وكل هذه الأرقام تعد فلكية مقارنة بغالبية لغات العالم؛ فالإنجليزية لا يزيد عدد كلماتها عن 250 ألف كلمة، والفرنسية عن 300 ألف كلمة وفقا لقاموس «كنوز اللغة الفرنسية». صحيح أن عدد الكلمات لا يشمل كل تصريفات الأفعال، لكن الفارق في كل الأحوال شاسع بين عدد الكلمات العربية، واللغات الأخرى.
والسؤال هو: هل يعكس هذا العدد المهول من الكلمات العربية دقة وقدرة تعبيرية تفوق أي لغة أخرى في العالم؟ البعض يرى أنه كلما زادت المعاني، كلما اكتسبت البلاغة أبعادا جديدة؛ حيث يمكن اللعب بالألفاظ والإيحاء دون الإفصاح عن المقصود، لكن التجربة أثبتت على العكس؛ حيث إن هذه الوفرة المتناهية أصبحت تزيد غموض المعاني، وتجعل المستمع أو القارئ في حيرة: أي معنى يستنتجه من الكلمة؟ وكلما زادت الاحتمالات ازداد الغموض والالتباس وكثرت التأويلات.
أما بالنسبة للقوة التعبيرية فقد أثبت الشعر العربي أن هذا كان صحيحا في عصر من العصور؛ فالشعراء العرب توصلوا إلى قدر من البلاغة تكاد تصل أحيانا إلى حد الإعجاز. وأنا لا أتحدث هنا عن إعجاز القرآن الكريم الذي نزل بالعربية؛ لأنه معروف للجميع. وقد نجح الشعراء في العصور الذهبية أن يترجموا أفكارا، وأحاسيس غاية في النبل والسمو، ربما لم يصل إليها أي شعر في العالم، لكن الشعر تطور بعد ذلك تطورا ضخما في أوروبا بعد عصر النهضة، وظهر شعراء أبدعوا قصائد بديعة تسمو هي الأخرى إلى السماء السابعة في عالم الإبداع والجمال.
أما عن الدقة فهذا أمر مشكوك فيه جدا. وإذا كان العلماء العرب قد نجحوا في الماضي في التعبير العلمي، فإن العلماء الغربيين قد تفوقوا عليهم بعد ذلك، وأصبحت العربية اليوم تلهث وراء الإنجليزية لمواكبة التطور العلمي والتعبير عنه باللغة الدقيقة. •••
وكان العرب مولعين بالمترادفات منذ العصر الجاهلي، ففي باب الأسد تقول الموسوعة الإسلامية إن هناك ثلاثة من علماء اللغة العرب قد عددوا 600 مرادف لاسم الأسد (والرقم هو «ستمائة» لمن يتصور أن هناك صفرا أو اثنين أضيفا بفعل خطأ مطبعي). وقد قام المستشرق جرونرت بدراسة في الشعر العربي القديم فأحصى أكثر من 400 اسم مذكور فيها للأسد منها: الليث، والسبع، والغضنفر، والهزبر، والأسامة، والعباس، على سبيل المثال لا الحصر.
والجمل له في العربية 160 اسما بأنواعه المختلفة. وصحيح أن هناك جملا بسنمين وآخر بسنم واحد؛ لكن هذا لا يبرر أن يكون هناك 160 اسما مختلفا للجمل.
ويروى عن أبي العلاء المعري، وكان كفيفا كما هو معروف، أنه داس على قدم رجل عندما دخل أحد مساجد بغداد في زيارته الوحيدة لها، واستشاط هذا الرجل غضبا وشتم أبا العلاء قائلا: «إلى أين يا كلب؟» فاكتفى أبو العلاء بأن قال: «الكلب هو من لا يعرف للكلب سبعين اسما.»
فحتى الكلب كان له عند العرب سبعون اسما على أقل تقدير.
لماذا كل هذه الأسماء؟ ألا تكفي خمسة، أو حتى عشرة مرادفات، قد تعكس اختلافات بين أسد وآخر، أو جمل وآخر في اللون أو في النوع مثلا؟
وفي الجزء الأول من كتاب «تاريخ آداب اللغة العربية» يتعرض جرجي زيدان للإفراط في المترادفات. ومن الواضح أنه يراه إيجابيا حيث يقول إن:
অজানা পৃষ্ঠা