بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(باسمه تقدس أستفتح ... وَبِه أستعين وأستنجح)
الْحَمد لله الَّذِي جعل أهل الحَدِيث فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم نخبة خلقه، وحباهم بالإجلال والتعظيم، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة تنجي قَائِلهَا من نَار الْجَحِيم، (وتوجب لَهُ الْفَوْز بجنات النَّعيم) .
وَأشْهد أَن مَوْلَانَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، الْمَبْعُوث بِالدّينِ القويم، والصراط الْمُسْتَقيم، ﷺ وعَلى آله وَصَحبه المخصوصين بالفيض العميم، وَبعد.
فَيَقُول العَبْد الحقير والقائم على قدم الْقُصُور وَالتَّقْصِير، مُحَمَّد الْمَدْعُو، عبد الرؤوف ابْن الْمَنَاوِيّ، (الْحداد كَفاهُ الله الْمُنَادِي والمعادي) الشَّافِعِي - غفر الله تَعَالَى ذنُوبه، وَستر عيوبه - قد كنت سُئِلت
1 / 113
مرَارًا وكرارًا فِي وضع شرح النخبة فِي عُلُوم الحَدِيث، لعالم هَذَا الْفَنّ وإمامه، وجهبذه وواسطة عقد نظامه، شيخ الْإِسْلَام، قَاضِي الْقُضَاة، خَاتِمَة الْحفاظ أبي الْفضل أَحْمد بن حجر الْعَسْقَلَانِي - طيب الله ثراه، وَجعل الْجنَّة متقلبه ومئواه - فأجبت إِلَى ذَلِك (بعد التسويف وإهابه السلوك فِي هَذِه المسالك) .
شرعت فِيهِ (بعد الإلحاح) مَعَ قل البضاعة، وَقصر الباع فِي هَذِه الصِّنَاعَة، فسودت أَكْثَره ثمَّ حَال دون إِتْمَامه وتبييضه أَنِّي رميت بخطوب سقتني من الهموم عقارا، ومصائب لم أجد لي مَعهَا عَن تمني الْمَوْت اصطبارا / كَيفَ لَا وَقد أَصبَحت القريحة قريحة، والجوارح جريحة، والحواس الْعشْرَة عليلة غير صَحِيحَة، قد رماني بِالسَّهْمِ زماني، حَتَّى أحجمت النَّفس عَن الْأَمَانِي، وَللَّه در
1 / 114
الطغرائي (حَيْثُ يَقُول):
(هَذَا جَزَاء امرء أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الْأَجَل)
نعم، وَثَمَرَة الْفُؤَاد قد فقدت، ونار الْحزن فِي الْجنان قد اشتعلت واتقدت، والخاطر منكسر، والدمع منهمر، وصرت كمعتوه، أَو من بِهِ طيف من متقطع جُنُون، فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون.
(خلا الرّبع من سلمى وَهَا (تيك) دارها ... وأظلم لما أَن تَوَارَتْ بدورها)
(وأقوت عقيب الراحلين قصورهم ... وَقد عمرت بالنازلين قبورها)
(فيا صَاحِبي مَاذَا انتظاري بعدهمْ ... وَلَا شكّ أَنا قريب نزورها)
1 / 115
وَهَذِه نفثة مصدور، فليسدل الْوَاقِف عَلَيْهَا الستور.
وَمَعَ اتصافي بِهَذَا الْحَال، قد ألح عليّ بعض أهل الْكَمَال فِي الْإِكْمَال، فبيضت مَا كنت سودته، وأبرزت مَا عَن النَّاس كتمته، ضامًا إِلَيْهِ مَا لأسلافنا وَآبَائِنَا - رَحِمهم الله تَعَالَى - من الْكَلَام على هَذَا الْكتاب، وَالله تَعَالَى هُوَ الملهم للصَّوَاب، وسميته: اليواقيت والدرر فِي شرح شرح نخبة ابْن حجر، وَمن الله أَسْتَمدّ التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة إِلَى أقوم طَرِيق، (لَا معبود سواهُ، وَلَا ملْجأ لي إِلَّا إِيَّاه) .
1 / 116
تَرْجَمَة الْحَافِظ ابْن حجر
وَقد رَأَيْت أَن أورد تَرْجَمَة الْمُؤلف / - رَحمَه الله تَعَالَى - ليعلم جلالته تَفْصِيلًا من علمهَا إِجْمَالا فَأَقُول:
اسْمه وَنسبه ومذهبه وكنيته وَالثنَاء عَلَيْهِ
هُوَ أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي الأَصْل الْمصْرِيّ المنشأ الشَّافِعِي (الْمَذْهَب) شيخ الْإِسْلَام، شهَاب الدّين أَبُو الْفضل ابْن حجر.
فريد زَمَانه حَامِل لِوَاء السّنة فِي أَوَانه، ذهبي عصره ونضاره وجوهره الَّذِي ثَبت بِهِ على كثير من الْأَعْصَار افتخاره، إِمَام هَذَا الْفَنّ للمقتدين ومقدم عَسَاكِر الْمُحدثين، مرجع النَّاس فِي التَّضْعِيف والتصحيح، وَأعظم الشُّهُود والحكام فِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح، قضى لَهُ كل حَاكم بارتقائه فِي علم الحَدِيث إِلَى أَعلَى الدرج، حَتَّى قيل: حدث عَن الْبَحْر وَلَا حرج.
1 / 117
وَأعظم بتصانيفه فِيهِ الَّتِي مَا شبهت إِلَّا بالكنوز والمطالب فَمن ثمَّ قيض لَهَا مَوَانِع تحول بَينهَا وَبَين كل طَالب.
زين الله بِهِ فِي هَذَا الزَّمَان الْأَخير وَأَحْيَا بِهِ، وَشَيْخه الْحَافِظ الزين الْعِرَاقِيّ سنة الْإِمْلَاء بعد انْقِطَاعه من زمن كثير.
طلبه للْعلم ومشايخه والعلوم الَّتِي برع فِيهَا
كَانَ أَبوهُ بارعًا فِي الْفِقْه والعربية وَالْأَدب ذَا نظم ونثر، (واجتهاد فَبلغ الإرب)، وَمَات وَتَركه طفْلا.
فَلَمَّا (شب) ترعرع، وَحفظ القرءان و" الْحَاوِي "،
1 / 118
" والعمدة " و" مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب "، و" الملحة " وَغَيرهَا.
واعتنى بالأدب وَالنّظم والنثر حَتَّى برع ونظم كثيرا فأجاد وَهُوَ ثامن السَّبْعَة الشهب الشُّعَرَاء.
ثمَّ أقبل على الحَدِيث / سَمَاعا وَكِتَابَة وتخريجًا وتعليقًا وتأليفًا.
ولازم الْحَافِظ الزين الْعِرَاقِيّ حَتَّى تخرج بِهِ وَرَأس فِي حَيَاته وتفقه
1 / 119
على السراجين: البُلْقِينِيّ وَابْن الملقن والبرهان الأبناسي.
وَأخذ الْأُصُول والعربية عَن الْعِزّ بن جمَاعَة، واللغة عَن صَاحب الْقَامُوس.
رحلاته
ورحل إِلَى الْحجاز، وَالشَّام واليمن.
المناصب الَّتِي تقلدها
وَولى مدارس كَثِيرَة: كالشيخونية وجامع
1 / 120
القلعة والبيبرسية والجماليه، والصلاحية والحسينية والمنصورية والزينية وجامع طولون، والمحمودية والخروبية والشريفية
1 / 121
والفخرية والصالحية النجمية والمؤيدية.
وَقَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية وَكَانَ قبل ذَلِك نَائِبا عَن الْجلَال البُلْقِينِيّ.
1 / 122
مؤلفاته
ثمَّ تصدى للتصنيف فزادت مؤلفاته على مائَة وَخمسين وأعماله أَضْعَاف مَا عمل الْجلَال السُّيُوطِيّ، (فَإِن الْجلَال) وَإِن كَانَت تصانيفه أَكثر عددا فاكثرها صغَار، والمؤلف تصانيفه أَكْثَرهَا كبار، وَمن تصانيفه:
(١) فتح الْبَارِي بشرح البُخَارِيّ، (وَلما تمّ عمل لختمه وَلِيمَة صرف فِيهَا نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار وَبيع مِنْهُ نُسْخَة بثلاثمائة دِينَار) .
(٢) و(٣) - وَآخر يُسمى هدي الساري - وَهُوَ أكبر مِنْهُ - وَاخْتَصَرَهُ وَلم يتما.
1 / 123
(٤)
و(٥) و(٦) وتغليق التَّعْلِيق ومختصره يُسمى بالتشريق (إِلَى وصل المهم من التَّعْلِيق)، ومختصر الْمُخْتَصر يُسمى التَّوْفِيق.
(٧) وتقريب الْغَرِيب فِي غَرِيب البُخَارِيّ.
(٨) والاحتفال بِبَيَان أَحْوَال الرِّجَال (الْمَذْكُورين فِي البُخَارِيّ) زِيَادَة على مَا فِي تَهْذِيب الْكَمَال. (٩)
(وثقات الرِّجَال بِمَا لَيْسَ فِي تَهْذِيب الْكَمَال) . (١٠)
وَشرح التِّرْمِذِيّ - وَلم يتم -. /
(١١) واللباب فِي شرح قَول التِّرْمِذِيّ وَفِي الْبَاب - وَلم يتم -
1 / 124
(١٢) وإتحاف المهرة بأطراف الْعشْرَة: الْمُوَطَّأ ومسند الشَّافِعِي وَأحمد وصحيح ابْن خُزَيْمَة والدارمي وَابْن حبَان وَأبي عوَانَة ومنتقى ابْن الْجَارُود ومستدرك الْحَاكِم، وَشرح مَعَاني الْآثَار للطحاوي، وَسنَن الدَّارَقُطْنِيّ.
(١٣) وأطراف الْمسند المعتلي بأطراف الْمسند الْحَنْبَلِيّ.
1 / 125
(١٤) وتهذيب التَّهْذِيب.
(١٥) ومختصره الْمُسَمّى تقريب التَّهْذِيب.
(١٦) وطبقات الْحفاظ.
(١٧) وَالْكَاف الشاف فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْكَشَّاف.
(١٨) (والاستدراك عَلَيْهِ - لم يتم -
(١٩) والواف بآثار الْكَشَّاف) .
(٢٠) وَنصب (الرَّايَة) فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْهِدَايَة.
(٢١) وهداية الروَاة إِلَى تَخْرِيج المصابيح والمشكاة.
(٢٢) والإعجاب بِبَيَان الْأَنْسَاب.
(٢٣) وَتَخْرِيج أَحَادِيث الْأَذْكَار فِي أَرْبَعَة أسفار كبار. (٢٤) وَتَخْرِيج أَحَادِيث مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب. (٢٥) والتمييز فِي تَخْرِيج أَحَادِيث شرح الْوَجِيز.
(٢٦) والإصابة فِي تَمْيِيز الصَّحَابَة.
1 / 126
(٢٧) وتسديد الْقوس فِي إطراف مُسْند الفردوس.
(٢٨) وزهر الفردوس.
(٢٩) والإحكام لبَيَان مَا فِي القرءان من الْإِبْهَام.
(٣٠) والنخبة.
(٣١) وَشَرحهَا.
(٣٢) والإيضاح بنكت ابْن الصّلاح.
(٣٣) والاستدراك على نكت ابْن الصّلاح لشيخه الْعِرَاقِيّ ثمَّ لم يتم.
(٣٤) ولسان الْمِيزَان.
(٣٥) وتحرير الْمِيزَان.
(٣٦) وتبصير المنتبه / بتحرير المشتبه.
(٣٧) والإيناس بمناقب الْعَبَّاس.
1 / 127
(٣٨) وتقريب الْمنْهَج بترتيب المدرج.
(٣٩) والافتتان فِي رِوَايَة الأقران.
(٤٠) والمقترب فِي رِوَايَة المضطرب.
(٤١) وشفاء الغلل فِي بَيَان الْعِلَل.
(٤٢) والزهر المطلول فِي الْخَبَر الْمَعْلُول.
(٤٣) والتفريج على التدبيج.
(٤٤) ونزهة الْأَلْبَاب فِي الألقاب.
(٤٥) ونزهة السامعين فِي رِوَايَة الصَّحَابَة عَن التَّابِعين.
(٤٦) ونزهة النواظر الْمَجْمُوعَة فِي الهوادر المسموعة.
(٤٧) وَالْمَجْمُوع الْعَام فِي آدَاب الشَّرَاب وَالطَّعَام وَدخُول الْحمام.
(٤٨) وَالْخَبَر الثبت فِي صِيَام السبت.
(٤٩) وَتبين الْعجب فِيمَا ورد فِي صَوْم رَجَب.
(٥٠) وزوائد الْأَدَب الْمُفْرد للْبُخَارِيّ.
1 / 128
(٥١) وزوائد مُسْند الْحَارِث على السِّتَّة ومسند أَحْمد.
(٥٢) والبسيط المبثوث بِخَبَر البرغوث.
(٥٣) وكشف السّتْر بركعتي الْوتر.
(٥٤) وردع المجرم فِي الذب عَن عرض الْمُسلم.
(٥٥) وأطراف الْأَحَادِيث المختارة للضياء الْمَقْدِسِي.
(٥٦) وتعريف الفئة بِمن عَاشَ بِهَذِهِ الْأمة مائَة.
(٥٧) وَإِقَامَة الدَّلَائِل على معرفَة الْأَوَائِل.
(٥٨) وترتيب المبهمات على الْأَبْوَاب.
(٥٩) وأطراف الصَّحِيحَيْنِ على الْأَبْوَاب مَعَ المسانيد.
(٦٠) والتذكرة الحديثية عشرَة أَجزَاء.
(٦١) التَّذْكِرَة الأدبية فِي أَرْبَعِينَ جُزْءا.
1 / 129
(٦٢) والخصال المكفرة فِي الذُّنُوب الْمُقدمَة والمؤخرة.
(٦٣) وَتَخْرِيج الْأَحَادِيث المنقطعة / فِي السّير الهشامية.
(٦٤) وَالشَّمْس المنيرة فِي تَعْرِيف الْكَبِيرَة.
(٦٥) والمنحة فِيمَا علق الشَّافِعِي القَوْل بِهِ على الصِّحَّة.
(٦٦) وتوالي التأنيس بمعالي ابْن إِدْرِيس.
(٦٧) وتحفة المستريض المتمحص.
(٦٨) وفهرس الرِّوَايَات.
(٦٩) وَعلم الوشي فِيمَن رُوِيَ عَن أَبِيه عَن جده.
(٧٠) والأنوار بخصائص الْمُخْتَار.
(٧١) والآيات النيرات بخوارق المعجزات.
(٧٢) وَالْقَوْل المسدد فِي الذب عَن مُسْند أَحْمد.
1 / 130
(٧٣) وتعريف أولى التَّقْدِيس بمراتب الْمَوْصُوف بالتدليس.
(٧٤) والمطالب الْعَالِيَة فِي زَوَائِد المسانيد الثَّمَانِية.
(٧٥) وأنباء الْغمر بأنباء الْعُمر.
(٧٦) والدرة الكامنة فِي أَعْيَان الْمِائَة الثَّامِنَة.
(٧٧) ونزهة الْقُلُوب فِي معرفَة الْمُبدل والمقلوب.
(٧٨) ومزيد النَّفْع بِمَعْرِفَة مَا رجح فِيهِ الْوَقْف على الرّفْع.
(٧٩) وَبَيَان الْفَصْل بِمَا رجح فِيهِ الْإِرْسَال على الْوَصْل.
(٨٠) وتقويم السناد بمدرج الْإِسْنَاد.
(٨١) وتعجيل الْمَنْفَعَة بِرِجَال الْأَرْبَعَة.
(٨٢) وَالرَّحْمَة الغيثية بالترجمة الليثية.
(٨٣) والإعلام بِمن ولي مصر فِي الْإِسْلَام.
«٨٤) وَرفع الإصر عَن قُضَاة مصر.
(٨٥) انتفاض الِاعْتِرَاض - مُجَلد - أجَاب فِيهِ عَن اعْتِرَاض الْعَيْنِيّ عَلَيْهِ فِي شرح البُخَارِيّ.
(٨٦) (وحواشي على طَبَقَات السُّبْكِيّ.)
1 / 131
(٨٧) وبلوغ المرام فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام.
(٨٨) وقوت الْحجَّاج فِي عُمُوم الْمَغْفِرَة للحجاج.
(٨٩) والخصال الموصلة للظلال.
(٩٠) والإعلام بِمن سمي مُحَمَّدًا قبل الْإِسْلَام.
(٩١) وَقُوَّة الْحِيَل فِي الْكَلَام على الْخَيل /.
(٩٢) والإيثار بِرِجَال الْآثَار لمُحَمد بن الْحسن.
(٩٣) وبذل الماعون فِي فضل الطَّاعُون.
(٩٤) والمنتخب من زَوَائِد الْبَزَّار على الْكتب السِّتَّة ومسند أَحْمد.
(٩٥) (والاستنثار على الأعن المعتار) .
(٩٦) وَأَسْبَاب النُّزُول.
(٩٧) ومعجم شُيُوخه.
(٩٨) (وَالْمجْمَع المؤسس فِي المعجم المفهرس) .
(٩٩) وفهرست مروياته.
(١٠٠) وَالْبناء الأبنة فِي بِنَاء الْكَعْبَة.
(١٠١) ونزهة النواظر إِلَى مَجْمُوعه.
1 / 132