم الحساب حقا؛ لأحلتم دنياكم إلى جنة، مثل هذا الذي تراه الآن.
تهلل وجه مروان وقال بفرح: «ماذا تقولين؟! أنا ما زلت في الدنيا؟!» وزادت حيرته أكثر بما أخبر به عن الدكتور فرنر، وسيعرفون كيف بقي إلى هذا العصر! ومروان يحدث نفسه: «الحمد لله ليس كما تخيلت ... إذن أنا ما زلت أعيش في الدنيا، ويمكن أن أكفر عن ذنوبي.» ثم أخبرته البروفيسور ماري أن الجهاز نسخ ذاكرته كلها عن حياته السابقة، حتى أحلامه مسجلة في رقائق بيولوجية من ال
DNA
في الذاكرة الدماغية له. ولم يشاهدوا إلا جزءا من حياته، وسيعرض ما تبقى منها في وقت لاحق. وأخبرته بما لم يصدقه، بأن هناك محاكاة لدماغ الإنسان البيولوجي، وقريبا سيكون هناك دماغ من صنع الإنسان.
حدث نفسه بغرابة «ما تقوله هذه المرأة لا يقدر عليه إلا الله. هذا هراء .. لكن الجهاز الذي كشف ما في عقلي، لو أنه وجد في زماننا لتغير وجه الحياة . البعض سيخافه أكثر من الله.» تعجب أيضا كيف أن الدكتور فرنر في برهة من الزمن عرف عنه أشياء كثيرة، لا يستطيع أن يعرفها أحد بهذه الدقة والسرعة في زمنه. جلست البروفيسور ماري مع النسوة وهي في حيرة، سألتهن: «كيف أتى هذا الرجل إليكن دون أن تعرفن ذلك؟!»
أفدنها بأنهن لم يعرفن كيف حل بدلا عن كريم شريكهن السابق فجأة، وبأنهن أحببن مروان وسيرتبطن به قريبا، وسيكون تحت رعايتهن. فكرت ماري بالأمر ووجدت أنه من الأفضل بقاؤه عندهن ليقمن بمراقبة رجل بقي حيا منذ أكثر من خمسمائة عام، وأخبرتهن أنها ستقوم بتلقيحه بلقاح الأديان، وسترى مدى تأثير اللقاح فيه. فهو رجل مختلف فسيولوجيا عن إنسان هذا العصر، وولد في عالم تسوده الأنانية وأخذ ذلك عنها. سيبقى لمدة أربعة أيام هنا؛ لتعديل جيناته الأنانية، وكبح نرجسيته الفردية الخبيثة، ويواكب سلوكه هذا العصر، وإن لم يستجب للقاح سيبقى في غرفة الحجر الصحي، وسيقوم الهيموروبوت الطبي بمراقبته، حتى يتم إبلاغ رئيسة مقاطعة صنعاء بهذه الحالة النادرة. قبل عودة النسوة إلى منزلهن، كشف الدكتور فرنر عليهن جميعا، لمعرفة ما إذا كن قد أصبن بأي عدوى انتقلت إليهن من مروان.
في اليوم الأول لمروان وهو في المستشفى، شاهد ممرضة جميلة تبتسم له تطوف على غرفته، ظن أنها معجبة به. قدمت له شرابا والبسمة العذبة لا تفارق شفتيها، وقدمت له الطعام النباتي وقت الغداء. دنت منه فقبض بمعصمها الرقيق للحظة قصيرة، فدفعه شغفه بها وقبلها، وجد خدها باردا، شعر أنها لم تحس بقبلته. ظن أنها غضبت؛ فراح يعتذر لها.
في اليوم التالي زارته البروفيسور ماري، وقدمت لها الممرضة التي ظنها مروان بأنها فتاة بشرية تقريرا مفصلا عنه، وأخبرتها أنه قبلها. كان مروان مندهشا مما تقوله الممرضة، يشعر بالخزي من فعلته. سألته ماري: «هل قبلت الممرضة؟» أنكر مروان أنه قبلها! ابتسمت ماري، وأخبرته بأنها هيوموروبوت طبي لمراقبة وفحص المرضى، ولديهم الكثير منهم. أما الكذب الذي كان وباء العصور السابقة فسيزول عنه قريبا. بدا الخجل على وجه مروان من تصرفه المشين أكثر. وهمس لنفسه: «معقول! هذه الممرضة ليست بشرا؟ أعوذ بالله من الشيطان، اقترب الهيوموروبوت الطبي، وأخبر البروفيسور ماري بما همس به مروان لنفسه.» التفتت ماري إلى مروان وسألته: ماذا تعني بكلمة شيطان؟
تفاجأ مروان بالسؤال وهو يحدث نفسه: «كيف عرفت بما وسوست به نفسي؟ وكيف لا يعرفون معنى كلمة شيطان؟!» تفاجأ مرة أخرى بأنهم لا يعرفون معنى كلمة «شيطان»، وفغر فوه حين أخبرته أن الدكتور «فرنر» ليس بشرا أيضا! وأنه سيخرج إلى عالمه الجديد إنسانا آخر بعد تلقيحه ب «لقاح الأديان».
অজানা পৃষ্ঠা