حضرت النسوة قبل الغروب وكذلك شريكهن. أخذوا حمامهم جميعا، ذهبوا يتناولون عشاءهم، ثم قاموا إلى الرقص والمتعة. كان مروان يراهم آليين يتراقصون أمامه، لو نفذ إلى داخلهم لوجدهم ملئوا بالتروس والأنابيب. يسأل نفسه: «هل هذا الكوكب يقطنه آليون، أم أنني أعيش حلما جميلا؟!»
قبل منتصف الليل ذهب الجميع إلى النوم، واقترب هو من الرجل ينصت إلى تنفسه ونبض قلبه. كرر ذلك كثيرا، وذهب يسرع لفحص النسوة جميعا؛ هل هن بشر أم آليون؟ فرح حين وجدهم بشرا ، حث نفسه أن يكرر التجربة، ليمتلك جسد الرجل الشبيه به في الصورة. وثبت روح مروان إلى سرة الرجل الذي كان في سبات عميق، فوجد مروان روحه تسري في جسد الرجل، وتذوب كالملح في الماء. ثم راح في سبات عميق، لم يستيقظ من نومه إلا اليوم التالي ظهرا. قام يمشي عريانا وهو يشعر بالدوار وبثقل رأسه وبحرارة الجو، ليس كما كان يشعر سابقا أنه نسمة هواء. مشى في الصالة فارتطم بأحد الكراسي وأحس بألم؛ فتراجع إلى الخلف في دهشة! ثم حاول أن يمر عبر جدار المطبخ، كما كان يفعل سابقا؛ فإذا به يرتطم بقوة في الجدار! كادت الفرحة أن تذهب بعقله، وصاح: شكرا لك يا ألله، لقد سمعت دعائي، صار لي جسد في هذا العالم.
حضرت مدبرة المنزل من المطبخ تبدو مرعوبة، قالت له: «لماذا تصيح يا كريم؟!» لم ينتبه لكلامها، لكنه شعر بالخزي من عريه، فذهب يفتش عما يستر عريه أولا، فوجد ملابس ذلك الرجل فارتداها سريعا وهو يشعر بالإحراج؛ لارتداء ملابس تشبه ملابس النساء، الصدر عار والسروال إلى فوق الركبة .. سألته مدبرة المنزل مرة أخرى بلغة لم يفهمها، ثم بالعربية: «لماذا تتفرج كثيرا على ثيابك يا كريم؟! ولماذا تتصبب عرقا على غير عادتك؟ هل لديك حمى؟ اقتربت منه لتحس جبينه، وقالت: «حرارتك عادية، لكنك تتعرق كثيرا، ماذا أصابك يا كريم؟!» .. قال مروان لها: أنا جائع.
أحضرت له مشروبا أبيض اللون، قطعة صغيرة تشبه اللحم، خبزا أخضر اللون. التهمهما جميعا، وهو لا يدري ماذا أكل، ثم طلب المزيد من القطعة التي وجدها لحما لذيذا. كانت المدبرة تستغرب من طريقة أكله وشراهته على غير عادة كريم. لم يستخدم الملعقة ولا السكين .. وقررت أن ترفع تقريرا للنسوة عند العودة عما جرى لشريكهن كريم نورين.
جلس في بهجة كبيرة ينتظر عودة النسوة، وفضل الصمت عند مقابلتهن وهو يرتدي ثياب شريكهن. وصلن وهو يقف أمام مدرج مركبتهن. قبلته الأولى، وهي تستغرب من العرق في جبينه! لكنها لم تشعر أنه مصاب بالحمى، ثم قبلنه واحدة تلو الأخرى، وهو لم يبتسم، كما شاهد تصرف ذلك الرجل معهن سابقا. قدمت مدبرة المنزل تقريرا للنساء عما شاهدته عن شريكهن كريم. سألته إحداهن: ماذا جرى يا كريم؟ كلام المدبرة أخافنا عليك! - شكرا، لم يحدث لي شيء. - لماذا تغير صوتك وتتصبب عرقا؟! هل عاودتك الأحلام الليلة الماضية؟ فقد كنت تهذي الليلة الماضية وتقول كلاما غريبا؛ فسلامتك تهمنا ونحن مسئولات عنك.
ظل مروان صامتا والحيرة تعصف به، يفكر إلى متى سيظل يكذب عليهن، وهو قد عاش حياته يمقت الكذب ويراه من صفة الشيطان. خلعن ثيابهن أمامه فنعظت ذكورته أمامهن، ورحن يتفرجن على سلوكه الهمجي لأول مرة، ينظرن إلى ما بين فخذيه وذكورته منتفخة، وهو جالس وعروة الصبر تكبله. وأخيرا تحدث بضجر، وقال: «أنا لست «كريم»، أنا «مروان»، أعيش معكن منذ أربعة أيام. كريم لن يعود ثانية.»
اندهشت النسوة، ماذا جرى لشريكهن؟ أخذ يحدثهن بفرح غامر، والعرق يقطر منه عما شاهده منذ أن أتى إلى هذا العالم. حدثهن عن عملهن في البستان، وعن حديث تحدثن به هناك، وماذا أكلن، و ... تهامست النسوة في حيرة: «كيف عرف كريم عن حديثنا في البستان، ولم يكن هناك معنا؟ كيف عرف بهذا؟! هذا خطير. لا بد أن يعالج من فيروس التجسس، ومن أين أتى هذا الفيروس، ولم يعد له وجود؟» خفن أن يكون أصابه فيروس جديد كالفيروس الذي هاجم البشرية قبل قرون عدة، وأحدث خللا في النسل البشري. في الوقت نفسه كان مروان يحدث نفسه: «ماذا أقول لهن؟ هل كنت روحا؟! لن يصدقن ذلك!» صمت وأخذ يتظاهر بالنوم، والفرح يملأ قلبه، يفكر بطريقة كيف يقنع النسوة بأنه مروان، وليس الرجل المدعو «كريم»، وأفتى لنفسه التقبيل والعناق فقط، إلى أن يرى في أمر الزواج منهن؛ فهو يريدهن حلالا.
بينما كان مروان في غبطة في عالم الفردوس، يفكر كيف يتزوج النساء، كان في الوقت نفسه في عالم الجحيم مستلقيا على سرير في غرفة العناية، والممرض راجح يتصل بأسرته يخبرهم أن مروان بخير. وجهه يبدو مشرقا، والطاقم الطبي يدرسون حالته بعناية، واشترى له علاجات أخرى، وينتظر أن يسددوا المبلغ غدا. استيقظت الأسرة من نومها مبتهجين من تلك البشارة. قامت غصون تصلي لشفاء ابنها، والزوجة تحمد الله بأن مروان سيعيش وينظر في أمر أملاكه؛ فعلي ومعاوية لن يتفقا على إدارة السوبر ماركت، وقد بدأ النزاع بينهما وأبوهما على قيد الحياة. وراحت تدعو الله أن يعيش ليقسمها بين الورثة، وهو على قيد الحياة؛ حتى لا يحدث خلاف بين أولادها على التركة مستقبلا كما حدث بين أولاد خالها. تنازعوا على الثروة بعد موت أبيهم، وذهبت معظمها إلى أيدي المحامين والحكام.
حضر منير إلى بيت عمه، استقبلته حميدة، كانت تبدو غاضبة مما يجري بين أولادها، ففكر بأنها غاضبة منه، لكنه عذرها على سلوكها؛ فالحرب أوجدت سلوكا ليس من صفات المجتمع. حين عرف سبب الشجار في البيت ضحك في سره .. جلست فاطمة بالقرب منه، وولداها نادر في عمر الرابعة، وسامي في عمر الخامسة يلعبان أمامهما.
فاطمة أحبت «منير»، ترى أنها لن تجد زوجا يرتبط بها يقاربها في السن ولديها أولاد، إلا رجلا كبيرا في السن، يأتي عن طريق أبيها في زمن الحرب التي وقودها الشباب.
অজানা পৃষ্ঠা