الإجابة في رأيي أننا اليوم في أمس الحاجة إلى إعادة النظر في المنظومة العقلية العربية بكاملها؛ فقد أصبح العرب يعيشون وكأنهم على هامش المجتمع الدولي بسبب انكفائهم على مجموعة من الأفكار المتحجرة التي نستلهمها من ماضينا ولم تعد تجاري زماننا. •••
ولعل اللغة العربية هي نموذج واضح ورمز ملموس لتحجر العقل العربي ورفض التغيير من منطلق التمسك بالماضي؛ فنحن نرفض المساس باللغة العربية بدعوى أنها لغة القرآن، لكن الواقع من خلال التحليل الذي أوردته في هذا الكتاب هو أن تواصل الأجيال المقبلة مع القرآن والدين الإسلامي يمر حتما بتطوير اللغة وتطويعها لمقتضيات العصر، فالتطوير مع مصلحة الدين، كما أنه من مصلحة الشعوب العربية.
وكما أثبت في الصفحات السابقة، فإن الدين لعب دورا حيويا في الحفاظ على العربية، وإذا أخذنا مثال مصر في عصور الحكم التركي المملوكي منذ الغزو العثماني، وحتى عصر النهضة في منتصف القرن التاسع عشر، فسندرك حقائق عن اللغة ربما لم نفكر فيها من قبل. ولنطرح على أنفسنا هذا السؤال: من كان يجيد اللغة العربية الفصحى في تلك الحقبة؟
الطبقة الحاكمة كانت تتحدث التركية بصفة أساسية، وكانت هذه اللغة هي لغة التعامل الرسمي والفرمانات والأحكام. أما أبناء الشعب فكانوا يتحدثون اللهجة المصرية الدارجة، وكانوا في غالبيتهم الساحقة لا يعرفون القراءة والكتابة ولا يفهمون الفصحى .
الفئة الوحيدة التي كانت تجيد العربية هي علماء الدين ودارسو أو خريجو الأزهر الشريف، وكان عدد هؤلاء لا يزيد عن بضع مئات تعد على أصابع اليد الواحدة، ولولا هؤلاء لتعرضت العربية في مصر إلى أخطار حقيقية.
وكما أشرت في كتاب «الداء العربي» فإنه عندما أصدر الطهطاوي كتابه الشهير «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» أمر ولي النعم محمد علي باشا بترجمته إلى اللغة التركية حتى يستفيد منه الحكام الحقيقيون للبلاد وغالبيتهم العظمى لا يجيدون سوى التركية.
وخلال القرن العشرين، أدت وسائل النقل والاتصالات إلى التقريب بين شعوب العالم، وبدأت ترتسم معالم قسمات مشتركة تجمع بين أبناء البشرية بصور متفاوتة.
ولا شك أن الحربين العالميتين: الأولى (1914-1918م)، والثانية (1939-1945م)، برغم ضراوتهما البالغة، لعبتا دورا هاما في التقريب بين شعوب العالم، وفي إيجاد قاسم مشترك أعظم من القيم والمبادئ والمثل تصلح للمجتمعات الإنسانية في كل مكان.
وحتى قبل الحرب العالمية الأولى، بدأت شعوب العالم تتفق على مبادئ عامة، وتلفظ بعض الممارسات التي كانت مقبولة من الجميع لقرون طويلة، فكان هناك إجماع تحقق تدريجيا حول إلغاء الرق ونهاية عصر العبيد، وإلغاء التعذيب البدني الذي كان مباحا بل ومستحبا في غالبية مجتمعات العالم، كما ظهر اتفاق عام حول ضرورة إعطاء المتهم فرصة الدفاع عن نفسه من خلال محام يترافع عنه أمام المحاكم.
واستقرت هذه المبادئ في أذهان كافة مجتمعات العالم وأصبح من الصعب على أي مجتمع أن يستثني نفسه من الالتزام بها.
অজানা পৃষ্ঠা