هنالك كان يتكلم عن الحقول والمراعي الخضراء وعن منحدرات لبنان حيث تختبئ الزنابق الخضراء لكيلا تفطن لها القوافل المارة في غبار الوادي.
وهنالك كان يخاطبنا عن العوسج البري الذي يبتسم في الشمس ويقرب بخوره للريح المجتازة به.
وكان يقول: إن الزنابق والعوسج تعيش يوما واحدا، ولكن ذلك اليوم هو الأبدية التي تقضى بالحرية.
وفي أحد الأمساء، وقد جلسنا إلى حافة جدول صغير، قال لنا: انظروا إلى الجدول وأصغوا إلى موسيقاه، فهو ينشد أبدا. ومع أنه ينشد البحر أبدا فهو يترنم بأسراره من الظهيرة إلى الظهيرة.
أود لو أنكم تنشدون الأب كما ينشد هذا الجدول بحره.
ثم جاء صيف وجده، وبلغت إلينا حرارة محبته، فحصر كل كلامه بالآخرين، بالجار وعابر السبيل والغريب ورفقاء الصبوة.
فخاطبنا عن السائح المسافر من الشرق إلى مصر، والفلاح الراجع بثيرانه إلى بيته عند المساء، وضيف الساعة الذي يقوده أغلس الظلام إلى بابنا.
وكان يقول: إن جاركم هو ذاتكم غير المعروفة، تتجسد أمامكم لتصير منظورة. فمياهكم الهادئة ستعكس لكم وجهه، وإذا تأملتم بها جيدا فأنتم ولا شك ستنظرون وجوهكم.
وإذا أصغيتم في سكينة الليل فإنكم ستسمعونه متكلما وسيكون خفقان قلوبكم في كلماته.
فاعملوا به نفس ما تودون أن يعمله هو بكم.
অজানা পৃষ্ঠা