ইসলামের দিন

আহমদ আমিন d. 1373 AH
66

ইসলামের দিন

يوم الإسلام

জনগুলি

وفي تركيا ظهر مدحت باشا يدعو إلى الأخذ من المدنية الغربية بقدر نافع، والاقتباس منهم خير ما عندهم في نظم الحكم. ثم جاء مصطفى كمال، ودعا إلى الإصلاح من طريق آخر وهو التخفف من العرب بلغتهم ودينهم كأن هذا ثقل عليه، وغمس الأمة كلها في الحضارة الغربية بحذافيرها من غير تنقية ولا انتخال.

وكان من دعائم إصلاحه: إلغاء وزارة الأوقاف وجعل تدبيرها لرئيس الأمور الدينية وهيئة علمية استشارية بجانبه، وإلغاء المحاكم الشرعية، والمدارس الدينية، وقصر التعليم الديني على كلية اللاهوت التي تتبع الجامعة، وإلغاء الطرق الصوفية، وإغلاق الزوايا والتكايا، وتحريم الألقاب الصوفية من درويش ومريد وأستاذ وسيد وشلبي ونقيب ... إلخ، وتحريم العرافة والسحر والتنجيم وكتابة التعاويذ والأحجبة، وتحديد الزي الديني، وعدم السماح به إلا لطائفة خاصة كرئيس الأمور الدينية والأئمة والخطباء والوعاظ. ومنع الإسراف في الجهاز والزواج فلا ينقل جهاز علانية، ولا تقام مآدب عامة في الأفراح. وسن قانونا مدنيا بدل مجلة الأحكام الشرعية حرم فيه تعدد الزوجات، وخول لكل من الزوجين الحق برفع قضية الطلاق لأسباب معينة، وتحرير المرأة من حيث سفورها ومساواتها بالرجل سياسيا واجتماعيا ومدنيا، ففتح لها مجال الكسب والتوظف في الوظائف. واعتبر الزواج شركة تتألف من جزأين متساويين، وشرع للمرأة حق أن تنتخب وتنتخب، وفصل الدين عن الدولة؛ فلم يستخدم في التشريع ولا في الحكم ولا في الإدارة. وغير كتابة اللغة التركية من الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية.

وهكذا كانت إصلاحاته مدنية لا دينية، بينما كان على النقيض من ذلك إصلاحات محمد بن عبد الوهاب؛ فهي إصلاحات دينية لا دنيوية، وبين هذا وذاك كانت إصلاحات جمال الدين الأفغاني ومدحت باشا وخير الدين باشا التونسي وأمثالهم، وفي تونس ظهر خير الدين باشا التونسي يدعو كدعوة مدحت باشا.

وفي الهند ظهر السيد أحمد خان والسيد أمير علي يدعوان إلى إصلاح حال المسلمين بدعوة تشبه دعوة مدحت باشا وخير الدين باشا التونسي. وهكذا كان في كل مصر مصلح ينبه الوعي القومي ويحض على الثورة والإصلاح. ولما أحست الدول الأوروبية بكراهة المسلمين ظنتهم أطفالا، فرفعت كلمة الاستعمار ووضعت موضعها كلمة الانتداب؛ ظنا منها أن المسألة مسألة ألفاظ، ولكن لم يكن المسلمون مغفلين إلى هذه الدرجة. فلما قامت الحرب العالمية الأولى وانتهت، كان قادة الأوروبيين والأمريكيين قد نادوا في أيام الشدة بمبادئ العدالة والحرية وأحقية الشعوب المستضعفة في حكم نفسها بنفسها، فلما أرادت أن تتراجع بعد انتهاء الحرب شبت الثورات في مصر وسوريا والعراق وغيرها ضد الاستعمار تريد الاستقلال ففاز بعضها، ولما يفز بعضها، ولا تزال القلوب منطوية على ضغن، وفكرة الحروب الصليبية تعمل عملها إلى اليوم.

الحق أن موقف الأوروبيين المسيحيين عجيب؛ فهم إذا علموا أن شعبا نصرانيا عذب أو أهين ثارت ثورتهم، أما إذا علموا أن المسلمين عذبوا وأهينوا لم تتحرك شعرة فيهم، خذ مثلا هذا الذي كان بين الأرمن والمسلمين؛ فقد تعدى الأرمن على المسلمين، وعذبوهم وقتلوهم فلم يتحرك الأوروبيون لنصرتهم، وتعدى المسلمون على الأرمن وعذبوهم وقتلوهم فثارت ثورة الأوروبيين. ولا يقل قائل إنهم لم يكونوا يعلمون؛ لأن هناك دلائل تدل على علمهم . ولما شبت الحرب الريفية في مراكش أرسل الصليب الأحمر بعثة طبية لمعالجة جرحى الفرنسويين وجرحى المسلمين تبعا. ولكنه لما أراد المسلمون أن يبعثوا بعثة طبية لم يرضوا عن ذلك. وقد حموا نساطرة العراق؛ لأنهم نصارى وتآمروا معهم ضد المسلمين فيه، واتخذتهم لها بطانة. وقال ملك إسبانيا عند حرب الريف: إن إسبانيا اشتهرت منذ القدم بقتال المسلمين، وفي هذه النوبة هي مصممة على ألا تترك قتال المسلم للريف حتى تنصب الصليب هناك محل الهلال. وقد بذلت حكومة هولندا الأموال الكثيرة في تغيير عقائد مسلمي جاوة وسومطرة بواسطة رجال التبشير، ولكنها لم توفق إلى تغيير عدد كبير من المسلمين يساوي المبالغ المصروفة، فعمد بعض رجالهم إلى القول بأنهم لا يعدون المسلمين المحدثين مسلمين، إنما المسلمون من أسلموا منذ أربعة قرون فأكثر. ولم يمنع الحكومة الهولندية أن تأخذ بهذا الرأي سوى تحذير بعض عقلائهم من السير في هذا السبيل؛ لأن الجاويين لا يفرقون بين مسلم قديم ومسلم حديث.

ومالنا نذهب بعيدا وقد سمعنا في الأيام الأخيرة في القتال في فلسطين بين اليهود والمسلمين أنه إذا انتصر المسلمون نادوا بوقف القتال، وإذا انتصر اليهود سكتوا. ويفعل النصارى الأفاعيل في المسلمين فلا يقال إنهم متعصبون، ويفعل المسلمون جزءا صغيرا مما فعله الأوروبيون فيرمونهم بالتعصب المقيت. والخلاصة أن فكرة الحروب الصليبية متغلغلة في نفوسهم، فإن خفيت في عقولهم فهي كامنة في وعيهم الباطن لا يصدرون إلا عنها، ولا يغفرون أبدا للمسلمين أنهم انتصروا عليهم يوما ما، كما لا يغفرون أيضا لهم نجاحهم في إدخال الناس في دينهم حتى من غير تبشير، وعجزهم هم حتى مع التبشير. وقد اجتمعت مرة جمعية الرابطة الشرقية، وأرادت إرسال بعثة طبية إلى جدة لمساعدة جرحى الحجاز في القتال بين الشريف الحسين بن علي وابن سعود، فوافقت على ذلك؛ لأنها كانت تناصر الحسين بن علي. فلما أرادت إرسال بعثة طبية أخرى لمساعدة الريفيين في مراكش أبت عليها ذلك؛ لأن المسلمين في نفس الحرب يحاربون الفرنسيين المسيحيين. والأمثلة على ذلك لا تحصى. فمن الغفلة أن نقول إن الحرب اليوم حرب سياسية لا دينية، لأن المظاهر كلها تدل على ما نقول، ولأن النصرانية وعداءها للإسلام كامنة في نفوسهم لم يزلها أي عامل، غاية الأمر أنها تحت ستار. وأوضح مثل لذلك أنهم عابوا على ملك إسبانيا قوله المتقدم؛ لأنهم يريدون أن يعملوا من غير أن يقولوا، ويستتروا من غير أن يظهروا، وإنما هي فلتات ومقارنات تدل على منحاهم، فليتعظ المسلمون. وإن ما يشيعونه من عدل وإخاء ومساواة ليس إلا فيما بينهم. أما الأجناس المسلمة فليس واجبا عليهم فيهم عدل ولا إخاء ولا مساواة. والحوادث ترينا أن المسلمين أكثر تسامحا وأقل تعصبا، فإذا تعصبوا فمقابلة للتعصب بالتعصب. هذا تاريخ صلاح الدين مع الصليبية: أيهم أكثر تسامحا وأقل تعصبا؟ وهذا الشريف الحسين بن علي، كان يقول القول ويحتفظ به، وكان الإنجليز يقولون القول في الظاهر، ويعملون ضده في الخفاء، وهذا وهذا مما لا يعد ولا يحصى.

إن المسلمين إذا أنسوا من شخص صدقا ووفاء وسلما جروا وراءه اتباعا لقوله - تعالى:

وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ، والمسيحيون إذا أنسوا من واحد غفلة وقعوا عليه وقوع الحدأة على العصفور أو الصقر على الحدأة.

لقد مر زمن كان المسلمون فيه هم الغالبين فحكموا النصارى واليهود حكما عادلا، لا نعرف في التاريخ مثله، تبعا لتعاليم الإسلام. نعم إن عمر بن الخطاب في أول عهده انتدب يعلى بن أمية لإجلاء النصارى من أهل نجران عن بلادهم، ولكن عذره في ذلك أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم

অজানা পৃষ্ঠা